الجمعة - 17 مايو 2024
الجمعة - 17 مايو 2024

الاتفاق الإماراتي ـ الإسرائيلي تعويض زمن الفرص الضائعة

في ربع الساعة الأخير، وقبل اصطدام كرة الثلج بسفح الجبل، وتجنباً للانفجار الكبير الذي كان متوقعاً، ليقضي على أي آمال في سلام شرق أوسطي، جاءت الإمارات العربية المتحدة لتفتح طاقة من نور، وسط ظلام الكراهية والأصولية، العداء التاريخي والنفوس المحتقنة، ولتنزع فتيل الانفجار الذي كان قاب قوسين أو أدنى.

الحديث عن الإعلان الثلاثي الذي غير من وجه الشرق الأوسط في الأيام القليلة المنصرمة، يحتاج في واقع الأمر إلى قراءات مطولة لأهميته وتاريخيته، كما أشار إلى ذلك الجنرال دافيد بترايوس المدير السابق للاستخبارات المركزية الأمريكية، لا سيما أن الخطوة تدفع قدماً في طريق القفز على العقبات، وأكبرها وأخطرها، مسألة ضم أراضٍ فلسطينية وأردنية إلى إسرائيل، وعوضاً عن ذلك تعطي الأمل مجدداً في رؤية دولة فلسطينية مستقلة على الأرض.

أهمية الاتفاق الإماراتي الإسرائيلي بضمانة أمريكية عطفاً على حيثياته الدبلوماسية، تتمثل في أنه يمهد الطرق ويهيئ الدروب للبشر للالتقاء عبر الحوار والجوار، وإذا كان الناس أعداء ما يجهلون، فإنهم من خلال نافذة تاريخية كهذه يمكنهم اللقاء عبر السياحة والتجارة، زيارة الأماكن المقدسة، والتعاون العلمي الخلاق، وبقية مرتكزات الحياة والنماء، لا الموت والفناء.

منذ إعلان الاتحاد الإماراتي، كان ديدن الإماراتيين الصدق والصراحة، ولهذا جاءت ملامح ومعالم الاتفاق الأخير لتصب في هذا الإطار، إذ لم تتخلّ الدبلوماسية الإماراتية البارعة عن التزامها الواضح بالحقوق التاريخية للشعب الفلسطيني، وحقه في إقامة دولته المستقلة.

تقتضي الموضوعية حال الحديث عن الاتفاق النظر بعمق وبرؤية ثاقبة لمشهد الشرق الأوسط المحمل بالأعباء، والذي اقتربت ساعة الصفر فيه، من جراء عوامل كثيرة، في مقدمتها الأدوار التركية والإيرانية والقطرية، التي ساهمت ولا تزال في تشظيه وتقطيع أوصاله.

ناهيك عن ذلك، أضحت هذه المنطقة في حيرة من أمرها، وبخاصة في زمن الفراغ الاستراتيجي الأممي، والصراعات العرقية والقومية، وعلى الهامش من هذا كله بات هناك خوف من حروب أهلية قائمة وقادمة كما الحال في لبنان، وأزمات اقتصادية تضرب القاصي والداني من الدول، بالإضافة إلى وباء مستشرٍ يحتاج إلى تضافر الجهود لاستنقاذ البشر من فيروس شائه.

بدا وكأن الظلام هو المهيمن والمسيطر على مقدرات الشرق الأوسط، وحال أضفنا قيام إسرائيل بتنفيذ مشروع ضم الأراضي الفلسطينية، لو حدث، ساعتها كانت النتيجة الحتمية ستتجلى في تسونامي عسكري غير مسبوق.

جاءت الاتفاقية الإماراتية ـ الإسرائيلية، من غير تهوين أو تهويل، لتعطي قبلة الحياة لطروحات وشروحات السلام في الشرق الأوسط، من خلال إجراءات بناء الثقة بين العرب والإسرائيليين.

أنفع وأرفع ما في هذه الاتفاقية هو أنها جاءت من الجانب الإماراتي كفكرة إبداعية، من خارج مدارات الاتباع التقليدية، وطرح ذاتي، يهدف إلى بلورة المصلحة الذاتية والعربية والفلسطينية، ويفتح أيضاً الآفاق لإسرائيل لأن تعيش في إطار طبيعي وعبر علاقات اعتيادية مع جيرانها في العالم العربي، ومن غير أن يكون العيش على حد السيف قدراً مقدوراً في زمن منظور، ومن غير حتمية تاريخية أن يولد كل مواطن إسرائيلي ومعه السكّينة التي يمكن أن يذبح بها، كما قال أحد شعراء إسرائيل ذات مرة.

النظرة الثاقبة للاتفاق الإماراتي الإسرائيلي تخبرنا بأنها جاءت لتفويت فرص واقتناص أخرى، أو بالمعنى الأدق محاولة تعويض فرص ضائعة في منطقة عرفت كثيراً منها، وها هي تحاول اللحاق بما تبقى، من منطلق أن ما لا يؤخذ كله لا يترك جله.. ما معنى ذلك؟

الفرص التي فوتها هذا الاتفاق،كانت تتمثل في الفوضى والنار والدمار التي كان لها أن تنتشر مع سيناريو الضم الإسرائيلي، وبخاصة مع وجود قوى إقليمية معروفة بعينها، تتطلع لاقتناصها لتحقق مكاسب استراتيجية لها، على حساب مصالح العرب عامة والفلسطينيين خاصة، وفي المقدمة منها إيران التي تمارس اليوم ازدواجية أخلاقية قاتلة في أحاديثها وتصريحاتها، بل وتهديداتها الرعناء الجوفاء، كما في كلام «محمد حاتمي» وزير الدفاع الإيراني مؤخراً، وفات الرجل أن القاصي والداني يعلم أبعاد «حلف المصالح المشتركة» من طهران مرورا بتل أبيب وصولاً إلى واشنطن، والعهدة هنا على الراوي البروفيسور الإيراني الأصل الأمريكي الجنسية «تريتا برزي».

من بين القوى الإقليمية التي تشعر بحالة من الارتباك والقهر المعنوي، تأتي تركيا، الواقفة خلف الباب تشتهي أن تعود عجلة التاريخ إلى الوراء من جديد، والتي لا تملك سوى الأساليب السفلى المتدنية ومحاولات الوقيعة بين الأشقاء، كما تبدى جيداً للناظرين بعد تصريحات «ياسين أقطاي» مستشار أردوغان.

على أنه فات أقطاي أن الإمارات من الشجاعة الأدبية والأخلاقية لأن تمارس سيادتها في العلن وليس لديها ما تهمس به في المخادع، بخلاف أنقرة المصابة بازدواج أخلاقي تاريخي قاتل، يتمثل في الطنطنة بالقضية الفلسطينية من جانب، والتعاون العسكري والأمني والتجاري والسياحي مع إسرائيل من جانب آخر.

وبالمثل يبقى حال الدوحة التي انهار مشروعها السري مع إسرائيل، بعد أن مضت الإمارات في طريق النور من غير خجل أو وجل، والفارق كبير بين الراعي والسارق.

أولاد زايد اليوم يعوضون الفرصة التي ضيعها الفلسطينيون عام 1977 في مبادرة السادات التاريخية، وها هم يحاولون الحصول على حقوقهم التاريخية بعد 43 سنة.

تأخر الفلسطينيون كثيراً، لكن أن تأتي متأخراً خير من ألّا تأتي أبداً، وتضيع حقوقك مرة وإلى الأبد.

اللحظة الآنية تستدعي النظر في الحال بموضوعية، وإجالة النظر في المستقبل بأمل وتفاؤل كبيرين.