السبت - 18 مايو 2024
السبت - 18 مايو 2024

تحت راية «المقاومة» وببصمة إيرانية.. فصائل مجهولة تقوض إصلاحات حكومة العراق

تحت راية «المقاومة» وببصمة إيرانية.. فصائل مجهولة تقوض إصلاحات حكومة العراق

قوات من الحشد الشعبي تجوب بغداد. (أ ف ب)

يبدو للمراقب للشأن العراقي مؤخراً أن خطط إصلاح الحكومة تخرج عن مسارها بسبب موجة جديدة من التهديدات الأمنية نتيجة توسيع جهات مسلحة دائرة ضرباتها لتشمل أهدافاً جديدة خلال الأسابيع الماضية. هذه الجهات غير المعروفة من قبل يُشتبه بارتباطها بإيران، بحسب مسؤولين ومحللين.

شمل الاستهداف خلال الأيام الماضية موكباً تابعاً للأمم المتحدة ومنشآت حيوية مثل مطار بغداد.

ومنذ تولي رئيس الوزراء العراقي مصطفى الكاظمي مهام منصبه في مايو، وعد بضبط العناصر المسلحة الخارجة عن السيطرة، ومحاربة الفساد المستشري، وتنفيذ الإصلاحات الاقتصادية التي طال انتظارها.

لكن مسؤولين حكوميين كبار يقولون إنه كلما اقتربت الحكومة من تنفيذ أهدافها المعلنة، يتبيّن لها أن جهات مسلحة يشتبه بأن لها صلات بإيران تعرقل تلك الجهود.

وقال مسؤول حكومي كبير «في كل مرة ترى فيها هذه الجماعات أننا نقترب من مصالحها العسكرية أو الاقتصادية، تطلق صواريخ أو حملات دعائية لتشتيت انتباهنا».

وتصاعدت أعمال العنف بالفعل قبل أن يسافر الكاظمي إلى واشنطن في منتصف أغسطس. ثم تعرّض مقرّ شركة الأمن البريطانية الأمريكية G4S في 3 سبتمبر للمرة الأولى إلى هجوم بواسطة طائرة مسيّرة أسقطت عبوة ناسفة صغيرة عليه.

ولم تعلن أي جهة مسؤوليتها، لكن الجماعات المدعومة من طهران اتهمت شركة G4S بالتواطؤ في الضربة الأمريكية في يناير التي أودت بحياة الجنرال الإيراني قاسم سليماني قرب مطار بغداد.

وقبل أيام، أصيب أحد موظفي الأمم المتحدة عندما انفجرت عبوة ناسفة في موكب تابع لبرنامج الغذاء العالمي في مدينة الموصل الشمالية. وتبنى المسؤولية فصيل يعرّف عن نفسه على أنه جزء من «المقاومة» - وهي عبارة عامة للفصائل الموالية لإيران. واتهم الفصيل الأمم المتحدة باستخدام قوافلها لنقل ضباط المخابرات الأمريكية. كما أطلق هذا الفصيل المجهول تحذيراً في بيان جاء فيه «سياراتكم ستحترق في شوارع العراق».

ووجهت 6 فصائل لم يُسمع بها من قبل تهديدات مماثلة في الأشهر الأخيرة تحت راية «المقاومة». لكن المسؤولين يقولون إن هذه التهديدات مجرد استعراضات إعلامية.

وقال ضابط استخبارات عراقي لوكالة «فرانس برس»: «5 مجموعات، بينها كتائب حزب الله وعصائب أهل الحق وغيرها، تقف وراء الاضطرابات الأخيرة في جميع أنحاء البلاد».

تشكّل هذه المجموعات جزءاً من قوات الحشد الشعبي العراقي، التابعة إدارياً للحكومة العراقية، لكن تهيمن عليها فصائل قريبة من إيران وتجاهر بعدائها للولايات المتحدة.

