الاحد - 28 أبريل 2024
الاحد - 28 أبريل 2024

«اقتصاد الظل» في إسبانيا يقفز بعائدات الضرائب لأرقام قياسية

«اقتصاد الظل» في إسبانيا يقفز بعائدات الضرائب لأرقام قياسية

تتمتع إسبانيا بارتفاع قياسي في الإيرادات الضريبية لا مثيل له في أقرانها الأوروبيين بعد أن أجبر الوباء النشاط التجاري السري على الخروج من الظل، وبلغ صافي الإيرادات الضريبية للبلاد أعلى مستوى له منذ أن بدأت السجلات من يناير إلى نوفمبر من العام الماضي، حيث قفزت بنسبة 15.9% عن نفس الفترة في عام 2021، وقدمت 33 مليار يورو إضافية للخزينة العامة.

ويلقى تحصيل الضرائب الموسع ترحيباً خاصاً في إسبانيا نظراً لعبء الدين العام الهائل، حيث ارتفعت الإيرادات الضريبية أيضاً من عام 2020 إلى عام 2021، بنسبة 14.9% أو 27 مليار يورو خلال نفس الفترة، وفقاً لبيانات وكالة الضرائب في البلاد.

وتسعى الحكومة الإسبانية التي يقودها الاشتراكيون إلى جمع مبالغ سنوية تبلغ 3.5 مليار يورو من الضرائب غير المتوقعة على البنوك وشركات الطاقة، والتي تدخل حيز التنفيذ في عام 2023، بحسب فاينانشيال تايمز.

ويعد أحد أسباب ارتفاع الإيرادات الضريبية هو النمو الاقتصادي، حيث قدرت الحكومة هذا الأسبوع أن الناتج المحلي الإجمالي زاد بأكثر من 5% في عام 2022، فضلاً عن عامل التضخم الذي يمثل نصف الزيادة وفقاً لبعض الحسابات، لكن أبحاث فاينانشيال تايمز تظهر أن المكاسب النسبية لإسبانيا في عام 2021 تجاوزت الزيادات في فرنسا وألمانيا وإيطاليا والبرتغال واليونان حتى عند حساب التضخم.

يعزو الاقتصاديون ومسؤولو وزارة المالية الاختلاف جزئياً إلى التغييرات في اقتصاد الظل أو الاقتصاد الرمادي، وهي منطقة غامضة من النشاط غير المسجل تمتد على كل شيء من عمال المزارع غير الرسميين إلى السباكين الذين لم يعلنوا عن الدخل النقدي والمطاعم التي تدفع بعض الأجور من الدفاتر.

و سهّل إخفاء اقتصاد الظل لفترة طويلة التهرب الضريبي، مما أثار ذعر الحكومات، لكن أزمة كورونا وسياسات الدعم الاقتصادي ذات الصلة خلقت ضغوطاً وحوافز جديدة كشفت عن نشاط سري لجامعي الضرائب والإحصائيين العامين.

وقال أنجيل دي لا فوينتي، المدير التنفيذي لشركة فيديا الاقتصادية: «أدرك الناس أثناء الوباء أنه إذا كان لديهم عقود قانونية وكانوا فوق الأرض، إذا جاز التعبير، فيمكنهم طلب المساعدة من الحكومة إذا ساءت الأمور».

وكان إضفاء الطابع الرسمي على الأعمال والتوظيف يعني التمكن من الوصول إلى برامج الإجازة في إسبانيا للعمال غير الرسميين، كما فتح الباب أمام دعم السيولة للشركات التي تقدمها الحكومة.

وفي أكتوبر 2022، قال جيسوس جاسكون، وزير الدولة للشؤون المالية: «إذا لم تكن على الرادار، فلن تتلقى المساعدة».

وأعلنت وكالة الضرائب، التي أعلنت أحدث بياناتها في أواخر ديسمبر، أن الإيرادات الضريبية المرتفعة تعكس الزيادات في تحصيل ضريبة المبيعات وضريبة الدخل الشخصي وضريبة دخل الشركات -وكلها ستظهر تأثير النشاط السري مرة واحدة والذي أصبح رسمياً، وأكد أن الأرقام الجديدة سجلت رقماً قياسياً في مجموعة البيانات التي تمتد إلى عام 1995.

