الاحد - 05 مايو 2024
الاحد - 05 مايو 2024

باحث جريء مهووس بقضايا الذاكرة والتاريخ.. من هو لقمان سليم؟

الناشط اللبناني السياسي والاجتماعي لقمان سليم، الذي عُثر عليه مقتولاً، اليوم الخميس، في سيارته بجنوب لبنان، باحث ومفكر عمل في مجال الدفاع عن حقوق الإنسان والتوعية بأهمية المواطنة والمساواة، في بلد يعاني من انقسامات وصراعات سياسية وطائفية عميقة.

كان لقمان سليم (58 عاماً) ينتمي إلى الطائفة الشيعية، لكنه كان من أشد المنتقدين للقوة السياسية والعسكرية الأكبر في لبنان «حزب الله»، المدعومة من إيران. ولم يمنعه ذلك من تركيز كل عمله ونشاطه في منزله في حارة حريك بالضاحية الجنوبية لبيروت، معقل حزب الله، حيث أقام مركز «أمم» للأبحاث والتوثيق.

وإذا كانت الكثير من مداخلاته التلفزيونية في الآونة الأخيرة تناولت حزب الله، الذي كان يعتبر أنه يأخذ لبنان رهينة لإيران، لم يتردد أيضاً في انتقاد كل الطبقة السياسية المتهمة بالفساد والعجز في البلاد.

واستعانت مراكز أبحاث عدة ومنظمات غير حكومية ودولية بخبرته ومنشوراته بسبب استقلاليته وجرأته في تناول أكثر المواضيع حساسية.

وصفه المنسق الخاص للأمم المتحدة في لبنان يان كوبيش، الخميس، بأنه «ناشط محترم» و«صوت مستقل وصادق»، معبراً عن حزنه «لخسارته المأساوية».

ومعروف عن سليم أنه كان نشيطاً غزير الإنتاج في النشر والمشاريع التوعوية والثقافية، جريئاً في التعبير، ومتمرداً على السياسات التقليدية، ورافضاً للطائفية. وعلى مواقع التواصل الاجتماعي، ندد كثيرون بقتل «الرأي الحر» من خلال قتله بالرصاص في قرية بجنوب لبنان.

وُلد لقمان سليم في حارة حريك عام 1962 من أب كان محامياً لامعاً ومعروفاً وأم مصرية. ودرس الفلسفة في جامعة السوربون في باريس.

وفي «دار الجديد» للنشر التي أسسها في التسعينات، تمت ترجمة كتب الرئيس الإيراني آنذاك محمد خاتمي، للمرة الأولى إلى العربية. وعبرها، أنتج سليم مع زوجته الألمانية مونيكا بورغمان، فيلمين وثائقيين، أحدهما حول مجزرة «صبرا وشاتيلا» خلال الحرب الأهلية في لبنان، والثاني حول سجن تدمر في سوريا، حيث تعرض سجناء لبنانيون للتعذيب.

في منزل العائلة في حارة حريك، الذي تتوسطه حديقة واسعة، وحيث مركز «أمم»، كان سليم يحتفظ بنسخ من الصحف الصادرة في لبنان منذ عقود. وكان من أبرز نشاطات المركز مشروعه الهادف إلى شفاء جراح الحرب الأهلية. فجمع أرشيفا هائلا عن تاريخ لبنان الاجتماعي والسياسي وضعه في تصرف الباحثين والإعلاميين. ونظم أنشطة ولقاءات للدفع في اتجاه مواجهة جراح الذاكرة والمصالحة بين اللبنانيين.

وحوّل، اعتباراً من عام 2007، مُستوعباً قرب منزل عائلته، إلى مساحة ثقافية فريدة من نوعها كانت تقام فيها معارض صور وعروض أفلام وحوارات مع فنانين ومخرجين محورها الحرب الأهلية (1975-1990). ولقيت مؤسسته دعماً من دول أوروبية عدة، خصوصاً سويسرا وألمانيا. وكان يعمل في الفترة الأخيرة على مشروع لتوثيق يوميات الحرب السورية.

اتهمه مناصرون لحزب الله مراراً بأنه من «شيعة السفارة»، أي من الناشطين الشيعة الذين ينسقون مع السفارة الأمريكية في بيروت، وبالتالي، هوجم مراراً على أنه «خائن وعميل».

في ديسمبر 2019، تجمع عدد من الأشخاص أمام منزله في حارة حريك، مرددين عبارات تخوين، وألصقوا شعارات على جدران المنزل كُتب عليها «لقمان سليم الخائن والعميل»، و«المجد لكاتم الصوت».

وعلى الأثر، نشر سليم بياناً اتهم فيه من أسماهم بـ«خفافيش الظلمة» بالقيام بذلك، وحمّل الأمين العام لحزب الله حسن نصرالله وحليفه رئيس مجلس النواب نبيه بري مسؤولية ما جرى و«ما قد يجري» له ولعائلته ومنزله.

يصفه عارفوه وزملاؤه بأنه «هادئ الطباع»، و«قارئ نهم»، و«خفيف الظل». وكان كذلك «متواضعاً جداً» و«كتوماً» بحسب صديقة له، ويتحلى بـ«فصاحة كبيرة» باللغة العربية. ويكتب تغريداته على «تويتر» واضعاً كل الحركات والهمزات على كل الأحرف.

على حسابه على «تويتر»، كتب الصحفي نديم جرجورة أن سليم انتهج «سلوكاً أخلاقياً وثقافياً وفكرياً» في «مقارعة تنانين السلطة، النظام الحاكم في لبنان، بأطيافه المختلفة، وإنْ يكن حزب الله أكثر من يُواجهه سليم ويُقارعه». وأضاف: «اغتياله منبثق من سيرته كناشطٍ يُنظّر ويُحلِّل، ويعمل ميدانياً على توثيق وتسجيل ذاكرةٍ، يريدها حيّة دائماً».