الاثنين - 29 أبريل 2024
الاثنين - 29 أبريل 2024

الهولوكوست العثماني .. جريمة «أجداد أردوغان» ضد الأرمن

يتفق معظم المؤرخين الذين عاصروا وكتبوا ودوّنوا كلّ تفاصيل المذبحة الأرمنية على يد الأتراك بأنها مذبحة متكاملة الأطراف راح ضحيتها مليون ونصف المليون أرميني.

ونفذت السلطات التركية مذبحة الإبادة الجماعية للأرمن على مراحل عدة شاركت فيها الحكومات التركية المتعاقبة على مدار الأعوام الـ 104 الماضية، مروراً بالحكومة الحالية بزعامة الرئيس رجب طيب اردوغان، ففي 24 من إبريل عام 1915 كان الهدف الأساسي لتركيا من هذه الإبادة هو وضع حد للكيان الجماعي المتمثل في الأرمن على الأراضي التركية، ومازالت تركيا تشارك في المذبحة الكبرى التي عرفها التاريخ الحديث بنفيها بصورة قاطعة ضلوعها في تلك المجزرة، على الرغم من الاعتراف الدولي المستمر بالإبادة الجماعية للأرمن.

وفي تفاصيل هذه المذبحة، التي تعد الإبادة الجماعية الأولى في التاريخ الحديث، وبالتحديد في الفترة الممتدة ما بين عامي 1892 و1897 وما بعد، قام السلطان العثماني عبد الحميد الثاني بتنفيذ أولى المجازر الممنهجة في حقّ الأرمن الذين كانوا تحت حكم الدولة العثمانية، ففي عهده نفذت المجازر التي سميت «بالمجازر الحميدية»، والتي راح ضحيتها مئات الآلاف من الأرمن واليونانيين والآشوريين، لأسباب بررها الأتراك حينها بالاقتصادية والدينية المتعدّدة.


ويذكر المؤرخون في تلك الفترة، أنّ عبد الحميد الثاني كان معروفاً بإثارة الفتن بين أكراد تركيا وبعض الأقليات، بهدف تشجيع الأكراد على ارتكاب مجازر دموية في حقّ الأقليات هناك، وقد استمرت فصول المذبحة الأرمنية على يد العثمانيين في مطلع العقد الأول من القرن العشرين، وخصوصاً بعد أن قام أحد الأرمن المنتمين إلى منظمة الطاشناق بمحاولة فاشلة لاغتيال عبد الحميد الثاني عام1905 ، وأدت هذه الحادثة والانقلاب على حركة تركيا الفتاة عام 1908 إلى ارتكاب عدة مجارز كانت أشهرها «مجزرة أضنة» التي راح ضحيتها حوالي 30 ألف أرمني ، وقد استمرت فصول المذابح الأرمنية على يد العثمانيين مع اندلاع الحرب العالمية الأولى، حيث قام الأتراك بإبادة مئات القرى الأرمنية شرقي البلاد، في محاولة لتغيير ديموغرافية تلك المناطق، وقد تذرع الأتراك وقتها بأنهم يخشون أن يتعامل هؤلاء مع الروس ضدهم.


إبادة ممنهجة

في الرابع والعشرين من أبريل عام 1915، أخذت السلطات التركية قراراً لن ينساه التاريخ بالبدء بعملية شاملة وممنهجة لإبادة الأرمن، وبالفعل تمّ جمع المئات من أهم الشخصيات الأرمنية في اسطنبول وإعدامهم في ساحات المدينة، بعدها صدرت أوامر إلى جميع العائلات الأرمنية في الأناضول بترك ممتلكاتها والانضمام إلى القوافل التي حملت مئات الآلاف من النساء والأطفال في طرق جبلية وعرة وصحراوية قاحلة.

ويسرد المؤرخون الأرمن تفاصيل ذلك التهجير القصري بألم ويقولون إنه تمّ حرمان هؤلاء المهجرين من المأكل والملبس، فمات خلال حملات التهجير هذه حوالي 70 في المئة منهم ، بينما ترك الباقون في صحاري بادية الشام.

وكانت أول الأصداء الدولية حول هذه الأحداث وردت في البيان المشترك الذي أصدرته فرنسا وروسيا وبريطانيا العظمى في مايو عام 1915 حيث تم فيه وصف العنف الذي تم القيام به ضد الشعب الأرمني بـ"جريمة مرتكبة ضد البشرية والحضارة". وإعتبرت أطراف البيان حكومة تركيا الفتاة بأنها المسئولة عن الجريمة المرتكبة.

تتريك الاقليات

عندما بدأت الحرب العالمية الأولى سعت حكومة «تركيا الفتاة» إلى المحافظة على بقايا القيصرية العثمانية التي كانت قد أصبحت ضعيفة وانتهجت سياسة التعصب التركي وهي إقامة قيصرية تركية شاسعة التي بانتشارها حتى حدود الصين كانت ستشمل على القوقاز وجميع الشعوب الناطقة باللغات التركية في آسيا الوسطى، وكان السياسة الجديدة تنص على تتريك جميع الأقليات القومية، وكان يتم النظر إلى السكان الأرمن بأنهم العقبة الرئيسة على سبيل تنفيذ تلك الساسة.

ورغم أن قرار ترحيل جميع الأرمن من الأناضول كان قد تم إتخاذه في أواخر عام 1911 الإ أن حزب «تركيا الفتاة» استخدمه في بداية الحرب العالمية الأولى كفرصة مناسبة لتنفيذ سياسته.

آلية الإبادة

نفذت السلطات التركية مذبحة الإبادة الجماعية للأرمن على مراحل عدة شاركت في تلك المراحل الحكومات التركية على مدار الأعوام الـ 104 الماضية، مروراً بالحكومة الحالية بزعامة الرئيس رجب طيب اردوغان، ففي البداية كان الهدف الأساسي لتركيا من هذه الإبادة هو وضع حد للكيان الجماعي المتمثل في الأرمن، لذا كان من الضروري تنفيذ المجزرة وفق برنامج منظم وآليات محددة لتنفيذ الجريمة.

بدأ يوم الـ 24 من إبريل عام 1915 بحملة اعتقالات واسعة في العاصمة القيصرية العثمانية إسطنبول، اعقبها القضاء على مئات المثقفين الأرمن لتبدأ المرحلة الأولى من عملية إبادة الأرمن، ثم بدأت المرحلة الثانية تحت أسم «الحل النهائي» للمسألة الأرمينية بدعوة 300 ألف رجل أرمني للخدمة في الجيش التركي الذين تم فيما بعد نزع أسلحتهم وقتلهم من قبل زملائهم العسكريين الأتراك، لتبدأ المرحلة الثالثة للإبادة بالقضاء على النساء والأطفال والشيوخ وترحيلهم إلى الصحراء السورية، والتي قتل خلالها مئات آلاف من الأرمن على أيدي العسكريين والشرطة التركية ومجموعات قطاع الطرق الأكراد، أما من تبقى ففارق الحياة نتيجة الجوع والأمراض الوبائية.

وفي النهاية، فإن المرحلة الأخيرة من الإبادة الأرمنية تتمثل في نفي حكومات تركيا بصورة قاطعة المجزرة الشاملة التي تعرض لها الشعب الأرمني في وطنه مستخدمة وسائل شتى بما في ذلك تزوير للحقائق التاريخية، والحملات الدعائية، والضغط، على الرغم من الاعتراف الدولي المستمر بالإبادة الجماعية للأرمن.