وسلط إجناسيو دي لا توري، كبير الاقتصاديين في بنك الاستثمار اركانو، الضوء على التناقض في أرقام التوظيف، فوفقاً لأرقام رواتب وزارة العمل التي لا تشمل اقتصاد الظل، نما عدد العمال في إسبانيا بمعدل سنوي قدره 2.6% في الربع الثالث من عام 2022، لكن بيانات منفصلة من معهد الإحصاء الوطني، الذي يستند إلى استطلاعات ويتضمن العمل تحت الأرض، أظهر أنه لم يكن هناك أي تغيير في التوظيف.

وقال: «قد يظهر هذا أن العمال السابقين في الاقتصاد السري أصبحوا الآن منظمين».

كما انخفضت المعاملات السرية -المعروفة باسم "الدفع فيB" في إسبانيا- بسبب المخاوف من أن يصبح النقد ناقلاً لفيروس كورونا.

وأدى الوباء إلى تسريع اتجاه المستهلكين الذين يستخدمون نقوداً أقل. وأظهرت دراسة للبنك المركزي الأوروبي نُشرت في ديسمبر أنه في الفترة من 2021 إلى 2022، تجاوز المبلغ الذي تم إنفاقه عبر معاملات البطاقة الشخصية عمليات الشراء في الأوراق النقدية والعملات المعدنية لأول مرة. وكان الانخفاض في استخدام النقد أكثر حدة في جنوب أوروبا، حيث انخفضت النسبة في إسبانيا 18 نقطة مئوية عن عام 2019.

ووفقاً لدراسة أجراها صندوق النقد الدولي عام 2018، كان اقتصاد الظل الإسباني يعادل 17.2% من الناتج المحلي الإجمالي، وهي حصة أقل من إيطاليا واليونان ومعظم أوروبا الشرقية، لكنها أكبر من البرتغال وبقية أوروبا الغربية.

ونما النشاط غير الرسمي في إسبانيا في الثمانينيات وأوائل التسعينيات بعد تشديد القواعد الضريبية، حيث سعت الحكومة إلى جعل البلاد تتماشى مع المعايير الأوروبية بعد نهاية الدكتاتورية والعودة إلى الديمقراطية. وتعد الأندلس وجزر الكناري أكبر الاقتصادات السرية، وهما منطقتان تدعم فيهما السياحة العديد من المطاعم والحانات، وتميل المدفوعات الرمادية إلى الانتشار.

وعلى الرغم من أن جميع الزيادات في الإيرادات الضريبية مفيدة، إلا أن الانكماش في تجارة الظل لن يعالج بمفرده الوضع المالي غير الصحي لإسبانيا، حيث يساوي الدين العام 116% من الناتج المحلي الإجمالي، وفقاً لبنك إسبانيا.

ويتوقع ريموند توريس، مدير تحليل الاقتصاد الكلي في مؤسسة بنك التوفير الإسباني فونكاس، أن يرتفع عجز ميزانية الدولة إلى 4.6% من الناتج المحلي الإجمالي في عام 2023 من 4% العام الماضي، مرجعاً ذلك جزئياً إلى ارتفاع أسعار الفائدة.

وقال توريس إن إسبانيا لا يمكنها الاستمرار في إرجاء محاولة جادة لخفض العجز، لكنه أضاف أن الانتخابات الإقليمية والوطنية في عام 2023 تعني أنه من غير المرجح أن تواجه حكومة رئيس الوزراء بيدرو سانشيز التحدي.

وكشف سانشيز الأسبوع الماضي عن مجموعة من الإجراءات بقيمة 10 مليارات يورو لتخفيف أزمة كلفة المعيشة، وتضمنت ثالث حزمة دعم من هذا النوع في 2022، تخفيضات في ضريبة المبيعات، وتمديد إعانات النقل العام، ودفع 200 يورو لمرة واحدة لأربعة ملايين أسرة.

ولا يتوقع توريس زيادة في الإيرادات الضريبية هذا العام لتتطابق مع عامي 2021 و2022، «ما رأيناه هو زيادة في حجم قاعدة الدخل الخاضع للضريبة، ولكن ليس زيادة في معدل نمو الدخل».