السبت - 18 مايو 2024
السبت - 18 مايو 2024

أردوغان وشرق ليبيا.. سباق مع الزمن لإشعال النيران

ما الذي يجري على الأراضي الليبية في الأيام الأخيرة، وفي محاولة لتبديل الأوضاع وتغيير الطباع، من أجل بسط هيمنة قوة استعمارية على ليبيا والليبيين؟

الجواب لا يحتاج إلى الكثير من الكلام، ذلك أن تركيا– أردوغان، تسابق الزمن في محاولة لإشعال الحرب بين الليبيين، لا سيما بعدما رصدت القوات المسلحة الليبية، وأجهزة الاستخبارات الدولية تحركات تركية براً وبحراً وجواً، ويبدو الهدف واضحاً جداً. الاستعداد للمواجهة مع الجيش الوطني الليبي بقيادة المشير خليفة حفتر.

منذ 2 ديسمبر الجاري والطائرات العسكرية التركية تهبط في مطار قاعدة الوطية غرب ليبيا، وفي قاعدة مصراتة، محملة بالإرهابيين من سوريا، ومالي، وتونس، عطفاً على الأسلحة والذخائر.

هل تنتوي تركيا تجاوز الخط الأحمر الخاص بسرت والجفرة، والذي اعتبرته مصر بنوع خاص تهديداً لأمنها القومي، وعندها لن تقف مكتوفة الأيدي؟

تذهب كثير من الآراء، ومن بينها رأي عضو شعبة الإعلام الحربي في الجيش الليبي، عقيلة صابر، إلى أنه من غير المستبعد أن تغامر تركيا بالإقدام على تجاوز الخط الأحمر، في ظل حشد المقاتلين والتكفيريين الذين جمعتهم في ليبيا للحرب.

توافق الليبيين خسارة لأردوغان

تخشى تركيا في واقع الأمر أكثر ما تخشى من أن يحدث توافق سياسي بين الليبيين، سواء داخل ليبيا أو خارجها، الأمر الذي يُذهب مؤامراتها أدراج الرياح، ولهذا شاهدنا الأغا العثمانلي، وفور إعلان اتفاقية جنيف، 5 زائد 5، يشكك في فاعلية الاتفاقية. وفيما كان الأطراف المشاركون في جنيف يتحاورون، والحبر لم يجف بعد من على أوراق الاتفاقية، كانت وزارة الدفاع التركية، ونظيرتها التابعة للسراج تنشر معلومات وصوراً حول برنامج التدريب، والذي يخالف الاتفاقية، في محاولة لزعزعة الثقة بين الليبيين، والتشويش على اللجنة العسكرية التي قطعت أشواطاً إلى الأمام.

ولعل التصريحات التي صدرت عن أنقرة في 13 ديسمبر الجاري، تشير إلى أن السلطان المنحول بات يدرك أن وجوده في طرابلس في الغرب، هو أمر لا معنى له ولا فائدة منه، وأنه طالما بقي بعيداً عن منطقة الهلال النفطي الليبي، فإن خسائره سوف تزداد يوماً تلو الآخر، ولهذا لا يبقى أمامه سوى محاولة التوجه إلى الشرق، والسعي إلى السيطرة على حقول النفط والموانئ الليبية مرة واحدة.

هل أردوغان في مأزق في ليبيا؟

من الواضح جلياً للعيان أن أردوغان يعيش كارثة على الأراضي الليبية، ذلك أنه إذا سحب إرهابييه من الغرب الليبي، فإنه بذلك يخسر النفوذ هناك، لا سيما أن الكثير من القوى الشعبية الوطنية الحقيقية باتت ترى فيه مستعمراً لا يهمه سوى نهب وسلب ثروات ليبيا، والشاهد على ذلك المليارات التي يتم تحويلها من البنك المركزي الليبي بشكل مباشر إلى البنوك التركية؛ في محاولة لملء خزائن السلطان الفارغة.

