الجمعة - 26 أبريل 2024
الجمعة - 26 أبريل 2024

مؤتمر برلين: "البطة العرجاء" تدخل حقل الألغام الليبي

نيللي عزت - برلين

تعيش العاصمة الألمانية برلين حالة من الـتأهب الأمني منذ عدة أيام استعداداً لمؤتمر برلين للسلام في ليبيا الأحد بحضور زعماء ورؤساء حكومات بينهم الرئيس التركي رجب طيب أردوغان الذي سبقته قائمة جرائمه إلى أجواء المؤتمر إذ تستقبله مظاهرة احتجاج تفضح أطماعه وممارساته في دول الجوار.

تؤكد الاستعدادات الأمنية أن الأحد سيكون حالة استثنائية كما أطلقت عليه صحيفة "برلينر مورجن بوست"، حتى أن الشرطة بالمدينة أطلقت بيانات للمواطنين بتفادي شوارع لإغلاقها لساعات طويلة حول مقر المستشارية المقرر انعقاد المؤتمر به والذي يبدأ في الساعة الواحدة و النصف بعد الظهر بتوقيت ألمانيا.


وتحدثت الشرطة عن الاستعانة بقوات أمن من مدن ألمانية أخرى لتأمين المؤتمر الذي يشارك به زعماء ورؤساء حكومات 12 دولة إلى جانب منظمات أفريقية وعالمية وبحضور فايز السراج رئيس حكومة طرابلس والمشير خليفة حفتر قائد الجيش الوطني الليبي.


ومن المقرر تنظيم مظاهرة في العاشرة صباحاً ضد الرئيس التركي أردوغان دعت إليها حركة "انهض من أجل روجافا " وهى تضم الآف من أبناء الجالية الكردية في برلين لدعم ومناصرة شمال وشرق سوريا والمعروف باللغة الكردية باسم "روجافا" ضد انتهاكات أردوغان الوحشية .

وسيرفع المتظاهرون لافتات تشير إلى أردوغان بالفاشي والمجرم الذي يدمر بقواته دولاً مثل سوريا وحتى تركيا والآن في ليبيا، وسيعلنون عن رفضهم استقبال برلين للمجرم الذي يمتلك تطلعات لغزو ليبيا وإحكام قبضته عليها، بحسب وصف الحركة على موقعها الإلكتروني.

البطة العرجاء

وتناولت وسائل الإعلام الألمانية المؤتمر بتوقعات ما بين التفاؤل والحذر، حيث وصفت مجلة دير شبيغل المؤتمر بأنه مخاطرة تشبه لعبة القمار بالنسبة للمستشارة الألمانية أنجيلا ميركل وشككت في نجاح المؤتمر وتساءلت هل ستظهر ميركل فيه قادرة على إدارة الأزمة .

وأشارت الصحيفة إلى أن السياسة الخارجية لميركل وصفتها صحف عالمية مؤخراً بـ"البطة العرجاء" لأنها لا تلعب دوراً حقيقياً مؤثراً على الساحة الدولية، وأنه إذا نجح المؤتمر فستظهر ألمانيا بقوة وتجذب الأضواء إليها كلاعب مؤثر دولياً، أما إذا خرج المؤتمر ببيان فضفاض عام لا يركز على بنود حقيقية فستكون مخاطرة بفقدان المزيد من قوة ألمانيا وأوروبا و تراجع أكبر لسياستها في النزاعات الدولية.

وعبر المتحدث باسم الحكومة الألمانية شتيفان زايبرت عن هذه المخاوف حين قال إن "المؤتمر لن يفضى إلى أي اتفاقات على الأغلب، بل مجرد فتح نافذة للحل وبداية على الطريق الطويل".

وقالت دير شبيغل إن الوضع الليبي معقد للغاية وربما لن نرى الحاضرين على طاولة واحدة بسبب الاختلافات بينهم، لكن ميركل تخشي من تكرار سيناريو سوريا التي راقبت ما يحدث فيها من بعيد ثم تحملت نتائجها بموجة لجوء لم يسبق لها مثيل، فضلاً عن المخاوف من حصول الجماعات الإرهابية على مركز في أفريقيا.

