الأربعاء - 08 مايو 2024
الأربعاء - 08 مايو 2024

طوكيو 2020.. «فرحة الحدث» تصطدم بالكلفة القياسية والمستقبل يؤرق باخ

للاطلاع على الانفوغراف بالدقة العالية اضغط هنا

لن يكون غداً الجمعة يوماً عادياً مثل غيره من الأيام، إذ سيشهد ظهر اليوم افتتاح أكبر عرس رياضي في العالم، والمقصود به أولمبياد طوكيو 2020 المؤجل من العام الماضي بسبب جائحة كورونا.

فرادة «اليوم» لم يكتسبها من هالة الحدث الضخم فقط، وإنما لخصوصية اللحظة، إذ بافتتاح الأولمبياد غداً، يكون العالم الرياضي قد تجاوز آخر ساعات الشك حول إقامة الحدث، وهو أمر كان بسبب تزايد إصابات كورونا، وأيضاً لتحركات عدة مناهضة لقيام الأولمبياد، قبل أن يخطو المنظمون واللجنة الأولمبية الدولية خطوة للأمام، ويسددوا طعنة جديدة لفيروس كورونا الذي سلب العالم حريته وحياته الطبيعية التي يتوق لعودتها بأقرب وقت.

ورغم اقتصار حفل الأولمبياد على الشخصيات الرسمية على رأسها إمبراطور اليابان ناروهيتو المتوقع إعلانه ضربة البداية للحدث، وغياب الجماهير لأسباب تتعلق بالجائحة، فإن عودة الأولمبياد واستئنافها سيكون الحدث الأهم في حقبة ما بعد كورونا، لجهة الأعداد الضخمة من الرياضيين المشاركين، والتي تبلغ 11 ألفاً و500 رياضي من 206 دول يتنافسون في 33 رياضة متنوعة.

وستكون اللجنة المنظمة في اليابان بقيادة رئيسة الأولمبياد سيكو هاشيموتو ورئيس اللجنة الأولمبية توماس باخ مثار إعجاب العالم، وذلك بتحملهم لضغوط ما قبل الأولمبياد، وعملهم على إحياء آمال أبطال كثر يحلمون بتسجيل ظهورهم الأخير في الأولمبياد بسبب عمرهم، وآخرون يتوقون لمعانقة العرس الأكبر للمرة الأولى في مشوارهم، ومعانقة ذهبها.

فرحة تنظيم الأولمبياد والنصر على كورونا، ربما تضاهي فرحة الارستقراطي الفرنسي بيير دي كوبيرتان، بعد أن تحقق حلمه بإعادة الألعاب من بوابة أمريكا أرض الأحلام في أولمبياد 1896، وذلك بعد أن حرر لها الإمبراطور الروماني ثيودوسيوس شهادة الوفاء في عام 393 ميلادية، مرجعاً قراره إلى كونها مهرجانات وثنية ضد قيم إمبراطوريته.

وربما يقارن آخرون فرحة اليوم بشعور مماثل في افتتاح أولمبياد كل من 1920، و1948 كونها جاءت جميعها بعد نسخ ملغاة بسبب الحربين العالميتين، لكن ما يميز افتتاح اليوم، على الأرجح، هو اختلاف الأسباب، فتلك كانت بفعل بشري بحت، ويمكن توقع نهايتها، عكس الأولمبياد الحالية والتي كانت ضحية لعدو خفي، ظل يطور من تكتيكاته و(تحوراته) ويهاجم بها البشرية بلا هوادة، قبل أن يُمنى بضربات متتالية من (ثورة اللقاحات)، والعزيمة البشرية، والتي تتجلى في أبهى صورها بعودة العرس الأولمبي اليوم.

إحباط خلف السطور

في غمرة نشوته باللحظة، وتصفيقاته وابتساماته المتوقعة أمام الكاميرات خلال تدشين الحدث، ربما أخفى رئيس اللجنة الأولمبية الألماني توماس باخ الكثير من القلق خلفها، والسبب هنا يعود لأخبار الكلفة الباهظة لأولمبياد طوكيو، والتي بحسب التقارير الرسمية بلغت 15.4 مليار دولار أمريكي، لتصبح بالتالي أعلى كلفة بتاريخ الأولمبياد، متجاوزة لندن 2012، والتي كلفت رسمياً 15 مليار دولار.

وبحسب التقرير الياباني الرسمي، فإن تأجيل الأولمبياد لعام هو السبب الرئيسي في ارتفاع الكلفة، إذ أضاف ما قيمته 2.8 مليار على الميزانية، في وقت رفض فيه عدد من الاقتصاديين اليابانيين والمهتمين الرقم الحالي، ورأوا أن الكلفة الحقيقة لهذا الأولمبياد بلغت 26 مليار دولار، بحسب ما نقلته عنهم (الاسوشيتد برس).

