الجمعة - 26 أبريل 2024
الجمعة - 26 أبريل 2024

الطابع البريدي .. 144 عاماً ولا يزال محتفظاً بحضوره رغم سطوة الوسائط الرقمية

قديماً غنت الفنانة المصرية الراحلة رجاء عبده «البوسطجية اشتكوا من كتر مراسيلي»، لكن يبدو أنهم وبعد 73 عاماً من الأغنية ونحن نحتفل بالذكرى 144 لليوم العالمي للبريد الذي يوافق 9 أكتوبر من كل عام، لم يعودوا يشتكون من ذلك، بعد أن أوشكت التكنولوجيا على وضع بضاعتهم طي النسيان وهو ما يرفضه بشده محبو جمعها الذين يؤكدون أن هذه الهواية آخذة في الانتشار بين كافة فئات المجتمع. طوابع البريد ليست مجرد ورقة صغيرة ترفق بالرسائل والمكاتبات، بل هي من حيث ما ترمز إليه توثيق حي لمناسبات مهمة، ومؤثرة، وسعيدة أيضاً بالنسبة لمن يسعى لتخليده، عبر إصدار بريدي، يبقى شاهداً يحفظ تلك الذكرى لـ «المستقبل»، قبل أن يصبح هذا «الطابع» نفسه، قيمة تاريخية ومادية. لكن الهواية التي عُرفت قديماً بهواية الملوك باتت تصارع النسيان في ظل التطور الرقمي الجارف، ورغم ذلك يؤكد محبوها أنها تمرض، لكنها لا تموت، ولمَ لا وهي وريقات تفوح منها رائحة الماضي، حيث تروي حكايات مضت، وتوثق أياماً من التاريخ، وأحداثاً لا يمكن أن يطويها النسيان، وشخصيات تركت بصمة دامغة على المجتمع. وثيقة تاريخية يرجع الباحث في مجال الطوابع البريدية ومؤلف كتاب «تاريخ طوابع الإمارات، الماضي، الحاضر، المستقبل» معتز عثمان، بداية هذه الهواية إلى إصدار أول طابع بريدي في انجلترا سنة 1840 والذي كان يحمل صورة الملكة فيكتوريا، حيث تسابق الكثير على شرائه والاحتفاظ به، ومع مرور الوقت انتشرت الهواية. وأشار إلى أنه وفي الوقت الحالي تجاوزت الطوابع مرحلة الهواية وبات اقتناؤها عملية تجارية تدر الملايين على الكثير من محبيها. وتنبع الأهمية التاريخية لهذه الهواية في أن لها دوراً ثقافياً إنسانياً مهماً، فهي تحكي وباختصار تاريخ حضارات الدول والشعوب، وتقدم نبذة عن تاريخ أي دولة وماضيها وحاضرها ورؤيتها للمستقبل بحسب عثمان، الذي أكد أن أهمية الطابع لا تتوقف عند تحصيل الرسوم للدولة بل لأنه يمثل وثيقة تاريخية. ويعتقد عثمان أن الطوابع البريدية لم ولن تندثر فالرسائل البريدية لا زالت تحتفظ بمكانتها، مشيراً إلى أنها ورغم الزخم الرقمي إلا انها تعتبر برأيه الوسيلة الأكثر أمناً مقارنة بغيرها من الوسائط. وثمن جهود الجمعية الإماراتية لهواة الطوابع في تحفيز الشباب على تبني الهواية عبر تنظيم المحاضرات والفعاليات والندوات المتخصصة. متحف للنفائس دعا رئيس مجلس إدارة جمعية الإمارات لهواة الطوابع الباحث المتخصص في الطوابع البريدية عبدالله خوري، إلى تخصيص مساق ضمن منهج تعليمي في المدارس لتدريس تاريخ البريد، مع تدشين متحف دائم يضم نفائس الطوابع البريدية. ولا يتفق خوري مع الآراء القائلة إن هواية جمع الطوابع البريدية آخذة في الأفول بعد دخول التكنولوجيا هذا المجال وتواري