وأكدت صحيفة " تاجس الجماينه تسايتونج" أن السلام على الأغلب لن يكون نتيجة المؤتمر وأن اللغز يكمن في أنه لماذا تريد ألمانيا عزف مقطوعة ثانية جديدة بعد أيام قليلة من فشل المقطوعة في موسكو؟

وتساءلت صحيفة " تاجس شبيغل" هل ستنجح برلين فيما فشلت فيه موسكو؟ وقالت إن المؤتمر قد لا ينتهي باتفاق رسمي لكنه سيفتح بوابة جديدة، وقد أنفقت ألمانيا الكثير من الوقت والجهد منذ شهور لإقامة هذا المؤتمر .

وأشارت إلى أن القمة ستركز على تحرير النزاع من الأطراف الدولية المؤثرة عليه لفتح الباب أمام طرفي النزاع الليبي لحل مشكلتهم بـأنفسهم تحت مظلة الأمم المتحدة ومبعوثها غسان سلامة.

وتناولت صحيفة "فرانكفرتر الجماينه تسيتونج" المؤتمر من الناحية الاقتصادية، وقالت إن الشركات الألمانية تنظر بتفاؤل للمؤتمر الذي يمكنه أن يعيد ليبيا لشراكات تجارية مع ألمانيا.

الحضور في الملعب

من ناحيته قال البروفيسور توماس ياجر بقسم السياسة الدولية والخارجية بجامعة كولونيا في تصريحات لـ"الرؤية" إن جدول أعمال مؤتمر برلين يتضمن سلسلة من المناقشات بعضها ثنائية وبعضها في مجموعات مختلفة. وأشار إلى أن ألمانيا تنشط حالياً في الشأن الليبي بغرض تحقيق هدفين أولهما ألا ينتج من ليبيا موجة لجوء جديدة وثانياً الحضور في الملعب وألا تترك المجال فقط لتأثيرات روسيا و تركيا اللاعبين البارزين حالياً على الساحة الليبية، خاصة أن النزاع الليبي يؤثر على الاتحاد الأوروبي المتباين المواقف.

وعن توقعه للمؤتمر قال إنه يمكن أن ينجح أو يفشل، و لكن لا بد للحكومة الألمانية من تحمل هذه المخاطرة، وعن عدم حضور تونس واليونان قال إنه ربما يرجع لمواقف من تركيا وروسيا بخصوص الحضور.

من جانبه قال لؤي المدهون الباحث بجامعة كولونيا و الخبير في الشؤون الألمانية والأوروبية في تصريحات لـ"الرؤية" إن مجرد انعقاد المؤتمر وإمكانية تنظيمه ليطلق عملية دبلوماسية تحت اسم "عملية برلين" بحضور الأطراف المؤثرة في الصراع يعد في حد ذاته نجاحاً هاماً.

وأشار إلى أن حضور حفتر الرجل القوي في شرق ليبيا والسراج أيضاً يشكل نقطة مهمة للغاية لأن غياب الأطراف المباشرة كان سيعني ضربة موجعة لفرص المؤتمر، معبراً عن اعتقاده أن الفرضية الألمانية تنطلق من أن الصراع في ليبيا معقد وتشارك فيه دول إقليمية وأوروبية، وإحضار جميع الأطراف إلى طاولة المفاوضات في برلين يعد طريقة صحيحة ومهمة للغاية.

وقال إن عدم حضور تونس واليونان يعد خطأ كبيراً لأنه من المهم الحوار مع كل الدول المجاورة لليبيا مثل تونس، كما أنه من المهم جداً التنسيق بين الحكومة الألمانية والحكومة المصرية حيث تلعب القاهرة دوراً محورياً ومهماً. وحذر من أنه إذا تحولت ليبيا إلى دولة فاشلة فإن الأمر يشكل تهديداً للأمن القومي المصري والأمن الأوروبي لأن ليبيا تعد المنبع الأول للاجئين ولمن يرغبون في الوصول إلى أوروبا .

وعن فرص نجاح ميركل في أن تكون صانعة سلام قال المدهون إن هناك انتقادات كثيرة لسياسة ميركل والسياسة الخارجية الألمانية بكونها خاملة وغير فاعلة وحتى للاتحاد الأوروبي الذي فشل في صياغة سياسة مشتركة تجاه الأزمة الليبية، معبراً عن اعتقاده بأن ميركل ترغب في أن تختبر الإمكانيات المتاحة في هذا المؤتمر الذي يجسد "فن الممكن" على الصعيد الدبلوماسي وأنها تريد على الأقل أن تساهم في الدخول في عملية تفاوضية بعيداً عن الصراع العسكري لأنه من الصعب تصور حسم الأمور في ليبيا عسكريا