وتبدو هذه الأرقام، سواء أكانت الرسمية أم المزعومة، محبطة للغاية، وذلك مقارنتها بالكلفة التي أعلنتها طوكيو في 2013، عندما فازت بتنظيم الحدث، إذ رصدت 7 مليارات دولارات فقط، إلى جانب الأهم وهو امتلاكها لـ25 موقعاً أولمبياً جاهزاً، من جملة 43 موقعاً ستجري عليها الألعاب، وهو أمر كان يفترض أن يقلل كثيراً من الكلفة.

متلازمة الخوف

ما إن أعلنت طوكيو حجم الكلفة، حتى بدأ الكثيرون من التحذيرات من مستقبل غامض للأولمبياد بشقيها الشتوي والصيفي، محذرين بأنها لن تجد مدناً تستضيفها مستقبلاً.



ووجدت دراسة أجراها الباحث البريطاني بنت فلوبيرغ لجامعة أكسفورد، ارتفاعاً مطرداً في كلفة الأولمبياد، إذ بلغ معدل الكلفة لآخر نسخ أولمبية، وتحديداً من 2007 وإلى 2016 ما قيمته 12 مليار دولار، وهو مبلغ ضخم لاستضافة أولمبياد صيفي، في وقت اعتاد فيه الكثيرون على ارتفاع كلفة استضافة الأولمبياد الشتوي.



ووفقاً للدراسة ذاتها، فإن أعلى كلفة أولمبياد صيفي ستكون طوكيو الحالية بـ15.4 مليار دولار، تليها لندن بـ15 مليار دولار، وأقل أولمبياد صيفي كلفة هو طوكيو أيضاً في 1964 بـ282 مليون دولار فقط.



فيما تتصدر أولمبياد سوتشي 2014 قائمة في الأولمبياد الشتوية بـ21 مليار دولار، في حين جاءت أولمبياد إنسبروك في النمسا 1964 أقل كلفة بـ22 مليون دولار فقط.



وحذرت الدراسة، من إحجام المدن من استضافة الأولمبياد مستقبلاً، مشيرة إلى تراجع الحماس الشعبي العام لمثل هذه الأحداث، بعد الخسائر المدوية أخيراً، واستدلت في ذلك بتراجع عدد المرشحين لأولمبياد 2022 الشتوي و2024 الصيفي.



وأشارت إلى حادثة شيكاغو، والتي أنفقت 100 مليون دولار، على ملف ترشحها لتنظيم أولمبياد 2016، لكنها خسرته لصالح ريو دي جانيرو، قبل أن ينعكس ذلك على بوسطن التي كانت تتطلع لاستضافة أولمبياد 2024، والتي انسحبت تحت الضغط الشعبي والمظاهرات.



وبدوره، نشر موقع بزنس إنسايدر تقريراً مماثلاً، لكنه بدا أكثر تشاؤماً، إذ توقع موت الأولمبياد قريباً من بوابة امتناع المدن عن استضافتها، بحال استمرار ارتفاع الكلفة بهذه الطريقة.



وبرر الموقع توقعاته تلك بقراءة مثيرة في جدول المترشحين لتنظيم الأولمبياد، إذ كانت أولمبياد 2004 في اليونان الأعلى طلباً (ترشحت لها 11 مدينة)، تليها أولمبياد بكين 2008 بـ10 طلبات ترشح، وأولمبياد لندن 2012 بـ9 طلبات.



ومنذ وصول كلفة لندن 2012 إلى 15 مليار دولار، بدا سوق المترشحين يشهد ترجعاً مخيفاً، وذلك بـ7 طلبات لأولمبياد ريو دي جانيرو و5 طلبات للأولمبياد الحالي، طلب وحيد لأولمبياد 2024 في باريس، وهو أمر بحسب الموقع مقلق للغاية.



باخ يتحرك

لا يكاد يختلف اثنان في ذكاء الألماني توماس باخ، والذي سجلت الأولمبياد في عهده نهضات متتالية، لكنه الآن سيكون مطالباً بإعادة تقييم الأمور.

واستبق باخ الجدل الحالي، بإصداره ميثاقاً قبل مدة، ركز فيه على ضرورة عدم تكبد المدن المستضيفة خسائر، كما حدّث فيه شروط الترشح، بيد أن ذلك لا يبدو عملياً حتى الآن وسط الارتفاع الجنوني هذا في كلفة الاستضافة.

حلول

البروفيسور أندرو زامبيلست والمحاضر بكلية سميث بأمريكا، رأى أن الوضع مخيف مستقبلاً، ووضع عدة حلول أمام توماس باخ، أبرزها تخصيص مدينتين واحدة للأولمبياد الصيفي، وأخرى للشتوي، لتكونا مقرين ثابتين للأولمبياد، وذلك لتجنيب المدن حرج الاستضافة، إلى جانب ضمان استمرارية العرس العالمي بأبهى صورة.

ورأى زامبيلست أن الأمر سيكون مفيداً من الناحية العالمية، واقترح أن تقوم اللجنة الأولمبية ببناء تلك المقرين الدائمين للأولمبياد.