الاثنين - 06 مايو 2024
الاثنين - 06 مايو 2024

شهادات ناجين: الصحافة جريمة عند ميليشيات الحوثي

إذا كنت تحمل هوية صحفي ولا تنتمي إلى منصة أو قناة فضائية تنشر أكاذيب ميليشيات الحوثي الانقلابية في اليمن فلن تمر من نقطة أمنية لهم، فضلاً عن إمكانية استهدافك أثناء عملك الصحفي في وضح النهار، والتهمة الجاهزة هي التخابر مع تحالف دعم الشرعية في اليمن، بحسب ما كشفت عنه شهادات صحفيين أمضوا سنوات في سجون الحوثي وبعضها كان أصلاً منشآت تعليمية.

السؤال الذي لم يمكنهم الإجابة عليه كان وصف وجوه الجلادين في سجون الحوثي، فحلقات التعذيب تجري مع تغطية وجوه الضحايا، أو عصب عيني الضحية وربط يديه وراء ظهره.

عبدالله المنيفي، وإبراهيم الجحدبي، وأحمد حوذان، 3 صحفيين قضوا فترات في سجون الحوثي بعضها تجاوز العامين، تواصلت معهم «الرؤية» عبر تطبيقات على الإنترنت، لتحاورهم عن السجون ومقار الاحتجاز التي لم تتوقف عمليات التعذيب داخلها، في مناطق خاضعة لسيطرة الميليشيات المدعومة من إيران.

وحل اليمن، في المرتبة (167) من بين (180) دولة ضمن مؤشر حرية الصحافة، بحسب تقرير صادر عن منظمة «مراسلون بلا حدود» حول حرية الصحافة في العالم.

«كانوا يعلقونني في السقف من اليدين لساعات طويلة، ويضربونني في الرأس وباقي أنحاء الجسم، ثم يوصلون الأسلاك في أصابعي وفي أماكن حساسة، ليبدأ الصعق بالكهرباء، إضافة إلى التكبيل على وضعيات معينة لساعات طويلة أفقد بعدها القدرة على الحركة». بهذه الكلمات بدأ المنيفي (41 عاماً)، حديثه لـ«الرؤية».

وقال إن قوات تابعة للحوثي في محافظة ذمار، اختطفته في فبراير 2016 «ونقلوني إلى سجن خارج المدينة لمدة 3 أيام، ثم إلى سجن سري في صنعاء هو وكر للاستجواب والتعذيب النفسي والجسدي بقيت به نحو 4 أشهر، ثم نقلوني إلى السجن المركزي بذمار (القسم الخاص بالمختلين عقلياً) لأكثر من شهرين» حيث كانت المشاجرات بين النزلاء تصيبه بالفزع ولم يصدق أنه سيخرج حياً.

وأضاف «المنيفي»: أنه لم يتمكن طوال فترة احتجازه من رؤية وجوه المحققين: «كانوا يعصبون عيني في كل مرة خلال الاستجواب، أو حفل التعذيب الذي يتواصل من بعد العشاء ولا ينتهي إلا فجراً أو في الصباح».

وواصل: «في سجن آخر، عرفت من أحد نزلائه أنه (مدرسة بنات صنعاء) كانوا يعرضونني إلى إضاءة عالية جداً لأيام عديدة، أفقد معها القدرة على النوم، ثم يخيم بعد ذلك ظلام دامس، لأيام».

وقال إنه كان يسمع في ذلك السجن، همهمات بلغات غير عربية. وأكد نزلاء أقدم منه أنها أصوات عناصر إيرانية تشرف على التحقيقات والتعذيب.

وتابع أن التعذيب النفسي كان أشد قسوة من الكهرباء والتعليق في السقف، مضيفاً «اعتاد جلادو الحوثي تهديدي بالتصفية الجسدية أو باختطاف أولادي».

وخرج المنيفي، بعدما دفع شيوخ قبيلته فدية عبر وسيط بلغت مليوناً و200 ألف ريال (حوالي 2000 دولار).

الشواية

أما «الجحدبي»، (42 عاماً)، وهو من ذمار أيضاً، فيقول إن ميليشيات الحوثي أبعدته وأسرته إلى محافظة مأرب، بعد 505 أيام قضاها في سجون الحوثي.

وأضاف أن قوات تابعة للحوثي اعتقلته في 13 فبراير 2017، عند نقطة أمنية بعدما عرفوا أنه صحفي، ليقضي «رحلة عذاب» وصلت إلى مبنى كلية المجتمع الذي حولته ميليشيات الحوثي إلى سجن مكث فيه قرابة 6 أشهر، ثم قسم المختلين عقلياً بسجن ذمار، وبعدها لأحد سجون الحوثي في صنعاء، حيث قضى بقية فترة السجن، قبل أن يحصل على حريته 2 يوليو 2018، في صفقة تبادل أسرى بين الميليشيات الانقلابية وبين حكومة الشرعية.

