الاحد - 05 مايو 2024
الاحد - 05 مايو 2024

رحلة بابا السلام .. كيف أصبح «الطفل خورخي» البابا فرنسيس؟

لم يكن الشاب الأرجنتيني، إيطالي الأصل، ماريو بيرجوليو، أحد عمال السكك الحديدية في العاصمة الأرجنتينية، بيونس آريس، وزوجته ـ إيطالية الأصل أيضاً ـ ريجينا سيفوري ماريا، يدركان أن القدر اختارهما، في السابع عشر من ديسمبر 1936، ليكوّنا أسرة أول بابا للكنيسة الكاثوليكية من أمريكا اللاتينية. وربما لم يكونا يدركان أن رحلة الأسرة إلى الأرجنتين هرباً من حكم الفاشيين في عهد موسوليني، ستنتهي بأن يجلس ابنهما الأكبر خورخي، على كرسي القديس بطرس، رئيساً للكنيسة الكاثوليكية.

تحمّل الطفل خورخي منذ البداية ظروف الحياة الصعبة، فعلى الرغم من أنه الأكبر بين أشقائه الأربعة، وعلى الرغم من أنه كان طفلاً شغوفاً بالموسيقى وكرة القدم، إلا أن المرض أصابه في وقت مبكر، واستهدف هذه المرة رئتيه ليخوض تجربة عنيفة، فتحت وعيه مبكراً على معاناة المرضى.

كان الجميع يلاحظ موهبة خورخي المختلفة عن أقرانه، فعلى الرغم من وضعه الصحي، كان بإمكانه تحمل المسؤولية مع والديه تجاه أشقائه، وفي الدراسة أثبت خورخي أنه الأكثر قدرة على التقاط المعلومات وتحليلها، خصوصاً في المساقات المتعلقة بالعلوم، حيث درسها في المرحلة الإعدادية، ووقع في غرام الكيمياء حتى تخرج كيميائياً.


رحلة الروح


رجل الكيمياء الذي عشق الكرة والتانجو والموسيقى والأفلام، أدرك أن لحياته هدفاً أبعد من ملاحقة المعادلات الكيميائية، نظر حوله وقاده قلبه نحو الانضمام إلى الرهبنة اليسوعية في 11 مارس 1958، لتبدأ رحلته مع الجانب الروحي من العالم.

درس العلوم الإنسانية في تشيلي، وحمل نذور الرهبنة في 1960، ليعود إلى بلاده ـ الأرجنتين ـ منتسباً ليدرس الفلسفة واللاهوت، ثم علم النفس والآداب، حتى رُسم كاهناً على يدي رئيس الأساقفة رامون خوسيه كاستيلانو، في 13 ديسمبر 1969، ثم تدرب في إسبانيا، ليعود بعد هذه الرحلة الطويلة إلى الأرجنتين، حيث أصبح الرئيس الإقليمي للرهبنة اليسوعية من 1973.

ولمدة ست سنوات، وفي 1992 أصبح أسقفاً مساعداً في العاصمة بيونس آيرس، وبحلول 2005، كانت خبرته الكهنوتية قد نضجت تماماً، ليتولى منصب رئيس مجلس أساقفة الكاثوليك في بلاده، خصوصاً أنه حصل في 27 يونيو 1992 على درجة الأسقفية، ثم درجة الكاردينال من البابا يوحنا بولس الثاني عام 2001، وفي 13 مارس 2013، تم انتخابه لمنصب بابا الكنيسة الكاثوليكية، في انعقاد هو الأقصر في تاريخ المجامع المغلقة، بعد استقالة البابا بندكتوس السادس عشر.

أول بابا من خارج أوروبا

في ساحة الفاتيكان، احتشدت الجموع في انتظار إعلان اسم البابا الجديد، وظهور الدخان الأبيض المُعبِّر عن اختيار شخص جديد يقود الكنيسة الكاثوليكية في العالم، ولم يكن يتوقع أحد أن يكون ابن الأرجنتين خورخي، هو أول بابا من خارج أوروبا منذ عهد البابا غوريغوريوس الثالث، ليصبح اسمه البابا فرنسيس، أول بابا يسوعي يقود الفاتيكان على الإطلاق.

طوال الرحلة الشاقة كان البابا يعرف طبيعة النفس البشرية، وحسب مساعديه في الأرجنتين والفاتيكان، كان للرجل نظرة خاصة تجاه المرضى وأصحاب الحاجات، كان يقول لمن يرونه أن ينظروا للشعب الأرجنتيني: «شعبي فقير وأنا واحد منهم»، وكانت دروسه مستقاة من فكرته المركزية حول المستقبل، حيث يقول دائماً إن الالتحاق بالتعليم هو الأساس، وهو الطريق لفهم الوصايا العشر والعمل بها، أما حكمته الأهم فهي: «إذا سرت حقاً على طريق المسيح، ستدرك أن الحط من كرامة الإنسان، يعتبر خطيئة كبرى».

جلس البابا فرنسيس على رأس الكنيسة وفي جعبته المحبة، وفوق لسانه الذي يتحدث الإسبانية، الإيطالية، الألمانية، الفرنسية، الأوكرانية والإنجليزية، كلمات التسامح التي أصبحت شعاره الأول.