السبت - 27 أبريل 2024
السبت - 27 أبريل 2024

انفجار فاتورة واردات الدوحة

مع بداية إغلاق الحدود البرية والبحرية والجوية بين قطر والدول الداعية لمحاربة الإرهاب، أصر المسؤولون القطريون على أن هذه الإجراءات لا أثر يذكر لها، وأن قطر قادرة على الصمود أمامها قرناً من الزمن مهما كلفها ذلك. وبعد مرور ما يزيد قليلاً عن شهر على إغلاق الحدود، بدأت الاعترافات الخجولة تظهر على لسان المسؤولين القطريين، فقبل أيام قليلة أقر محافظ البنك المركزي القطري الشيخ عبد الله بن سعود آل ثاني، بخروج ستة مليارات دولار من النظام المصرفي منذ بداية الأزمة. وبعدها بأيام قليلة أقر وزير الاقتصاد القطري الشيخ أحمد بن جاسم بن محمد آل ثاني، بأن حركة التجارة الجوية مع قطر مستمرة دون انقطاع رغم العقوبات، وهو اعتراف ضمنى بتأثرها عبر الطرق البرية والبحرية. ويبدو أن وتيرة الاعترافات القطرية حول الآثار الاقتصادية لإغلاق الحدود ستكتسب زخماً كبيراً ووتيرة متسارعة في الفترة المقبلة، مع توالي ظهور الخسائر التي منيت بها مختلف القطاعات الاقتصادية. وما أعلنه وزير الاقتصاد القطري ليس إلا انعكاساً للحقائق على أرض الواقع، فقد أرسلت تركيا على سبيل المثال نحو 200 طائرة شحن إلى قطر منذ بدء الأزمة لتلبية احتياجاتها اليومية، بحسب وزير الاقتصاد التركي نهاد زيبكجي. ولم تكن تركيا وحدها بطبيعة الحال التي استغلت الأزمة القطرية لتحقيق مكاسب اقتصادية، فقد سبقتها إلى ذلك إيران التي أرسلت خمس طائرات محملة بالأغذية في الأيام الأولى من إغلاق الحدود. والقائمة تمتد لتشمل دولاً أخرى بعضها يفعل ذلك في السر وبعضها يفعل ذلك في العلن، ولكنها جميعاً تتفق في شيء واحد فقط وهو أنها تبيع السلعة التي يبلغ ثمنها ريالاً واحداً بعشرة أو بعشرين ريالاً، دون أن تنسى أن تضيف إلى الفاتورة عشرة في المئة رسوم خدمة. وباعتراف وزير الخارجية القطري الشيخ محمد بن عبد الرحمن آل ثاني، فإن تكلفة الشحن ارتفعت إلى عشرة أضعاف منذ بادية الأزمة، وهذه التكلفة لا تشمل بالطبع تكلفة التأمين على البضائع أو التكاليف الناجمة عن الحاجة إلى نقل البضائع المطلوبة، عبر أكثر من وسيلة من وسائل الشحن مثل البر والبحر في مراحل معينة على مسار الرحلة. وحتى يمكن رسم صورة تقريبية لحجم الأزمة التي تعانيها قطر، يكفي فقط أن نذكر أن نقص الحليب ومنتجات الألبان دفع رجل الأعمال معتز الخياط إلى بدء جسر جوي لنقل نحو 4000 بقرة اشتراها من أستراليا والولايات المتحدة لنقلها بواسطة الخطوط الجوية القطرية، التي كانت حتى وقت ليس ببعيد تزعم بأنها أفضل خطوط طيران في العالم. والسؤال الذي يطرح نفسه هو إلى أي مدى يمكن لقطر أن تعيش على توفير أبسط احتياجاتها اليومية عبر جسر جوي؟ وما هو تأثير ذلك على تكلفة الشحن؟ وما هي الطفرة التي من المتوقع أن يحدثها ذلك على فاتورة الواردات القطرية؟ وما هو أثر ذلك على توافر النقد الأجنبي اللازم لدفع فاتورة الواردات وتداعياته على نسبة النمو الاقتصادي وحجم العجز المالي؟ وبحسب تقديرات البنك الدولي بلغت فاتورة الواردات القطرية نحو 43.9 مليار دولار بنهاية عام 2016، وفي السنوات الخمس الماضية نمت الواردات القطرية بمعدل سنوي يزيد على 8.5 في المئة، ما يجعل قطر الدولة رقم 58 في قائمة اكثر الاقتصاديات إستيراداً. وتمثل الواردات الغذائية لقطر نحو عشرة في المئة من إجمالي الواردات وأغلب هذه الواردات كان يمر عبر الحدود البرية مع السعودية، وهذا يعني أن نسبة كبيرة من الواردات التي كانت تنقل عبر الحدود البرية أو حتى الحدود البحرية، سيتعين نقلها عبر الشحن الجوي، ما يرفع من نسبة الواردات القطرية المنقولة عبر الشحن الجوي. وتلعب تكلفة الشحن دوراً مهماً في تحديد أسعار السلع في الأسواق التي تستهلك فيها، وتحدد كمية السلع وحجم المخزونات التي يتعين الاحتفاظ بها وطبيعة السلع محل الطلب ووسيلة الشحن المفضلة. وبصفة عامة، فإن الشحن الجوي هو الأسرع والأكثر ملاءمة للسلع سريعة العطب ولكنه الأكثر تكلفة، ورغم أن النقل البحري يقل بنسبة تزيد على 50 في المئة عن تكلفة الشحن الجوي، إلا أنها تستغرق وقتاً طويلاً، وبينما يعد النقل البري ألأرخص من بين وسائل الشحن، إلا أنه غير مجدٍ في حالة قطر لأن حدودها البرية مع الدول المجاورة مغلقة. وفي المتوسط، فإن السلعة التي تتكلف دولارين فقط لنقلها من لندن إلى الدوحة، على سبيل المثال عن طريق الشحن البحري، فإنها تتكلف 12 دولاراً عن طريق الشحن الجوي، أي ما يزيد على ستة أضعاف. وبحسب بيانات شركات الشحن العالمية، فإن تكلفة المتر المكعب من لندن إلى ميناء الدوحة عن طريق البحر، تتكلف نحو 166 دولاراً، فيما تصل تكلفة نقل 50 كيلوغراماً فقط جواً من لندن إلى الدوحة نحو 110 دولارات، وهذه الأرقام لا تشمل أية تكاليف أخرى مثل المناولة أو التخليص الجمركي أو رسوم الحجر الصحي. ومما يزيد الطين بلة، أن استمرار تدفق المواد الغذائية لتلبية احتياجات نحو 2.5 مليون نسمة بينهم 90 في المئة من الوافدين غير القادرين على تحمل ارتفاع الأسعار الجنوني، يعني أن على قطر أن تشحن احتياجاتها من الخضراوات والأغذية حتى على طائرات المسافرين، وليس على طائرات الشحن العادية والرحلات العارضة، والتي تقل التكلفة بها بنحو 50 في المئة تقريباً. وتدرك شركات الطيران مدى حاجة قطر لاستمرار تدفق المواد الغذائية على مدار الساعة عبر جسر جوي، ما يدفع شركات الطيران إلى التسابق فيما بينها على رفع أسعار الشحن.