الجمعة - 26 أبريل 2024
الجمعة - 26 أبريل 2024

«بزنس الميليشيات».. تجارة مخدرات وتهريب واقتصاد أسود باسم الدين

أعادت واقعة مصادرة السلطات الإيطالية بداية الشهر الجاري لشحنة مخدرات كبيرة قادمة من سوريا، الحديث عن التجارة الحرام التي تستخدمها التنظيمات المسلحة والميليشيات الإرهابية لتمويل أنشطتها الإجرامية وغير المشروعة.

واتهمت السلطات الإيطالية تنظيم «داعش» الإرهابي بتهريب الشحنة التي وصفت بأنها أكبر عملية مصادرة على مستوى العالم لمخدر «الأمفيتامين» أو ما يعرف بحبوب الكبتاغون، مشيرة إلى أن هذه المخدرات تم تصنيعها في سوريا من قبل مجموعات تابعة لحزب الله اللبناني هناك.

وأعلنت الشرطة أنها صادرت كمية قياسية من «الأمفيتامين» تبلغ 14 طناً تحوي 84 مليون حبة كبتاغون أنتجها تنظيم «داعش» في سوريا وتقدر قيمتها بمليار يورو في مرفأ ساليرنو جنوب مدينة نابولي.

ويقول أستاذ العلوم السياسية بجامعة القدس، الدكتور أيمن الرقب، إن بداية بزنس التنظيمات المسلحة والإرهابية في التجارة غير المشروعة لتوفير مصادر التمويل كانت من أفغانستان عبر تنظيم طالبان الذي اشتهر بالتجارة في مخدر الأفيون.

ويتفق معه الخبير في الشؤون الإيرانية، بمركز الأهرام للدراسات السياسية والاستراتيجية، الدكتور حسن أبو طالب، مشيراً إلى أن وزارة الداخلية الأفغانية أعلنت أن عائدات طالبان من تجارة المخدرات بشكل سنوي تتراوح ما بين 400 إلى 650 مليون دولار.

وأضاف أن الفكرة انتقلت بعد ذلك وأصبحت مصدراً لتمويل التنظيمات المسلحة سواء الموجودة في سوريا أو العراق ولبنان، وتطور الأمر للتجارة في النفط والآثار بعد سرقتها من الأراضي الخاضعة لنفوذ هذه الجماعات.

اعتمد حزب الله الذي يسيطر على الجنوب اللبناني، على تجارة المخدرات في تمويل أنشطته حيث يقوم بزراعة مزارع شبعا بنبات الخشخاش الذي يصنع منه مخدر الحشيش، ومؤخراً برز التعاون بين الحزب وعدد من بلدان أمريكا اللاتينية المشهورة بتجارة المخدرات، بحسب تقرير ألماني صدر مؤخراً.

وقال التقرير الذي نشرته صحيفة «تاغس شبيغل» الألمانية إن السلطات الألمانية ضبطت مخدرات مهربة بواسطة حزب الله عبر شحنات قادمة من أمريكا الجنوبية مروراً بأفريقيا، في مسارات محددة رسمها الحزب.

وقالت الصحيفة إنه بجانب ميناء هامبورغ الألماني، تصل المخدرات عادة إلى موانئ روتردام في هولندا وأنتويرب في بلجكيا، ويستخدم الحزب الأموال التي يجنيها من هذه التجارة في شراء الأسلحة وتمويل عملياته.

ولا يقتصر الأمر على تجارة المخدرات فهناك أيضاً الاتجار في تهريب الآثار وتهريب النفط، وهو ما أكده الرقب في تصريحات لـ«الرؤية» قائلاً: إن ميليشيات إيران وعلى رأسها الحرس الثوري تستخدم طرقاً غير مشروعة لبيع النفط للتحايل على العقوبات الأمريكية لتمويل أنشطتها، كما ثبت تورطها في تهريب الآثار العراقية والاتجار بها.

وكانت صحيفة «التايمز» البريطانية، قد نشرت في السابق تقريراً كشفت فيه أن بيع الآثار المسروقة يمثل واحداً من أبرز مصادر التمويل بالنسبة لتنظيم «داعش»، مشيرة إلى أن التنظيم كان يبيع القطع الأثرية التي تقدر بملايين الدولارات مباشرة إلى جامعي التحف في الغرب.

فيما قال تقرير للاتحاد الأوروبي، إن اللصوص نقلوا إلى سويسرا عبر قطر 3 قطع من مدينة تدمر القديمة، وهي أحد مواقع التراث العالمي التابعة لليونسكو، التي دمرت بشكل منهجي من قبل تنظيم «داعش» الإرهابي الذي سيطر على المنطقة في مايو 2015، فيما صادرت السلطات السويسرية الآثار الثقافية التي سرقت من سوريا وليبيا واليمن.

في مايو 2018، أوقفت السلطات الأمريكية نحو 4 آلاف قطعة أثرية عراقية الأصل تم تهريبها عبر العديد من دول المنطقة حتى وصلت إسرائيل ومنها إلى الولايات المتحدة حيث تم توقيفها لأنها تخالف القوانين الاتحادية الأمريكية.

