الجمعة - 26 أبريل 2024
الجمعة - 26 أبريل 2024

القضية الفلسطينية.. الدجاجة التي تبيض ذهباً

القضية الفلسطينية.. الدجاجة التي تبيض ذهباً

منظمات فلسطينية: الفساد بات مرضاً متأصلاً في هيكل السلطة وقيادة حركة حماس. (رويترز)

يمثل الفساد وسوء تسيير المال العام أحد أكثر المواضيع إثارة للجدل في فلسطين، حيث تطال الاتهامات باستغلال النفوذ وتبديد الأموال العامة قيادات من مختلف الحركات السياسية المسيطرة على المشهد هناك، فيما تعكس الأخبار والتحقيقات الميدانية فجوة كبيرة بين أنماط عيش الزعماء وغالبية المواطنين في الضفة الغربية وغزة.

وظهرت ثمار الفساد في صورة ممتلكات عقارية في مختلف أنحاء العالم، ومنها أبراج سكنية في قطر، وحفلات باذخة تتناقض مع الواقع المرير الذي يعيشه المواطن الفلسطيني.

ولم تنبعث رائحة الفساد من مجرد مسؤولين من المستوى الثاني أو الثالث، بل من قمة هرم السلطة الفلسطينية، ما يوضح نموذج التربح من القضية الفلسطينية والانتفاع بالمساهمات المادية من مختلف أنحاء العالم، والتي تقدر بمليارات الدولارات، ينتهي بها الحال إلى غير مقصدها الأساسي، لتضيع في دهاليز الفساد بعيداً عن فائدة رجل الشارع الفلسطيني.

وليس غريباً في ظل هذا الوضع أن يحرص كبار المنتفعين على بقاء القضية الفلسطينية دجاجة تبيض لهم ذهباً ينفقونه كيفما شاؤوا بلا رقيب ولا حسيب، وليس غريباً كذلك أن يعتبروا أي محاولة جادة لحل القضية بمثابة تهديد لمنجم الذهب ودجاجته.


وأكد تقرير «مقياس الفساد العالمي الشرق الأوسط وشمال أفريقيا 2019» الصادر عن منظمة الشفافية الدولية أن الأبحاث المتعلقة بفلسطين تشير إلى افتقار القادة هناك إلى «النزاهة السياسية بدرجة كبيرة».

وخلال السنوات الأخيرة، زادت شكاوى المواطنين من الفساد، حيث سجلت «هيئة مكافحة الفساد» الرسمية 904 شكاوى في عام 2019 تنوعت بين الرشوة، غسل الأموال، المتاجرة بالنفوذ، المساس بالمال العام، وإساءة الائتمان وغيرها، وذلك مع تشكيك الكثير من الخبراء في دقة معطيات الهيئة وقدرتها على تشخيص واقع «الفساد وسوء التسيير»، خصوصاً في مستوياته العليا.

ومن رام الله إلى غزة، طال الاعتقال والملاحقات القضائية عدة ناشطين وصحفيين في السنوات والأشهر الأخيرة بسبب الكشف عن قضايا فساد هزت المشهد الفلسطيني، على غرار قضية الموقوفين في تظاهرات «حراكيين ضد الفساد» في رام الله يوليو الماضي، وملف الصّحفية الاستقصائية هاجر حرب التي تعرضت للملاحقة قبل عامين بسبب كشفها تورط قادة حماس في قضايا فساد.

ووفقاً لتقرير منظمة الشفافية الدولية 2019، بلغت نسبة الفلسطينيين الذين يرون أن الفساد قد تفاقم في بلادهم خلال السنة الماضية 62%، ووصلت نسبة الأشخاص الذين يرون في الفساد مشكلة كبيرة هناك 75%، ووفقاً للتقرير، فإنه وفي فلسطين «يرى تقريباً مواطن من بين كل مواطنين اثنين أن معظم النواب أو كلهم متورطون في الفساد».



وحسب منظمات فلسطينية، فإن الفساد بات مرضاً مزمناً متأصلاً في هيكل مؤسسات السلطة الفلسطينية وقيادة حركة حماس المسيطرة على غزة.