وقال المسؤول: «أعلنوا جبهة موحدة بعد مقتل سليماني وبدؤوا العمل بأسماء مستعارة ما سمح لحكومة رئيس الوزراء السابق عادل عبدالمهدي بحفظ ماء الوجه لأنهم كانوا تحت إمرته اسمياً».

وعندما تولى الكاظمي المعروف بقربه من الأمريكيين مع احتفاظه بعلاقات جيدة مع إيران، السلطة في مايو، غضبت كتائب حزب الله واتهمته مباشرة بالتآمر ضد سليماني من خلال استغلال منصبه السابق كرئيس للمخابرات.

ويقول مسؤولون وخبراء إن كتائب حزب الله وفصائل أخرى موالية لطهران فهمت تعهد الكاظمي بكبح المجموعات المسلحة على أنها محاولة لقصّ أجنحتها. وإلى جانب الهجمات الصاروخية المتصاعدة، كثفت هذه المجموعات الضغط من خلال وسائل الإعلام غير التقليدية.

ونشرت قنوات مجهولة المصدر عبر تطبيق المراسلة «تلغرام» تحذيرات ساخرة من هجمات على مواكب عسكرية قبل وقت طويل من حدوثها، ما عمّق الانطباع بوجود إفلات من العقاب.

واستهدفت هذه المنتديات العراقية محطات تلفزة عراقية تنتقد إيران.

وتمّ الأسبوع الماضي اقتحام تلفزيون دجلة وإحراقه. واستهدفت موجة جديدة من التهديدات قنوات UTV المملوكة لسياسي سني. وبدأت الحملة بعد أن صادرت الحكومة الأمريكية موقع الإنترنت التابع لقناة «الاتجاه»، وهي محطة تلفزيونية عراقية مرتبطة بكتائب حزب الله.

وقال المتحدث باسم الكاظمي، أحمد الملّا: «هناك العديد من الإجراءات التي اتخذت في ما يخص الحد من نشاط المجموعات المسلحة التي تنشط خارج سلطة الدولة». وعملت الحكومة على تجفيف مصادر تمويل الجماعات من خلال السيطرة على المنافذ الحدودية. وأوضح الملا «ستستمر هذه الإجراءات إلى حين بسط سلطة القوات الأمنية الرسمية بشكل مطلق».

ويعلم المسؤولون أن هذا قد يكون خطيراً. وعندما أطلق رئيس الوزراء حملة واسعة لمكافحة الفساد على حدود العراق المليئة بالثغرات، استعد للأسوأ. وقال مسؤول رفيع المستوى في يوليو «سيبتزون المسؤولين ويهددون عائلاتهم ويحشدون القبائل وربما يرتكبون اغتيالات».

وبالفعل، بعد أسابيع، قُتل ناشطان في مدينة البصرة الساحلية الجنوبية، واندلع نزاع عشائري في شمال بغداد. وقال مسؤول عراقي آخر «إننا نطفئ الحرائق باستمرار، لذلك لا يمكننا التركيز بشكل صحيح على الاستراتيجية الأكبر».

وقال مسؤول آخر إن وزير المالية العراقي علي علاوي تخلّف عن الموعد النهائي المحدد في 24 أغسطس لتقديم «كتاب أبيض» حول الإصلاحات الاقتصادية إلى البرلمان بسبب الاضطرابات الأخيرة.

وفي الأسبوع الماضي، أنشأ الكاظمي مجلساً لمكافحة الفساد سمح لقوات النخبة في جهاز مكافحة الإرهاب باعتقال مسؤولين عادة يصعب تخيّل أن يمسّهم أحد. ونفذّت قواته عمليات بحث في البصرة وبغداد لضبط أسلحة غير مرخصة، من دون أن تحقق الكثير.

وقال الخبير الأمني العراقي فاضل أبورغيف إن الوضع «خطير». وأضاف لوكالة فرانس برس: «في نهاية المطاف، على الكاظمي أن يفتح حواراً حقيقياً مع القادة الروحيين لهذه الجماعات، تجنباً للصدام».