وعلى الجانب الآخر، إذا مضى في مغامرته الانتحارية ناحية الشرق، فهو يعلم أن هذه ستكون نهاية هذا التدخل غير العقلاني، والذي لا تقوى عليه سوى الدول العظمى، فهي وحدها القادرة على إرسال جنودها إلى خارج حدودها، وللحرب في تراب غير ترابها الإقليمي.

أسباب اقتصادية وسياسية

سريعاً جداً يحاول أردوغان تغيير المشهد على الأرض في ليبيا، وللأمر أكثر من سبب ومرجعية، ويمكننا مناقشة بعضها وباختصار غير مخل.

أولاً: في الأيام القليلة الماضية تعرض أردوغان، وتركيا من ورائه، إلى زلزال مدمر، وذلك عبر العقوبات الأمريكية التي تم توقيعها عليه.

الأغا المتوهم كان يُخيل إليه أنه قادر، من خلال اللعب على المتناقضات والغزل على الأضداد، على الحصول على طائرات إف -35، فخر الصناعة العسكرية الأمريكية من جهة، وحيازة صواريخ «إس -400»، الروسية من جانب آخر.

الزلزال في شقه الثاني ضرب تركيا من جهة أوروبا، وبدا واضحاً أن الاتحاد الأوروبي قد مل من الخنوع والخضوع لشهوات قلب وعقل أردوغان، ولم تعد تخيفه تهويماته، وقرر الأوربيون تفعيل المقرعة على ظهره، وسحب ذهب المعز من العرض والاكتفاء بالعصا.

ثانياً: النتيجة الطبيعية والتبعات الأولية للعقوبات الاقتصادية الأمريكية والأوروبية، هى المزيد من التدهور على صعيد الاقتصاد التركي الداخلي، وقد شاهد العالم برمته بعضاً من المواطنين يخاطبون أردوغان عن عدم قدرتهم على شراء الخبز، فألقمهم صرة من الشاي، والذي لا يُشبع البطون.

تتهاوى الليرة التركية يوماً تلو الآخر، وتزداد الأزمة الاقتصادية ما بين التضخم من جهة، وفراغ الخزينة بسبب مغامرات حمقاء خارجية، من جهة ثانية، ناهيك عن الأثر الخطير والقاتل الذي تتركه كورونا في الداخل التركي من خراب للحجر والبشر.

ثالثاً: يدرك أردوغان أن هناك واقعاً اقتصادياً جديداً يتخلق في رحم البحر الأبيض المتوسط، وما أعلنه وزير الطاقة الأمريكي، دان برويليت، عن لقاء أوائل العام المقبل للدول المطلة على البحر الأبيض المتوسط، يخص قضايا الغاز، ومستقبل هذا الاقتصاد العالمي الجديد، والاستثمارات الأمريكية التي تحمل من ورائها أهدافاً جيوسياسية، تتمثل في قطع الطريق الروسي على أوروبا، وإتاحة مصادر جديدة من الغاز لأوروبا، جميعها تجعل أي تفكير من أردوغان للاقتراب من المتوسط أمراً محفوفاً بمواجهة ومجابهة لن يقدر عليها في الحال أو الاستقبال، و ستؤدي في نهاية المشهد إلى خسارته بشكل مريع وتحطيم آمال تركيا في الوقوف على قدميها خلال عقود قادمة، وبنهاية مشابهة لأندريا موسوليني في إيطاليا، وأدولف هتلر في ألمانيا.

رابعاً: ليس سراً أن أردوغان يسابق الزمان قبل وصول الرئيس الأمريكي المنتخب جو بايدن إلى البيت الأبيض، فهو يعلم أن بايدن ستكون مواقفه حازمة وحاسمة، وهو من يشجع المعارضة التركية، ويصف الأغا بالمستبد، ويقف له بالمرصاد رافضاً التلاعب بهوية متحف آيا صوفيا، ولهذا يحاول تحريك المشهد الليبي حتى يجعل منه ورقة تفاوضية عما قريب.

السؤال المصيري: ماذا لو ذهب الجنون بأردوغان متجاوزاً الخط الأحمر؟

إلى قراءة مكملة، بإذن الله.