وواجه رئيس السلطة الحالي محمود عباس أبو مازن وعدد من قادة السلطة اتهامات بالكسب غير المشروع وإساءة استخدام أموال الشعب الفلسطيني، وثراء أبنائهم وأفراد عائلاتهم، وفي هذا الصدد سبق لمجلة فورين بوليسي الأمريكية أن نشرت تقريراً عام 2012، سلط الضوء على ثراء نجلي الرئيس الفلسطيني محمود عباس، ياسر وطارق بشكل مثير للاهتمام.



وبرزت مؤخراً قضية «صندوق وقفة عز» التي تداولها الإعلام الفلسطيني على نطاق واسع، مشيراً إلى أن أموال الصندوق التي جمعت من التبرعات بحجة تقديمها للمتضررين من حالة الطوارئ بسبب أزمة كورونا تم توزيعها على متنفذين في أجهزة أمن السلطة وعائلاتهم وحرمان المواطنين والعمال العاديين منها.

وحسب تقرير مطول للصحفي موشيه إلعاد على موقع «تابليت ماغازين»، تلقت السلطة الفلسطينية في الفترة بين 1995 و2005 ما قيمته 8 بلايين دولار من المجتمع الدولي لتطوير بنيتها الأساسية وإطلاق مشاريع تنموية، وأكد التقرير أنه و«لسوء الحظ لا يبدو أن أياً من هذه المشاريع قد خرج إلى النور حيث ذهبت معظم الأموال إلى جيوب خاصة، واستعان قادة السلطة بالمتبقي منها في تجنيد المزيد من أعضاء الميليشيات».

وفي الجانب الآخر، طالت اتهامات بالفساد حركة حماس، التي صنفتها «فوربس» بالمرتبة الثالثة في قائمة أكثر الحركات الإرهابية ثراء، بمداخيل سنوية تزيد على 700 مليون دولار عام 2018.

وبرزت أسماء قيادية في حماس راكمت ثروات كبيرة عبر استغلال أموال المساعدات الدولية والتبرعات الموجهة لقطاع غزة، ومن بين هذه الأسماء تحدثت تقارير عن كل من خالد مشعل وموسى أبومرزوق وغيرهما.

كما ظهرت فضائح على مدى السنوات الأخيرة هزت ثقة الفلسطينيين في قيادة الحركة وشعاراتها «النضالية»، على غرار قضايا التلاعب بالمساعدات الدولية مثل فضيحة المنحة العُمانية المخصصة لإعمار عدد من المنازل المدمرة في قطاع غزة، وقضية تزوير كشوفات الحج التي طالت وزير الأوقاف الأسبق إسماعيل رضوان، حيث مرّر اسم نجله أنس ضمن المكرمة الملكية السعودية لحجاج فلسطين.

وبرزت قضية ملاحقة «حماس» للصحفية هاجر حرب على خلفية نشرها تحقيقاً استقصائياً في يونيو 2016 حول تفاقم الفساد في ملف التحويلات الطبية للعلاج بالخارج.



كما شن صهيب يوسف نجل القيادي في حماس حسن يوسف، هجوماً حاداً على الحركة التي عمل فيها لسنوات طويلة من الضفة الغربية وتركيا، قائلاً إنها فاسدة وتتجسس لصالح إيران مقابل الأموال.

وفي العام الماضي، تداول نشطاء على مواقع التواصل الاجتماعي، مقطع فيديو لعيد ميلاد نجل القيادي في حركة حماس غازي حمد، والذي تميز بأجواء بذخ لافتة في ظل الأوضاع الإنسانية الصعبة في غزة.

ووفق تقرير موقع «تابليت ماغازين» أقدمت حماس على تطوير آلياتها الخاصة لجمع الأموال، والقائمة على التبرعات والمساهمات، مؤكداً أنه وبعد سيطرة حماس على قطاع غزة استقبلت الحركة تدفقات مالية كبيرة من بلدان عدة بما فيها داخل الولايات المتحدة عبر القيادي في التنظيم موسى أبومرزوق، والذي أدين بتحويل أموال غير شرعية إلى الحركة، وهي الأموال التي مكنته من السيطرة على أصول واستثمارات تتجاوز قيمتها ملياري دولار، كما جمع خالد مشعل، حسب الموقع، ثروة كبيرة مكنته من إنشاء شركة خاصة بالعقارات في الدوحة، لديها عدة أبراج سكينة ومتاجر ضخمة في قطر.