الاحد - 19 مايو 2024
الاحد - 19 مايو 2024

الكشف عن تفاصيل نهب ميليشيات السراج لأموال أوروبا لمساعدة المهاجرين

كشف تحقيق أجرته وكالة الأسوشيتدبرس الأمريكية أن الأموال الهائلة التي ضخها الاتحاد الأوروبي في ليبيا لمنع تدفق المهاجرين إلى دوله عبر البحر المتوسط وتحسين ظروف إقامتهم في معسكرات الدولة الواقعة في شمال أفريقيا، انتهت إلى جيوب رجال الميليشيات وخفر السواحل الفاسدين التابعين لوزارة الداخلية في حكومة السراج، والذين حولوا حياة المهاجرين إلى جحيم.



وتوصل تحقيق الأسوشيتدبرس إلى أنه عندما ضخ الاتحاد الأوروبي الملايين في ليبيا لإبطاء تدفق المهاجرين الذين يعبرون البحر الأبيض المتوسط، كان بوعود بتحسين ظروف مراكز الاحتجاز سيئة السمعة ومكافحة الاتجار بالبشر.



إلا أن هذا لم يحدث، وبدلاً من ذلك، أنتجت معاناة المهاجرين في ليبيا شبكة مزدهرة ومربحة للغاية من الشركات التي يمولها الاتحاد الأوروبي جزئياً وتدعمها الأمم المتحدة، وتديرها حكومة السراج المسيطرة على طرابلس.



ملايين اليوروهات نُهبت

وأرسل الاتحاد الأوروبي أكثر من 327.9 مليون يورو إلى ليبيا، وتمت الموافقة على 41 مليوناً إضافية في أوائل ديسمبر، والتي تم تحويل معظمها عبر وكالات الأمم المتحدة.



وقال التحقيق إنه في بلد لا توجد فيه حكومة فاعلة، تم تحويل مبالغ هائلة من أموال المساعدات الأوروبية إلى شبكات متداخلة من رجال الميليشيات والمهربين وخفر السواحل الذين يستغلون المهاجرين. وفي بعض الحالات، عرف مسؤولو الأمم المتحدة أن الأموال ستذهب إلى شبكات الميليشيات، وفقاً لرسائل البريد الإلكتروني التي تبادلها الأطراف.

وأظهر التحقيق أن الميليشيات تعذب المهاجرين وتبتزهم وتسيء معاملتهم للحصول على فدية في مراكز الاحتجاز التابعة للأمم المتحدة، وغالباً في مجمعات تتلقى ملايين الدولارات من الأموال الأوروبية، وفي بعض الحالات يختفي الكثير من المهاجرين ببساطة من مراكز الاحتجاز، ويباعون إلى المهربين وتجار البشر أو إلى مراكز أخرى.

وهذه الميليشيات تتآمر مع بعض أفراد وحدات خفر السواحل الليبية، إذ يتلقى خفر السواحل تدريبات ومعدات من أوروبا لإبعاد المهاجرين عن شواطئها، ولكن بعض أفراد خفر السواحل يعيدون بعض المهاجرين إلى مراكز الاحتجاز بموجب صفقات مع الميليشيات، ويتلقون رشاوى للسماح لآخرين بالمرور إلى أوروبا.

إساءة معاملة واتجار بالبشر

كما تقوم الميليشيات المتورطة في إساءة المعاملة والاتجار بالبشر بتقليص الأموال الأوروبية المقدمة من خلال الأمم المتحدة لإطعام المهاجرين وبالتالي يعيشون في جوع.

على سبيل المثال، كانت ملايين اليوروهات في عقود الغذاء التابعة للأمم المتحدة قيد التفاوض مع شركة يسيطر عليها قائد ميليشيا، بعدما أثارت فرق الأمم المتحدة الأخرى مسألة تعرض المحتجزين للجوع في مركز يديره هذا القائد، وفقاً لرسائل البريد الإلكتروني التي حصلت عليها وكالة الأسوشيتدبرس ومقابلات مع ما لا يقل عن 6 مسؤولين ليبيين.

وقالت الوكالة الأمريكية في التقرير الذي نشرته صحيفة "نيويورك تايمز" إنه في كثير من الحالات، يتم تحويل الأموال إلى تونس المجاورة لغسلها، ثم تعود إلى الميليشيات في ليبيا.

وتستعرض الوكالة قصة "إيمي" المهاجرة التي تم استغلالها في ليبيا كدليل على معاناة الآلاف من اللاجئين الذين قذفت بهم الأقدار إلى ميليشيات في طريق رحلتهم عبر ليبيا.

