السبت - 18 مايو 2024
السبت - 18 مايو 2024

الدوحة تحرق أسعار النفط لتعويض خسائرها الاقتصادية

الدوحة تحرق أسعار النفط لتعويض خسائرها الاقتصادية

Athlos tanker off the coasts of Zygi, southern Cyprus, on 30 December, 2018. - Cyprus police rescued five injured crew from the water following an explosion on a Maltese-flagged oil tanker off the island's south coast on December 29, authorities said. (Photo by Iakovos Hatzistavrou / AFP)

جورج فهيم ـ دبي

في وقت يتداعى فيه الجميع لوقف الانهيار في أسعار النفط بالأسواق، فاجأت قطر العالم بخفض أسعار نفطها الخام البحري لشهر ديسمبر بأثر رجعي إلى 57.70 دولار للبرميل، بانخفاض قدره 8.20 دولار للبرميل عن الشهر السابق، ما قلص علاوة سعر البيع الرسمي للخام القطري إلى 0.38 دولار فوق خامات دبي.

وحددت قطر سعر البيع الرسمي للخام البري للتحميل في ديسمبر عند 58.45 دولار للبرميل، بانخفاض قدره 8.50 دولار عن الشهر السابق، ما قلص العلاوة مقابل خام دبي إلى 1.13 دولار للبرميل، بانخفاض قدره 26 سنتاً.


ويمثل القرار القطري بالتلاعب في الأسعار استمراراً للنهج الفردي في شق وحدة الصفوف وزرع الانقسامات وفصم عرى الوحدة في السياسة والاقتصاد والعلاقات الدولية.


وتمارس الدوحة منذ فترة سياسة خفض أسعار بيع النفط الخام إلى الشركات الآسيوية في محاولة يائسة للحفاظ على مواردها المالية عبر تصريف النفط القطري بأسعار متدنية لتعويض خسائرها الاقتصادية الفادحة.

وسبق لشركة قطر للبترول أن باعت شحنتين من خام الشاهين القطري تحميل سبتمبر الماضي بأقل علاوة سعرية في أربعة أشهر فوق أسعار دبي المعروضة.

وقبلها باعت الدوحة شحنات بعلاوات خصم قدرها 12 و14 سنتاً عن الأسعار المعروضة لخام دبي.

وتستغل شركات النفط ضعف الموقف التسويقي للخام القطري الذي يحتاج إلى مصافي تكرير خاصة، حيث قامت شركات يابانية أخيراً بالتفاوض المباشر على شراء خام الشاهين اعتباراً من أبريل الماضي، بدلاً من طرحه في مزايدة تنافسية بين الشركات.

ويأتي النهج الفردي القطري في أعقاب قرار قطر بالانسحاب من عضوية منظمة الدول المصدر للنفط (أوبك) بداية من مطلع العام الجاري. وهذه الخطوة تعفي الدوحة من الالتزام بحصص إنتاج أو مستويات أسعار، وبعبارة أدق فإن الانسحاب من عضوية المنظمة يتيح لها ممارسة سياسة حرق الأسعار والتلاعب بأسعار النفط.

وعلى الرغم من أن ما تفعله قطر يستهدف في جانب منه تعويض جانب من خسائرها الاقتصادية، إلا أن الهدف الحقيقي للدوحة هو شنّ حرب حرق أسعار للحفاظ على حصتها في الأسواق الآسيوية على حساب استقرار أسعار النفط وتوازن السوق.

وما تفعله قطر بعلم أو عن جهل يجعلها حصان طروادة في الحرب ضد «أوبك»، ورأس جسر متقدم تعبر عليه مخططات تفكيك المنظمة التي كانت عبر أكثر من خمسة عقود صمام الأمان لاستقرار الأسعار وتوازن السوق وضمان تدفق هذه السلعة الاستراتيجية بما يضمن نمو الاقتصاد العالمي، ويوفر أفضل صيغة للتوفيق بين مصالح الدول المنتجة والمستهلكة للنفط.

وتأتي الطعنة القطرية للمنظمة في توقيت تشتد فيه شراسة الهجمات على المنظمة، لا سيما من الرئيس الأمريكي دونالد ترامب الذي لا يخفي رغبته في أن يأتي اليوم الذي تختفي فيه المنظمة من الوجود.

ووصل الأمر إلى حد تقديم مشروعي قانون في مجلسي الشيوخ والنواب في الكونغرس الأمريكي لمعاقبة «أوبك» من خلال منح النائب العام الأمريكي سلطة مقاضاتها بتهمة الاحتكار والتلاعب بالأسعار على نحو يضر بالمستهلك الأمريكي.

وتدرك قطر أن السوق الآسيوي الذي يضم كبار المستوردين مثل الصين، اليابان، كوريا الجنوبية والهند، هو الساحة الحقيقية التي سيتقرر على أرضها مصير «أوبك» في ظل المواجهة الشرسة بين «أوبك» وشركات النفط الصخري الأمريكية التي رفعت مستويات إنتاجها إلى مستوى 11.6 مليون برميل يومياً، ما هبط بصادرات «أوبك» للأسواق الأمريكية إلى أدنى مستوى لها في خمس سنوات، ونقل المعركة إلى الساحة الآسيوية.

