السبت - 27 أبريل 2024
السبت - 27 أبريل 2024

«اضطراب وانتحار».. هل تٌصلِح البرامج العلاجية ما أفسدته الحرب السورية؟

«اضطراب وانتحار».. هل تٌصلِح البرامج العلاجية ما أفسدته الحرب السورية؟

طفل في مخيم الهول.(أ ف ب)

أزمات واضطرابات نفسية تطارد سكان مخيمات النزوح شمال سوريا، صغاراً كانوا أو كباراً بعد أن عانوا ويلات الحرب والتشرد.

الطفل محمد العلي (6 سنوات) من سكان مخيمات أطمه حاول الانتحار مرتين، مرة بجرح يده بشفرة حادة، وأخرى بربط حبل في سقف الخيمة، لكن تمكنت والدته من إنقاذه في المرتين.

يعاني محمد من حالة تبول لا إرادي، ناتجة عن اضطراب نفسي جراء الخوف والفزع من القصف والدمار الذي شهده في مسقط رأسه قبل نزوح عائلته، بحسب ما أكده الأطباء، هذه الحالة سببت له وصمة بين أقرانه وفي المحيط الذي يعيش فيه ففكر في التخلص من حياته.

أما عبدالله العمر (30 سنة)، من سكان نفس المخيم، ففكر في إنهاء حياته وحياة أسرته، قبل أن تقنعه زوجته بالعدول عن ذلك.

يعاني عبدالله من اضطراب نفسي وحالة يأس بعد إصابته وبتر ساقيه فأصبح غير قادر على العمل، كما أن طفله أحمد مصاب بضمور في الدماغ، هذه الظروف ترافقت مع حالة فقر مدقع دفعت زوجته للتسول لعدم كفاية المساعدات التي تحصل عليها من المنظمات الإغاثية.

في يونيو 2019 ذكرت منظمة الصحة العالمية أن واحداً من بين كل 5 أشخاص في مناطق الحرب يعانون من الاكتئاب أو القلق أو اضطرابات ما بعد الصدمة، أو الاضطراب ثنائي القطب، أو فصام في الشخصية، وأن هذه النتائج تسلط الضوء على التأثير بعيد المدى للأزمات الناجمة عن الحرب في عدة بلدان ومنها سوريا، كل ذلك يحتاج اليوم إلى جهود مضاعفة في زمن انتشار فيروس كورونا المستجد.



ضغط نفسي واكتئاب

محمد الدرويش، عامل دعم نفسي ضمن فريق تابع لاتحاد المنظمات الطبية الإغاثية السورية في أطمه، قال لـ«الرؤية» إن الاكتئاب والقلق والاضطرابات الجسدية، والتبول اللا إرادي لدى الأطفال، من أهم الأمراض النفسية التي تنتشر بين سكان المخيم.

وقال إن من أهم أسباب هذه الاضطرابات، النزوح وخسارة الممتلكات وقلة الخدمات في المخيمات وعدم وجود فرص عمل والتشتت الأسري والعائلي وضعف الحالة المادية وعدم وجود مراكز تعليمية ومساحات صديقة للأطفال بشكل كافٍ، ويضاف لها حالات الإعاقة وفقدان الأحبة بسبب الحرب.

برامج علاجية

تتبع فرق الدعم النفسي عدة برامج علاجية دوائية، بجانب جلسات التثقيف والدعم الفردي، لتخفيف أعراض الاكتئاب والقلق، والتخفيف من آثار الصدمات، ومعالجة الاضطرابات السلوكية لدى الأطفال، وتشجيع المستفيد على إيجاد حلول عملية وواقعية وممكنة لمشكلاته، وتصحيح الأفكار الخاطئة، وتزويد الفرد والأسرة بمعلومات وأفكار صحيحة عن الأمراض الشائعة وكيفية الوقاية منها، بحسب ملهم الحسن، وهو عامل دعم نفسي تحدث لـ«الرؤية» من مخيمات دير حسان شمال إدلب.

ويضيف الحسن أن هناك بعض المرضى ممن هم بحاجة إلى العلاج النفسي، يطلبون المساعدة من الشيوخ أو المعالجين التقليديين خوفاً من رد فعل المجتمع، وهذا ما يشكل عائقاً ويزيد الحاجة إلى برامج الدعم والتوعية النفسية.

البرامج وحدها لا تكفي

عابد الخلف، عامل فريق دعم نفسي تابع لمنظمة أطباء العالم في منطقة مخيمات قاح شمال إدلب، قال في حديثه لـ«الرؤية» إن البرامج العلاجية في مجال الدعم النفسي وحدها غير كافية لإصلاح وتحسين حال مناطق الأزمات، ما لم تكن مقترنة ببرامج اقتصادية وسياسية واجتماعية وحقوقية وأخرى تنموية، تعزز العافية لدى الفرد والمجتمع.

وأضاف الخلف: نعتمد في تقديم الدعم النفسي على البرامج الموضوعة من قبل المنظمات العالمية، والتي من المفترض أن تكون ضمن منظومة متكاملة مقترنة بتحسين نوعية المعيشة، والحد قدر الإمكان من مسببات الاضطرابات النفسية من الأساس، ويمكن القول إن هذا الوضع مقبول من هذه الناحية، خصوصاً مع استمرار تقديم المساعدات عبر الحدود ضمن برنامج الأغذية العالمي للأمم المتحدة.



وبحسب محمد حلاج، مدير فريق (منسقي استجابة سوريا)، لـ«الرؤية» فإن الاهتمام بالصحة النفسية شهد اهتماماً ملحوظاً من قبل الداعمين الدوليين للمشاريع الطبية في شمال غرب سوريا، فتم دمج خدمات الدعم النفسي ضمن المشاريع الطبية لتكون جزءاً من تقديم الرعاية الصحية بناء على توجيهات المؤسسات الأممية، وهذا ما نلاحظه فعلاً من كثرة الإعلانات عن شواغر وظيفية خاصة بالدعم النفسي منذ بداية 2020.

"فضفضة" في زمن كورونا

وفي إطار الجهود الدولية للتخفيف من هذه المشكلة المتنامية، أعلن برنامج «الأمم المتحدة الإنمائي» الأسبوع الماضي، إطلاق خدمة الدعم النفسي الاجتماعي «فضفضة» في سوريا لتقديم خدمات الدعم النفسي بشكل سري.

وعبر صفحة البرنامج على «فيسبوك» تم الإعلان عن أن «فضفضة» هي خدمة مقدمة من قبل مختصين بمجالات مختلفة لتوفر الدعم نفسي والاجتماعي حتى للأعمار تحت سن الـ18 بعد موافقة الأهل، وبشكل مجاني.

وهي محاولة لتشجيع الأسر على التوجه للعلاج النفسي ومراعاة التقاليد الاجتماعية، حيث ما زال الكثيرون يعتبرون أن زيارة المعالج النفسي شيء مشين، ويخشون من نظرة المجتمع.