السبت - 27 أبريل 2024
السبت - 27 أبريل 2024

«دفن الموتى».. أقصى طموح العراقيين في زمن «كورونا»

«دفن الموتى».. أقصى طموح العراقيين في زمن «كورونا»

دفن الموتى بات حلما صعب المنال في العراق. (إيه بي أيه)



بات الحصول على قبر بالنسبة لسعد مالك، الذي فقد والده قبل أسبوع، جراء فيروس «كورونا» في العراق، حلماً صعب المنال، بسبب رفض المدافن الرسمية والسكان استقبال ضحايا الوباء، لاعتقادهم بأنهم مصدر للعدوى، فتكدست الجثث في ثلاجات الموتى.



غادر مالك وقريبه سالم الشمري الحجر الصحي قبل أيام، لأنهما خالطا الشخص المتوفى. ومنذ ذاك الحين، تبوء محاولاتهما بالفشل لتأمين حفرة لدفن والد سعد الذي أعيدت جثته إلى ثلاجة أحد مستشفيات بغداد.



يقول مالك، بنبرة ملؤها الحزن على فقد أبيه: «لم نُقم مأتماً لأبي، ولا نستطيع دفن جثته، رغم مرور أكثر من أسبوع على وفاته».

ويضيف «هل يعقل أن هذا العراق الكبير ليس فيه عدة أمتار لدفن مجموعة صغيرة من الجثث؟».



وأودى فيروس «كوفيدـ19» حتى الآن بحياة 42 عراقياً، وأصاب أكثر من 500 شخص، بحسب وزارة الصحة. لكن هذه الأرقام قد تكون أقل من الإصابات الموجودة فعلياً، إذ إن نحو 2000 شخص فقط من أصل 40 مليون نسمة خضعوا للفحص في أنحاء العراق.



يأتي الرفض الكبير من العشائر العراقية صاحبة الكلمة الفصل، في بلد تغلب فيه العادات والتقاليد سلطة القانون. فقد منعت إحدى كبرى العشائر في شمال شرق بغداد مثلاً، فريقاً تابعاً لوزارة الصحة من دفن 4 جثث في مقابر خصصتها الدولة لضحايا «كورونا».



وعندما حاول الفريق نفسه دفن الجثث في منطقة النهروان، جنوب شرق بغداد، خرج العشرات من السكان بتظاهرة، ما دفع الفريق لإعادة الجثث إلى ثلاجات المستشفى.



ويلفت الشمري إلى أن «المسلحين الذين ادعوا أنهم ينتمون إلى عشيرة، هددونا بحرق سيارتنا إذا قمنا بدفنهم، رغم وجود سيارات الشرطة برفقتنا».



ويقول أحد السكان الذين رفضوا الدفن في مقبرة قريبة منهم: «شعرنا بالذعر على أطفالنا وأسرنا (...) لذا قررنا منع أي دفن في مناطقنا».



ورغم تأكيدات وزير الصحة جعفر علاوي أن الأمور ستسير على ما يرام، هناك اعتراضات قائمة أجبرت الوزير على مناشدة المرجعيات الدينية للتدخل في تسهيل عملية الدفن.



وطالت المشكلة الوفيات في محافظات عدة، بينها مدينة النجف، حيث مقبرة السلام. وبحسب عائلات المتوفين، فإن السلطات فشلت أيضاً في الحصول على أذونات للدفن في مدينة كربلاء، بسبب رفض سلطاتها المحلية، خصوصاً وأنها تعتبر قبلة لملايين الزائرين الشيعة.



يقول أحد الأطباء، طالباً عدم كشف هويته، إن السلطات فاتحت سلطة النجف لاستقبال جثة متوفٍ بفيروس «كورونا»، لكنها قوبلت بالرفض، فباتت الوزارة عاجزة عن إيجاد حلول.



وينقل الطبيب عن زوج إحدى النساء اللواتي توفين جراء المرض قوله بعد يأسه «سلموني الجثة وأنا سأدفنها في بيتي». ويوضح أن «هذا هو الحال ونحن لدينا نحو 40 وفاة. ماذا لو تفاقم الوضع؟ أين سنضع الجثث؟».



وهناك قلق كبير من فقدان السيطرة في العراق، خصوصاً وأنه مجاور لإيران التي ضربها الفيروس بشدة وأودى حتى الآن بأكثر من 2500 شخص. ويواجه العراق الفيروس اليوم، بعدد قليل من الأطباء والمستشفيات التي أنهكتها الحروب المتتالية.



فمنذ الغزو الأميركي عام 2003، اُختطف عشرات الأطباء من قبل فصائل مسلحة تطالب بفدية، ما دفع العديد من زملائهم إلى تفضيل المنفى. أما من قرر البقاء، فعليه التعامل مع معدات ومنشآت متداعية.



وعلق المتحدث باسم وزارة الصحة سيف البدر على منع دفن ضحايا كورونا، قائلا: «قضية لا تنسجم مع الأعراف الدينية والإنسانية، التي تشدد على أن إكرام الميت دفنه».



واعتبر أن مسألة انتشار المرض من الأموات «غير مستندة إلى حقائق علمية»، وأن هناك إجراءات تتخذها الدولة للحد من المخاطر «كالتعقيم ولف الجثة بأكياس وتابوت خاص».



وبدورها، أفتت القيادات الدينية بوجوب تكفين الميت جراء الوباء بالأثواب الثلاثة (الأكفان)، ودفنه في المقابر العامة، ولا يجوز حرق جثمانه.



ووسط هذه المعضلة، يقول الشمري بحسرة «لم يعد يفجعنا الموت، بل بات حلمنا دفن موتانا».