الاحد - 05 مايو 2024
الاحد - 05 مايو 2024

أكاذيب وإسلاموفوبيا في حريق «نوتردام»

أكاذيب وإسلاموفوبيا في حريق «نوتردام»
في الوقت الذي عمل فيه رجال الإطفاء بكل قوة على مكافحة انتشار النيران في كاتدرائية نوتردام دو باري الأسبوع الماضي، كانت المنصات الاجتماعية تكافح في الوقت نفسه ضد انتشار نظريات المؤامرة التي دعمتها جماعات اليمين المتطرف ومعتنقو الإسلاموفوبيا. وبينما شاهد العالم الكاتدرائية تحترق عبر تقنيات البث الحي للشبكات الاجتماعية، أظهر الحادث مرة أخرى عدم استعداد المنصات الاجتماعية للتعامل مع الأخبار وقت حدوثها.

كان الحادث فرصة ذهبية للمنصات لتجربة عمل البرمجيات الناشئة التي أطلقتها أخيراً بهدف مكافحة انتشار المعلومات المضللة في الوقت الحقيقي (وقت حدوثها)، إلا أنه على ما يبدو فإن تلك البرمجيات فشلت في التجربة.

جاءت الضربة الأولى عبر منصة «يوتيوب»، وتسببت فيها خوارزميات مكافحة الأخبار الزائفة الجديدة، حيث تعرفت تلك الخوارزميات إلى لقطات الحريق التي بثتها المواقع الإخبارية باعتبارها ضمن أحداث11 سبتمبر 2001 الإرهابية، نتيجة الخلط بين أعمدة الدخان المتشابهة لكلا المقطعين، وربطت الشبكة الاجتماعية بين الحريق وبين الإرهاب في اللحظات الأولى للحادث، الأمر الذي هيمن على حوارات الجمهور لفترة طويلة.


تسببت الخوارزمية التي يفترض بها مكافحة المعلومات المضللة في إلحاق رابط بالفيديو يقود إلى معلومات عن هجوم سبتمبر الإرهابي، الأمر الذي أدى إلى شكوى عدد من مقدمي الأخبار، وكان تعليق متحدث باسم الشركة أن هذه الخوارزميات تعمل بشكل آلي، وفي بعض الأحيان تتخذ قرارات خاطئة، وأن الشركة قامت بتعطيل عمل هذه الآليات فيما يتعلق بالبث الحي لمشاهد احتراق الكاتدرائية بعد الأخطاء التي حدثت.


لم يتوقف الأمر عند هذا الحد، ولكن بدأ التضليل الحقيقي الذي فشلت المنصات في إيقافه عندما استخدم البعض برامج تحرير وتعديل الفيديو لنشر نظرية المؤامرة على أوسع نطاق خاصة على منصتي يوتيوب وتويتر، واستمرت معظم تلك الحسابات نشطة لوقت طويل على الرغم من عشرات البلاغات ضدها. في أحد مقاطع الفيديو الذي تمت مشاهدته أكثر من 40 ألف مرة، يصرخ أحدهم بصوت جهوري «الله أكبر» على خلفية من مشاهد الحريق. وهذا الصوت تم وضعه على مشاهد الحريق والحصول عليه من مقطع فيديو عمره أكثر من عام على يوتيوب، وهو أول نتيجة يصل إليها المستخدم عندما يبحث عن كلمة «صرخة الله أكبر» على غوغل، وبعد أيام من هذا التلاعب لم تتم إزالة الفيديو من يوتيوب.

الفيديو نفسه المتلاعب به تكرر نشره على تويتر، حيث تمت إعادة تغريده أكثر من 2000 مرة، وشاهده عشرات الآلاف من الأشخاص قبل أن تتم إزالته في وقت متأخر من ليلة الحادث، ورغم ذلك فإن حساب المستخدم الذي نشر الفيديو المركب ظل عاملاً دون حظر.

