الجمعة - 26 أبريل 2024
الجمعة - 26 أبريل 2024

استفتاء الدستور في الجزائر.. اختبار للرئيس وللمعارضة

استفتاء الدستور في الجزائر.. اختبار للرئيس وللمعارضة

متظاهرو الحراك. (رويترز)

تجري الجزائر في 1 نوفمبر استفتاء على الدستور يأمل منه الرئيس عبدالمجيد تبون أن يطوي صفحة الاضطرابات السياسية التي سيطرت على العام الماضي، بينما تسعى المعارضة إلى مقاطعته.

يمثل التصويت على الدستور الجديد نقطة تحول في بلد هزته احتجاجات ضخمة ويكافح الآن لتجاوز تلك المرحلة المضطربة.

وبالنسبة لتبون، سيمثل إقرار الدستور بداية جديدة تلقى الترحيب بعد أن أطاحت المظاهرات الشعبية في أبريل العام الماضي بسلفه الرئيس السابق عبدالعزيز بوتفليقة وعدد كبير من كبار المسؤولين.

أما بالنسبة لـ«الحراك»، فسيظهر الاستفتاء حجم النفوذ الذي لا تزال تتمتع به المعارضة بعد أن أنهت احتجاجاتها حكم بوتفليقة الذي استمر 20 عاماً، وإن فشلت في تحقيق طموحاتها في تغيير أكبر.

كانت الاحتجاجات الشعبية الأسبوعية المطالبة بتغيير النخبة الحاكمة بالكامل قد تجمدت عندما ظهر وباء فيروس كورونا في البلاد في مارس الماضي.

وقال عبدالعزيز جراد رئيس الوزراء الذي عينه تبون في يناير أمام البرلمان في الآونة الأخيرة إن الاستفتاء ينبغي أن يكون يوم توافق بين كل الجزائريين. ويتفق هذا الكلام مع خطاب تبون الذي يعتبر المظاهرات الشعبية لحظة تجديد وطني أطاحت بالمسؤولين الفاسدين وانتهت الآن بتحقيق غاياتها.

وقال عبدالحميد سي عفيف، أحد كبار أعضاء الحزب الحاكم، إن ما يطالب به الحراك متضمن في الدستور الجديد ومن المهم إقراره. غير أن شخصيات بارزة في الحراك الذي ليس له قائد لا ترى الأمر كما يراه تبون رغم مرور 6 أشهر على آخر مرة خرجت فيها المظاهرات إلى الشوارع بوسط العاصمة.

فقد كان هدف هذه الشخصيات إبعاد جيل المسؤولين الذين حكموا البلاد منذ الاستقلال عام 1963 عن السلطة بالكامل مع الشخصيات العسكرية والأمنية التي يقولون إنها تمسك من وراء الستار بالزمام.

وترى شخصيات نافذة في الحراك مثل إسلام بن عطية أن الدستور لن يحقق شيئاً يذكر من مطالبها وتعتبر الاستفتاء وسيلة لتحييد الحركة. وقال: «ما نعيشه اليوم هو حالة انسداد، والدليل هو غياب التوافق حول أسمى وثيقة وهي وثيقة الدستور والذي سيعرض للاستفتاء دون أي حوار حقيقي بل هي وثيقة لم تخضع لشروط التوافق الحقيقي».

وازداد القلق الذي يشعر به ناشطو الحراك عندما أكدت محكمة استئناف سجن الصحفي خالد درارني وإن خففت حكم السجن من 3 سنوات إلى سنتين بسبب دوره في الاحتجاجات.

ودخل السجن أيضاً عدد من أنصار الحراك البارزين، ويرى البعض في ذلك علامة على أن السلطات لن تسمح باستئناف أي شكل من أشكال الاحتجاجات.

وعلى الصعيد الداخلي، يبدو أن أنصار الحراك حائرون بين السعي لخروج المظاهرات إلى الشوارع من جديد، والبحث عن وسائل أخرى لنصرة قضيتهم.

يمنح الدستور الذي اقترحه تبون البرلمان مزيداً من السلطات للتدقيق في أعمال الحكومة، ويمنع الرئيس من تولي الرئاسة لأكثر من فترتين. وقد تم إقرار الدستور في تصويت برلماني رغم بعض المعارضة. فقد قال لخضر بن خلاف، أحد كبار أعضاء حزب جبهة العدالة والتنمية: «نحن كنواب جبهة العدالة والتنمية رأينا بأننا لسنا معنيين بالتصويت على هذه الوثيقة لأنها لا تستجيب لتطلعات الشعب الجزائري، وكذلك الطريقة التي مررت بها ليست الطريقة التي تمرر بها سائر القوانين من قبل».