مأساة إيمي

تركت "إيمي" الكاميرون عام 2015، وعندما انقطعت أخبارها عن أسرتها لأكثر من عام، ظنوا أنها ماتت، ولكنها كانت رهن الاحتجاز بمعزل عن العالم الخارجي في أحد مراكز الاحتجاز. وخلال احتجازها الذي دام 9 أشهر في مركز "أبوسليم"، كانت ترى الحليب والحفاضات من الاتحاد الأوروبي تصل إلى المركز عبر موظفي الأمم المتحدة، ولكنها تختفي قبل أن تصل إلى الأطفال المهاجرين، بما في ذلك ابنها الصغير. وكانت إيمي تقضي في بعض الأحيان يومين دون طعام أو ماء.

ودفعت عائلة إيمي مرتين فدية، حتى تمكنت أخيراً من وضعها على قارب لعبور المتوسط بعيداً عن خفر السواحل بعد أن دفع زوجها 850 دولاراً لمرورها، وتم إنقاذها بواسطة سفينة مساعدات أوروبية.

وكانت إيمي واحدة من أكثر من 50 مهاجراً قابلتهم وكالة أسوشيتدبرس في البحر وأوروبا وتونس ورواندا، وداخل مراكز الاحتجاز في ليبيا. كما تحدث الصحافيون مع المسؤولين الحكوميين الليبيين وعمال الإغاثة ورجال الأعمال في طرابلس التي تديرها حكومة السراج مع الميليشيات الإرهابية، وحصلوا على رسائل البريد الإلكتروني الداخلية وقاموا بتحليل وثائق وعقود الميزانية.

وأشار التحقيق إلى أن الاتحاد الأوربي والأمم المتحدة يعلمان تماماً بالانتهاكات التي تحدث داخل المعسكرات التي تديرها الميليشيات التابعة لوزارة الداخلية في حكومة السراج. وقالت الأسوشيتدبرس إن الاتحاد الأوروبي والأمم المتحدة أعربا عن رغبتهما في إغلاق هذه المراكز غير الإنسانية لكنه نفى مسؤوليته عما يدور فيها.



ميليشيات الداخلية

وقال "تشارلي ياكسلي"، المتحدث باسم المفوضية العليا لشؤون اللاجئين التابعة للأمم المتحدة، وهي إحدى وكالات الأمم المتحدة الرئيسة في ليبيا: "لا تختار المفوضية من تتعامل معه، حيث يتم تعيين هؤلاء المسؤولين من قِبل وزارة الداخلية، من الممكن أن يكون لبعضهم ولاءات للميليشيات المحلية".

وبعد أسبوعين من استجوابها من قِبل وكالة أسوشيتدبرس، قالت المفوضية إنها ستغير سياستها بشأن منح عقود الغذاء والمساعدات للمهاجرين من خلال وسطاء. وقال ياكسلي "إن المفوضية قررت التعاقد مباشرة مع هذه الخدمات، اعتباراً من 1 يناير 2020".

ولم تكتف الميليشيات بسرقة ونهب الأموال المرسلة من الاتحاد الأوروبي، بل يقوم أفرادها بإساءة معاملة المهاجرين وتعذيبهم ومن ثم تصويرهم وإرسال مقاطع فيديو لأسرهم للحصول على فدى، كما يعملون جنباً إلى جنب مع المهربين وبعض أفراد خفر السواحل.

تورط حكومة السراج

واعترف رئيس إدارة مكافحة الهجرة غير الشرعية في ليبيا، وهي الوكالة المسؤولة عن مراكز الاحتجاز التابعة لوزارة الداخلية في حكومة السراج، بالفساد والتواطؤ بين الميليشيات وخفر السواحل والمهربين تجار البشر، وحتى داخل الحكومة نفسها. وقال المبروك عبدالحافظ: "إنهم شركاء في الجريمة، ومعهم أشخاص من الوكالة".

وكشف التحقيق أن ملايين الدولارات في عقود المواد الغذائية ومساعدة المهاجرين تذهب إلى شركة واحدة مرتبطة بمحمد الخوجة، أحد زعماء الميليشيات الذين سافروا إلى روما في عام 2017 لحضور اجتماع للأمم المتحدة للهجرة، وفقاً لرسائل البريد الإلكتروني الداخلية للأمم المتحدة التي اطلعت عليها أسوشيتدبرس، والخوجة هو أيضاً نائب رئيس إدارة مكافحة الهجرة غير الشرعية في ليبيا، الوكالة الحكومية المسؤولة عن مراكز الاحتجاز وتتبع حكومة السراج في طرابلس.

ونقل التحقيق عن أحد الأشخاص اطلع على عقد لتقديم الطعام بقيمة ملايين الدولارات مع شركة تدعى أرض الوطن، أو أرض الأمة، التي يسيطر عليها الخوجة. وفي الوقت الذي كان العقد قيد التفاوض، كان الخوجة يدير بالفعل مركزاً آخر للمهاجرين، وهو طريق السكة، المعروف بوقوع انتهاكات، بما في ذلك الضرب والعمل الشاق ونظام الفدية الهائلة. وأظهرت رسائل البريد الإلكتروني للأمم المتحدة أن المهاجرين يعانون من سوء التغذية الحاد وتفشي مرض السل.