أستاذ العلوم السياسية، بجامعة القاهرة، الدكتور طارق فهمي، قال إن التنظيمات الإرهابية سواء التابعة لإيران، أو تلك التابعة لتنظيم داعش، كلها تعمل فيما يعرف بالاقتصاديات السوداء، ومن بين أنشطتها غير المشروعة غسيل الأموال وتستخدم عائداتها تجارتها في تمويل أنشطتها وشراء الأسلحة.

وتعتبر أنشطة غسل الأموال واحدة من بين أهم القنوات السوداء لحزب الله والحرس الثوري، حيث اعترف وزير الخارجية جواد ظريف في يونيو 2019 أمام البرلمان، بعمليات غسل أموال في البلاد فيما وجه أصابع الاتهام لجهات معينة تستفيد من عمليات غسيل الأموال عبر اصطيادها في ماء الاقتصاد الإيراني المضطرب والعكر لمصالح شخصية.

وربط تقرير لموقع «إيران وير» تصريحات ظريف بتورط مؤسسات تابعة للحرس الثوري وخاضعة لإشراف المرشد علي خامنئي شخصياً، في عمليات غسل أموال داخلياً وخارجياً وهي ما تقف عائقاً أمام انضمام طهران لمعاهدات دولية معنية بمكافحة هذه الجرائم.

واعتبر أستاذ العلوم السياسية، الدكتور عبدالمنعم السعيد، أن العقوبات الأمريكية كانت سبباً في بحث هذه الكيانات الإيرانية أو الكيانات التابعة لها مثل حزب الله في لبنان عن طرق خفية وأذرع تستطيع من خلالها الاستمرار في أنشطتها، فكان اعتمادهم في بعض الأحيان على جماعات صغيرة وشخصيات في الخارج بعيدة عن الشبهات لكن بين الحين والآخر يتم كشف أمرها.

وكانت وزارة الخزانة الأمريكية قد فرضت عقوبات على شخصيات تابعة لحزب الله في يوليو 2019، بسبب استغلالهم لمناصبهم لتسهيل أجندة الحزب الخبيثة وتقديم خدمات لإيران. ومن بين هؤلاء نائبا حزب الله أمين شري ومحمد حسن رعد على وجه التحديد، وكذلك المسؤول الأمني في حزب الله وفيق صفا لعمله لصالح الحزب أو بالنيابة عنه. ويتم إدراج هؤلاء الأفراد على قوائم العقوبات التي تستهدف الإرهابيين ومن يقدمون الدعم للإرهابيين أو لأعمال الإرهاب.

ولا يقتصر الأمر بالنسبة للجماعات الإرهابية على العمل في هذه الأنشطة غير المشروعة فقط، بل يستخدمون الدين ستاراً لتبرير هذه العمليات. حيث أصدرت بعض هذه الجماعات فتوى تبرر هذه الأعمال الإجرامية.

وكان هذا الاستغلال الديني الخاطئ والمضلل سبباً في أن تهب المؤسسات الدينية الوسطية إلى تصحيح هذه المفاهيم المغلوطة. وقالت دار الإفتاء المصرية في ديسمبر 2018، إنها رصدت عبر «المؤشر العالمي للفتوى» المعني بمراقبة فتوى هذه الجماعات زيادة كبيرة في الفتاوى الاقتصادية وتطويعها لخدمة أهدافهم الإجرامية نظراً لما تمثله الفتوى الاقتصادية في أدبيات الجماعات الإرهابية.

وأوضح مؤشر الفتوى العالمي أن الفتاوى الاقتصادية تمثل (10%) من إجمالي فتاوى تنظيم «داعش» الإرهابي، وتجيز هذه الفتاوى تمويل التنظيم، والعمليات المشبوهة من سرقة واحتيال وتجارة الأعضاء والرقيق وما شابه، على سبيل المثال فتوى «إجازة أخذ أعضاء مَن أُسر حيًّا لإنقاذ حياة مسلم، حتى وإن كان ذلك معناه موت الأسير».

كما فندت دار الإفتاء مغالطته هذه الجماعات في استخدام لفظ «الغنائم» بإطلاقها على الأموال والمعدات التي يسرقها، فقد تمكن بسبب سرقاته للآثار وتجارته للسلاح والأعضاء من أن يصبح أغنى تنظيم إرهابي في العالم.

ولضمان مزيدٍ من الأموال والبحث عن مصادر جديدة للتمويل أفتى تنظيم «داعش» بجواز التعامل بالعملات الرقمية وأبرزها «البتكوين» لتسيير عملياته الإرهابية؛ حيث أفتى «تقي الدين المنذر» في وثيقة «بيتكوين وصدقة الجهاد» بأن «العملة الافتراضية تمثل حلاً عملياً للتغلب على الأنظمة المالية للحكومات الكافرة»؛ بل اهتمت الوثيقة بشرح كيفية استخدام هذه العملة الافتراضية وإنشاء الحسابات المالية على الإنترنت، ونقل الأموال دون لفت انتباه أحد.