وعلى الرغم من أن قطر ليست لاعباً مؤثراً في سوق النفط العالمي، ولم تكن كذلك خلال فترة عضويتها في «أوبك»، إلا أن الآثار التي يمكن أن تترتب على المقامرة القطرية لا تنبع من حجمها وإنما من تأثيرها النفسي في معنويات أسواق تجارة النفط التي تحكمها المضاربات.

وقبل إعلان قرار انسحابها من «أوبك» كانت قطر من أشد المدافعين عن دور المنظمة في تحقيق استقرار السوق وتهيئة المناخ أمام نمو قوي مستدام للاقتصاد العالمي خلال مشاركتها في منتدى أسبوع الطاقة في موسكو، إلا أنها لعقت هذه القناعة الآن وأصبحت تنظر إلى منظمة أوبك باعتبارها منظمة عديمة القيمة وقيد على حريتها في الحركة لتلعب دوراً مؤثراً في مشهد الطاقة العالمي.ضعف التأثير

السؤال الذي يطرح نفسه هو هل سيؤثر تلاعب قطر بأسعار النفط في استقرار السوق ومستقبل «أوبك» التي تولت على مدى ستة عقود منذ تأسيسها عام 1960 ضبط إيقاع حركة أسواق النفط وتحقيق التوازن بين مصالح المنتجين والمستهلكين؟ وهل ستغري هذه الخطوة مزيداً من الدول على أن تحذو حذو قطر في تقديم مزيد من التنازلات للمشترين بصورة تؤدي إلى إضعاف المنظمة.

والإجابة ببساطة هي أن الخطوة القطرية لن يكون لها تأثير يذكر لا في أسعار النفط ولا في مستقبل المنظمة وفي أسوأ السيناريوهات سيكون الأثر معنوياً ولفترة قصيرة جداً، لأن قطر لم تكن في يوم من الأيام لاعباً من العيار الثقيل في «أوبك»، وكل إنتاج قطر من النفط لا يتجاوز 600 ألف برميل يومياً، أي أقل من اثنين في المئة من إجمالي إنتاج المنظمة البالغ 32.4 مليون برميل يومياً، ما يضعها في المرتبة السابعة عشرة في قائمة أكبر المنتجين، كما أن حجم الاحتياطيات المؤكد المتوافر لديها لا يتجاوز اثنين في المئة من الاحتياطيات العالمية.

وتثبت الخبرة التاريخية أن المخاوف من أن تؤدي الخطوة القطرية إلى إغراء دول أخرى على أن تحذو حذوها لا أساس لها من الصحة، بل على العكس فإن التلاعب بالأسعار الذي مورس لتحقيق أهداف جيوسياسية ضد دول مثل روسيا وفنزويلا دفع هذه الدول إلى التعاون مع «أوبك» للحفاظ على مواردها والقبول الطوعي باتفاقي خفض الإنتاج.

وعلى سبيل المثال، فإن روسيا وهي واحدة من أكبر ثلاثة منتجين في العالم تلتزم بقرارات المنظمة، وكان لهذا الالتزام أثر مباشر في انتشال أسعار النفط من الهوة التي وصلت إليها في يونيو الماضي.

وهناك من يرى أن الخطوة القطرية سيكون لها انعكاسات سلبية على قطر إذا ما قررت الدول المتضررة من مغامراتها سحب عضويتها من منتدى مصدري الغاز الذي يتخذ من الدوحة مقراً له.يعتمد اقتصاد قطر بصورة رئيسة على العائدات من المبيعات الهيدركربونية التي تشمل النفط والغاز، والذي يواجه بالأساس صعوبات وتحديات كبيرة الآن بسبب تداعيات الأزمة السياسية مع دول الخليج.

وحسب صحيفة فاينانشيال تايمز البريطانية، وجهت الحكومة القطرية 50 ملياراً من الصندوق السيادي لحماية النظام المصرفي وسعر الصرف بعد نزوح الودائع العربية من البنوك القطرية.

كما أجبر تراجع النمو الاقتصادي وزيادة تكلفة الاستيراد الخارجي، الحكومة القطرية على سحب 340 مليار دولار من حساباتها الخارجية لدعم النظام المالي الذي لا يزال عرضة لنقص العملة الصعبة.

وتزامن ذلك مع انخفاض أسهم قطر من الثروة السيادية في بعض الشركات الخارجية مثل تيفاني أند كو وكريدت سويس من أجل صرف المال للإجراءات المحلية الطارئة، وفي وقت سابق أصدرت الحكومة القطرية صكوكاً بقيمة 12 مليار دولار. وقبل أيام أعلن مصرف قطر المركزي أنه باع أذون خزانة قيمتها 500 مليون ريال (136.8 مليون دولار) لأجل ثلاثة أشهر وستة وتسعة، وأصدر أذوناً قيمتها 300 مليون ريال لأجل ثلاثة أشهر بسعر فائدة بلغ 2.36 في المئة، وبقيمة 100 مليون ريال لأجل ستة أشهر بفائدة 2.43 في المئة وبقيمة 100 مليون ريال لأجل تسعة أشهر عند 2.72 في المئة.وتكشف هذه الخطوة حجم العجز التمويلي الذي تعانيه الميزانية القطرية، ما يدفعها للتفريط في الموارد الهيدركربونية للبلاد بأبخس الأثمان على حساب حق الأجيال القادمة من القطريين في التمتع بما تبقى من ثروة بلادهم.مؤامرات السياسة تغذي مغامرات الاقتصاد