ويعتبر كثيرون ممن خرجوا في الاحتجاجات أن الدستور لم يكن هو محل الخلاف، إذ إن المهم بالنسبة لهم ليس القوانين وأسلوب صياغتها وإنما المشكلة فيمن يطبقها.

ويشير كل شيء إلى أن الاستفتاء سيشبه كثيراً التصويت الذي أجري في ديسمبر لانتخاب تبون. وكان الحراك قد عارض التصويت آنذاك أيضاً، وقال إنه لا يمكن أن تكون الانتخابات نزيهة إلا بعد إبعاد النخبة الحاكمة عن السلطة وابتعاد الجيش عن السياسة.

إلا أن تبون حصل على أغلبية وإن كانت نسبة الإقبال بلغت 40% فقط، حسب الأرقام الرسمية.

كانت الوفاة المفاجئة لقائد الجيش الفريق أحمد قايد صالح بأزمة قلبية في ديسمبر 2019، وهو ألد خصوم بعض المحتجين، قد سمحت لتبون بتقديم إدارته كفريق إصلاحي جديد، رغم أن بعض المحتجين رفضوها، كما سمح له بطرح الاستفتاء باعتباره المرحلة التالية في عملية الإصلاح.

وقال المحلل السياسي فريد فراحي: «إذا كان الإقبال مرتفعاً فسيمنح ذلك تبون القوة السياسية اللازمة للتحرك للأمام». وفي الشارع الجزائري ليس من الواضح ما إذا كان عدد كبير من الناخبين الجزائريين سيقبلون على التصويت. وقال سائق سيارة الأجرة محمد خلافي (29 عاماً) الذي لم يعمل منذ شهور بسبب قيود الجائحة إن تحسين ظروف المعيشة يجب أن تكون له الأولوية، موضحاً أنه لا يعبأ بالسياسة أو بالتصويت، وإنما يشغله الحصول على لقمة العيش.

ويمكن تقسيم خريطة القوى السياسية في الجزائر حالياً إلى:

أولاً: الرئيس تبون، الذي يسعى منذ انتخابه في ديسمبر إلى تجاوز المظاهرات والتركيز على مشكلات البلاد الاقتصادية التي تلوح في الأفق. وقد شغل منصب رئيس الوزراء في السابق، لكنه أقيل عام 2017 عندما حاول التصدي لرجال أعمال اتهموا بالفساد. لكن كثيراً من المحتجين ما زالوا ينظرون إليه باعتباره رمزاً للنخبة الحاكمة القديمة.

ثانياً، المعارضة المتمثلة في الحركة الاحتجاجية التي ظهرت في فبراير 2019 عندما تظاهر مئات الآلاف احتجاجا على اعتزام بوتفليقة الترشح لفترة رئاسية خامسة. وليس لتلك المعارضة التي يسميها الجزائريون «الحراك» قيادة، وتنظم نفسها عبر نقاش على مواقع التواصل الاجتماعي. ويطالب الحراك بتخلي الحرس القديم عن الحكم، وإنهاء الفساد، وابتعاد الجيش عن السياسة. ويعتبرون الاستفتاء حيلة لتهميشمه.

ثالثاً، الجيش وهو موجود منذ وقت طويل في قلب الدولة الجزائرية، واستغل الاحتجاجات لتطهير الأجنحة المنافسة له، ومن بينها جهاز الأمن الداخلي الذي كان في وقت من الأوقات القوة الرئيسية في البلاد. غير أن رئيس أركان الجيش، الذي كان أقوى شخصية في الجزائر خلال الاضطرابات، توفي فجأة، وعين تبون بدلاً منه اللواء سعيد شنقريحة، قائد القوات البرية، لكن شنقريحة لم يلعب دوراً علنياً مثل سلفه.

رابعاً، الحرس القديم المعزول، والمتمثل في رجال بوتفليقة، الذي شارك في حرب الاستقلال، وساعد في إنهاء الصراع بين الدولة والإرهاب في التسعينيات، وشغل منصب رئيس الدولة عام 1999.

ورغم أن كثيراً من حلفاء بوتفليقة مقدمون للمحاكمة أو حُكم عليهم، ما زال بعض حلفائه في السلطة.