الجمعة - 26 أبريل 2024
الجمعة - 26 أبريل 2024

قيس سعيد وأول 100 يوم.. غياب المبادرات وعزلة دولية وانقطاع عن تقاليد الدبلوماسية التونسية

قيس سعيد وأول 100 يوم.. غياب المبادرات وعزلة دولية وانقطاع عن تقاليد الدبلوماسية التونسية

قيس سعيد وزيارة إلى الجزائر تأخرت كثيرا. (إي بي أيه)

أنور الفرجاني- تونس

اختار الرئيس التونسي قيس سعيد أن يتوج المئة يوم من رئاسته بزيارة الجزائر في أول زيارة رسمية خارج البلاد، ولينفذ أخيراً وعداً قطعه بعد أنتخابه رئيساً للبلاد في 13 أكتوبر العام الماضي.

زيارة سعيد للجزائر كانت إيجابية عموماً إذ وضعت الجزائر وديعة في البنك المركزي التونسي بقيمة 150 مليون دولار، كما جددت دعمها لتونس بالمحروقات. لكن هذه الزيارة الناجحة يعتبر محللون أنها تأخرت كثيراً وتخفي إخفاقاً كاملاً في أداء الرئيس الذي يصفه عدد من التونسيين وخاصة الأكاديميين والأعلاميين بالرجل "الغامض" خلال المئة يوم الأولى من وصوله لقصر قرطاج.


ومن أهم مآخذ الشارع التونسي على أداء الرئيس رفضه السكن في قصر قرطاج والتمسك بالبقاء في بيته بالمنيهلة وهي منطقة شعبية شمال العاصمة، وقد تسبب هذا في متاعب يومية للتونسيين صباحاً ومساء بسبب الحركة المرورية من المنيهلة إلى قرطاج والعودة إليها إضافة إلى التكلفة المالية واللوجستية لتأمين الموكب الرئاسي كما أصبحت حياة جيرانه تواجه ضغوطاً كبيرة بسبب الحماية الأمنية.


لكن الأمر أبعد من ذلك، إذ مثلت الأيام الأولى في الحكم إخفاقاً كاملاً للدبلوماسية وهي من صميم صلاحياته الدستورية.

وقال الباحث في علم الاجتماع والمتخصص في الحركة الإسلامية منذر بالضيافي لـ"الرؤية" إن الأيام الأولى مثلت إخفاقاً حقيقياً للرئيس على المستويين الداخلي والخارجي؛ فعلى المستوى الداخلي لم يقدم أي مبادرة جديرة بالاهتمام أو مثيرة للانتباه، وخاصة في مستوى المصالحة الوطنية والتأكيد على أنه رئيس التونسيين جميعاً كما ينص على ذلك الدستور، بل أعاد "إحياء الموجة الثورجية الإقصائية التي كنا نتوقع أننا تجاوزناها."

ويضيف بالضيافي أنه على الصعيد الخارجي "صارت بلادنا في شبه عزلة دبلوماسية وزج بنا الرئيس في المحور التركي القطري الإخواني في التعاطي مع الأزمة الليبية التي كانت فيها تونس أكبر خاسر، إذ حصرنا في محور واحد ورفض التعاطي مع الملف الليبي بمنطق المسافة من كل الأطراف والقيام بدور الوسيط".

ويقول بالضيافي إن ذلك تسبب في غياب تونس عن معظم المؤتمرات المهمة مثل مؤتمر برلين حول ليبيا وقمة بريطانيا أفريقيا، خاصة أن تونس ترأس مجلس جامعة الدول العربية حالياً وهي عضو غير دائم في مجلس الأمن الدولي.

موقف الرئيس من الأزمة الليبية اعتبرت الإعلامية المتخصصة في الشأن الدولي فاطمة الكراي في تصريح لـ" الرؤية " أنه ستكون له تداعيات خطيرة على مستقبل تونس وهو موقف غريب عن التقاليد الدبلوماسية التونسية المعروفة بالحياد".

وتضيف أن سعيد قطع الصلة مع هذا التقليد ووضع تونس في سياق المحاور التي تتناقض تماماً مع التقاليد العريقة الدبلوماسية التونسية.

ويعيب التونسيون على سعيد استقباله لأطفال عائلات داعشية في ليبيا، فيما اعتبروه استفزازاً لمشاعر عائلات شهداء الإرهاب، ومزايداته بالقضية الفلسطينية في حين استقبل الرئيس التركي أردوغان الصديق الوفي لإسرائيل في موكب لم يحترم فيه البروتوكول، فضلاً عن تدخل شقيقه نوفل سعيد القريب من الإخوان المسلمين وإيران في القصر الرئاسي حسب ما أكده مقربون من محيطه. يضاف إلى ذلك تبنيه لخطاب تحريضي ضد مؤسسات الدولة وسعيه لنشر خطاب شعبوي ضد الأحزاب والجمعيات وكل تنظيم مدني وتبشيره بنظام فوضوي قائم على الشعارات الشعبوية. وتجسد هذا في دعوته الشباب في خطابه في مدينة سيدي بوزيد في ذكرى اندلاع الاحتجاجات على نظام بن علي (17 ديسمبر 2010) إلى تحدي مؤسسات الدولة، واعتباره يوم 14 يناير 2011 الذي سقط فيه نظام بن علي مؤامرة على الثورة !!! أما في مدينتي تالة والقصرين فقد أعلن في ذكرى سقوط النظام السابق أن الدستور الحقيقي هو ما كتبه الشبان على الجدران، وهو ما اعتبر احتقاراً ضمنياً لدستور البلاد.

هذه الحصيلة يعتبر رئيس كتلة تحيا تونس في مجلس نواب الشعب مصطفى بن أحمد في تصريح لـ"الرؤية" أنها منطقية ومتوقعة.

ويقول بن أحمد إن "سعيد ليست له صلاحيات وما حدث أكثر من منطقي لأن تلك هي حدود الرئيس"

ويضيف أن "مشكلة تونس اليوم هي في نظام سياسي هجين ومعطوب ولن ينجح أي رئيس مهما كانت عبقريته ما دام هذا النظام السياسي معتمداً.

وفرض المجلس التأسيسي (2011 - 2014)، الذي كانت تسيطر عليه حركة النهضة الإسلامية، النظام السياسي الحالي الذي يعتبر عدد كبير من خبراء القانون الدستوري أنه "نظام هجين" فلا هو بالنظام البرلماني ولا الرئاسي وهو سر تعطل مؤسسات الدولة وتنازع السلطات بين قصر باردو (البرلمان) وقصر القصبة (الحكومة) وقرطاج (الرئاسة) في الوقت الذي تغرق فيه البلاد في الديون التي وصلت إلى 77% من الناتج الوطني.