وأكد أنه شعر بالأسى حين جرى استبداله بمجرمي حرب حوثيين.

وقضى «الجحدبي» أوقاتاً طويلة مجرداً من الثياب، وبقي لساعات في البرد الشديد، داخل زنازين الحوثي.

وأوضح أن سلطات التحقيق، كانت تبث الرعب في قلوب المعتقلين بإجبارهم على مشاهدة مقاطع لبعض الاعترافات الناتجة عن تعرض أصحابها للتعذيب، ثم الضغط لمحاكاة تلك النماذج وإكراه الضحايا على اعترافات كاذبة بالتخابر مع تحالف دعم الشرعية.

واكتوى «الجحدبي» بعذاب «الشواية»، وهي أحد أشكال التنكيل في سجون الحوثي. وأوضح قائلاً «أجلسوني في وقع القرفصاء ثم وضعوا القيود في يدي ورجلي وأدخلوا ركبتي بين الذراعين، وأدخلوا قضيباً سميكاً من الحديد في منعطف الركبة، وعلقوني، ثم قلبوني كأنني شاة فوق النار، مع جلدي بالسياط على كل أجزاء جسدي».

طعام لا تتحمله القوارض

واعتقل أحمد حوذان (27 عاماً) في 16 أكتوبر عام 2018، خلال تغطيته احتجاجات في العاصمة صنعاء، تحت شعار «ثورة الجياع».

وقال «بمجرد وصولي لمكان التظاهرة، تم اختطافي بعد وضع القيود في يدي ونقلي إلى سجن العلفي».

في البداية، ظن «حوذان» أنه سيخضع للتحقيق ثم يخلى سبيله، ولم يتخيل أنه سيقضي قرابة 11 شهراً في التنقل بين السجون وأماكن احتجاز لم يسمع عنها من قبل.

وقال لـ«الرؤية»، إنه قضى 3 أيام في سجن (العلفي) ثم جرى نقله إلى سجن البحث الجنائي، وتعرض فيه للضرب على الوجه والظهر 3 أيام وهو مقيد اليدين، «وهددوني وأنا معصوب العينين، بنقلي إلى مكان لن أشاهد فيه الشمس».

نقلوه بعد ذلك إلى سجن الأمن السياسي في صنعاء حيث قضى 5 أشهر في هذا السجن، ذاق خلالها صنوفاً مختلفة من التعذيب النفسي والبدني، وتلفيق التهم الباطلة: «تصفحوا صور عائلتي الشخصية، وهددوني بالاعتداء على زوجتي، وسط السباب والشتائم البذيئة».

كان مذاق الطعام مروعاً ورائحته فاسدة، «حتى القوارض لا يمكنها تحمله»، هكذا وصف حوذان الوجبات المقدمة في مراكز الاعتقال، فضلاً عن المنع من استخدام الأقلام وأمواس الحلاقة.

ويتذكر بعض الرفاق في ليالي البرد القارس: «كان معي سجناء من محافظة الحديدة أعمارهم تجاوزت الـ60، أحدهم راعي أغنام لا يعرف القراءة والكتابة، مسجون بتهمة التخابر مع تحالف دعم الشرعية. ما زلت أتذكر اسمه، نعم، كان سلطان عبده.. كنا جميعاً نحمل نفس التهمة».

وقال إنه قضى 5 أشهر في زنزانة ضيقة بسجن الأمن السياسي بحي شملان، في شارع الستين الشمالي: «تعرضت للتعذيب ليلاً ونهاراً، في هذا السجن، وخرجت إلى النور في صفقة لتبادل الأسرى في 29 سبتمبر 2019».

وطلبت «الرؤية» تعليقاً من وزيرة حقوق الإنسان في حكومة الحوثي، رضية عبدالله، على هذه الروايات، عبر البريد الإلكتروني، لكنها لم ترد.

وقال عضو مجلس نقابة الصحفيين اليمنية، نبيل الأسيدي، إن ميليشيات الحوثي الانقلابية قتلت 36 صحفياً خلال السنوات الخمس الماضية، وأن عدد الصحفيين الذين تعرضوا للاعتقال في نفس المدة يصل إلى 200.

وأضاف في تصريحات لـ«الرؤية»، أن انتهاكات الحوثي ضد الصحفيين بلغت 920 حالة، تنوعت بين القتل والاعتقال وإغلاق المواقع الصحفية.