الرسائل البريدية وراء البريد الإلكتروني، مؤكداً أن الطابع البريدي أثبت وجوده على الرغم من تسارع إيقاع الحياة واختلاف وتغير الكثير من المفاهيم في حياتنا. واستشهد على ذلك بالجهود التي تصدر عن الهواة والمحبين للطوابع على المستويين المحلي والعالمي والتي تتجسد في تنظيم المعارض والمسابقات العالمية التي تحتفي بالطوابع والتي تشهد حضوراً كثيفاً من الزوار. وأشار إلى أن الجمعية الإماراتية لهواة جمع الطوابع تشهد انتشاراً أكثر وأكثر، حيث ينضم إليها وبصورة يومية أعضاء جدد، لافتاً إلى أن الطابع ليس مجرد رمز مصور لتحصيل الرسوم بل هو وثيقة تعنى بتدوين وتوثيق التاريخ، فضلاً عن أنها تجارة رابحة. تزايد الهواة ويتفق مع الرأي السابق عضو الجمعية الإماراتية جهاد سلمان الجودر، حيث يؤكد أنه لا خوف على مهنة جمع الطوابع، مشيراً إلى أن عدد الهواة في تزايد ومن كل الفئات حيث دخل البراعم واليافعون والشباب على خط الهواية. وشدد على ضرورة نشر ثقافة هواية الطوابع بين الشباب والجيل الجديد بما يساهم في تنمية الوعي بأهميتها سواء عبر الزيارات المدرسية أو تأسيس متاحف تحتفظ بالإرث التاريخي للطوابع. استثمار اعتبر عضو الجمعية مبارك القحطاني أن هواية جمع الطوابع لم تعد مجرد هواية تسجل تاريخاً ممتداً من عبق الماضي بل حولها الكثير إلى عملية تجارية تعتمد على البيع والشراء وتحقق الأرباح. وأشار إلى أن هذه الهواية تعد أحد أهم خيارات الادخار البديلة أمام الأفراد، نظراً لقدرتها على تحقيق عائد مناسب عند بيعها على المدى الطويل. ونوه بأن الاستثمار في المقتنيات النادرة يتطلب مستوى عالياً من الخبرة والمعرفة، داعياً إلى شراء الطوابع النادرة من مصادر موثوقة يمكنها أن توفر أدلة على أصل الطابع البريدي، لافتاً إلى أنه إذا ما كان به خطأ مطبعي فإن قيمته ترتفع أكثر كونه الأكثر ندرة. صرعة شبابية لم تنج الطوابع البريدية من صرعات الشباب الذين جعلوها وسيلة للتهادي وتزيين الكتب ودفاتر المحاضرات، لكن عبر إجراء تعديل عليها باستخدام برامج الصور مثل الفوتوشوب وأخواته لاستبدال الصورة التاريخية الموجودة على الطابع بصورتهم الشخصية. وتحولت الفكرة المبتكرة مع مرور الوقت إلى موضوع مثير ورغبة جارفة أوجدت لها رواجاً كبيراً يقبل على تنفيذه الشباب والفتيات الراغبون في التجديد. وأكد صاحب إحدى المطابع في الشارقة مصطفى مهنا أنه لم تعد فكرة وضع صورة الشخص أو أحد أبنائه أو أفراد أسرته على طابع بريدي فكرة من محض الخيال بعد أن طوع شباب برامج تقنية للطباعة عبر تصاميم تشبه إلى حد كبير الطابع البريدي. وبحسب مهنا يحظر على المطابع الرسمية تنفيذ الفكرة التي تصل عقوبتها الرادعة إلى إغلاق المطبعة أو سحب الترخيص، مشيراً إلى أن تنفيذ الفكرة فقط يجري في إطار الأصدقاء فيما بينهم، منوهاً بأن جودة الطابع تتباين بحسب البرامج التقنية المستخدمة في تنفيذ الفكرة ومهارة المصمم.