ترافق هذا الأمر مع ادعاءات أخرى انتشرت في تعليقات المستخدمين عبر شبكات يوتيوب وفيسبوك وتويتر وعلى المواقع الإعلامية المختلفة، وكانت تشير إلى أن الحريق حدث عمداً، قال أحدهم إن الحريق «مشبوه» وإن المسؤولين قالوا «لا أعمال تجري في الكاتدرائية وإنها كانت خالية»، وتغريدة أخرى لشخص قال إنه يعرف موظفاً في الكنيسة أخبره أن الحريق متعمد، وهي التغريدة التي حذفها لاحقاً. كان هناك عدد آخر من التغريدات من حسابات تدعي أنها تابعة لمنافذ إخبارية مثل CNN وفوكس نيوز تزعم أن الحريق نجم عن عمل إرهابي.

وفي الوقت الذي استمرت فيه المعلومات الزائفة في الانتشار، قال المدعي العام في باريس أن لا شيء يشير إلى أن الحريق الذي اندلع في كاتدرائية نوتردام بدأ عن قصد. وقال المحققون إن الكاتدرائية كانت تخضع لأعمال ترميم واسعة وربما يكون الحريق مرتبطاً بهذه الأعمال.

ورغم ذلك استمرت الأكاذيب في الانتشار، حيث انتشرت على نطاق واسع قصة إخبارية حول كشف مخطط لتفجير الكنيسة، وهي القصة التي نُشرت بالفعل عام 2016،لكن تداولها مستخدمو الشبكات الاجتماعية باعتبارها خبراً جديداً وليس قصة قديمة منذ ثلاث سنوات. هذه القصة التي نشرتها صحيفة الغارديان البريطانية تم إعادة نشرها على نطاق واسع عبر موقع ينتمي لليمين المتطرف ويحظى بجماهيرية واسعة بين المتطرفين اليمينيين، وقامت المواقع التي أعادت النشر بحذف الإشارة الواضحة التي وضعتها الغارديان حول أن القصة قديمة ولا علاقة لها بالحريق، لتستمر الأكاذيب في الانتشار.

بالإضافة إلى ذلك قام عدد من المحرضين من أنصار اليمين «الأبيض» المتطرف بدفع نظريات المؤامرة ضد تورط المسلمين في الحريق والتخويف من الإسلام. ففي تغريدة كتبتها أليس فيدل، عضو البرلمان، عن إحدى مجموعات اليمين المتطرف في ألمانيا، اعتبرت أن هناك علاقة ضمنية بين الحريق وبين الهجمات «ضد المسيحية» في فرنسا، بينما شارك ستيفان مولينو وفيث جولدي اللذان يمتلكان حسابات موثقة على تويتر في الحملة بشكل مكثف، وأعيد تغريد ما كتباه عشرات الآلاف من المرات. وقام موقع فيسبوك بحظر حساب جولدي هذا الشهر نتيجة كتاباته المتطرفة حول «وطنية الجنس الأبيض»، أما مولينو الذي يعيش في كندا فطالب متابعيه بعدم تصديق أي بيان رسمي حول أسباب الحريق، وتلك التغريدات لا تزال موجودة ومتداولة.

ولنا أن نتخيل تأثيرات تلك الحملة من الأكاذيب التي شارك فيها عدد من المسؤولين بخطاب غير مسؤول، وأخطاء تقنية في المراجعة والتحقق، بالإضافة إلى عشرات المتطرفين من اليمين «الأبيض» وداعميهم دون جهود حقيقية لإيقاف هذا الطوفان، وحتى إذا كان هناك الكثيرون يجادلون في أن انتشار نظريات المؤامرة مسألة لا مفر منها بعد أي كارثة إلا أن الجميع يتمنى أن تبذل المنصات الاجتماعية جهوداً أكثر فعالية في منع انتشار هذه الأكاذيب، خاصة أن الخبراء يقولون إن تلك المنصات لا تبذل الجهود نفسها لمكافحة بعض أنواع خطاب الكراهية مثل القومية البيضاء والإسلاموفوبيا.