الجمعة - 26 أبريل 2024
الجمعة - 26 أبريل 2024

«الشام الجديد».. تكتل عربي بصبغة أوروبية

أظهرت الحفاوة غير المسبوقة وعزف نغمات الدبكة العراقية «الجوبي» أثناء استقبال رئيس الوزراء العراقي، مصطفى الكاظمي، للرئيس المصري عبدالفتاح السيسي، والعاهل الأردني عبدالله الثاني، خلال قمة بغداد الأخيرة، أن العلاقات بين الدول الثلاث دخلت مرحلة جني الثمار السياسية والاقتصادية والأمنية، وأن مجرد عقد القمة في «بغداد العروبة» كان دعماً سياسياً غير مسبوق من جانب مصر والأردن لاستقرار الدولة العراقية، التي تستعد لانتخابات برلمانية مبكرة، أكتوبر المقبل.

ورغم أن القمتين السابقتين في القاهرة وعمان ركزتا على الملفات الاقتصادية والتجارية والاستثمارية، إلا أن قمة بغداد أظهرت انفتاحاً سياسياً على الإقليم العربي من ليبيا واليمن، إلى سوريا وفلسطين، وصولاً إلى قضايا المياه والأنهار العابرة للحدود، لكن ما يستحق أن نبقي عيناً عليه أن القمة طرحت رؤية ثلاثية يمكن أن تكون بمثابة منصة سياسية لإطلاق مشروع عربي أوسع يضم دولاً جديدة، خاصة من منطقة الخليج العربي، التي تتفق أجندتها السياسية والاقتصادية مع مخرجات قمة بغداد، فما هي ثمار قمة «الشام الجديد»؟ وكيف يمكن البناء على ما تحقق؟ وإلى أي مدى تتلامس نتائج هذه القمة مع طموحات وأحلام المواطن العربي؟

بغداد وروما

لا يمكن استبعاد التشابه بين قمة بغداد 2021، التي جاءت بعد قمة عمان في أغسطس 2020، مع قمة روما 1957 التي أسست لبناء الاتحاد الأوروبي، والتي أعقبت 6 سنوات من قمة باريس 1951، التي كانت النواة الحقيقية لما نراه اليوم من وحدة تجمع 27 دولة أوروبية، ففي باريس عام 1951، كما كان الحال في قمتي القاهرة وعمان السابقتين، جرى التركيز على حزمة من المشروعات الاقتصادية على غرار اتحاد منتجي الفحم والحديد بين الدول الأوروبية، والذي تأسس عام 1951، وكان العمود الصلب لقيام الاتحاد الأوروبي، وهذا التشابه يتفق مع ما قاله الكاظمي خلال زيارته لواشنطن، عندما قال إن «الشام الجديد سيكون على النسق الأوروبي».

وتملك الدول الثلاث نحو 150 مليون نسمة، وإمكانات اقتصادية هائلة تجعل من «الشام الجديد» تجمعاً جاذباً للدول الأخرى، ويكفي القول إن العراق وحده جنى 42 مليار دولار من مبيعات النفط فقط عام 2020، ويستطيع الوصول إلى تصدير 6 ملايين برميل من النفط عام 2023 حسب ما أعلنته الشركة الوطنية العراقية لتسويق النفط «سومو»، ويدرس العراق مع مصر والأردن توصيل أنبوب لنقل النفط من حقوق جنوب البصرة إلى محطات التكرير على السواحل الشمالية لمصر، مروراً بالأردن وشمال سيناء، كما يجري تفعيل خط «الجسر العربي البري» الذي سيربط القاهرة وعمان وبغداد، و بكلفة أرخص من وسائل النقل الأخرى. بحسب «سومو».

وتنتهي أزمة انقطاع الكهرباء في بغداد بعد مشروع الربط الكهربائي المصري الأردني العراقي، حيث تتمتع مصر بوفرة وفائض في إنتاج الكهرباء، في المقابل يمكن للشركات المصرية التي اكتسبت خبرة كبيرة في بناء مئات الآلاف من الوحدات السكنية منذ 2014 أن تبني مشروعات سكنية عملاقة وبأسعار مقبولة في العراق والأردن، ويجري التنسيق بين الدول الثلاث لنقل تجربة مصر في بناء «المدن المتخصصة» مثل مدينة الدواء، والجلود، والأثاث، وغيرها للعراق والأردن.

ويدخل مشروع الربط الكهربائي «المصري – الأردني – العراقي» مرحلة التنفيذ خلال فترة تُناهز 18 شهراً، وذلك عقب انتهاء الدراسات الفنية الجارية حالياً من أجل إتمام تصدير الكهرباء من القاهرة إلى عمان وبغداد. ويُقدر فائض الإنتاج المصري من الطاقة الكهربائية ما بين 26 ألفاً و38 ألف ميغاواط، بحسب موقع وزارة الكهرباء والطاقة المتجددة في مصر على الإنترنت.

تكتل جديد

مشروع الشام الجديد يعظم من الإمكانات التي تمتلكها كل دولة من الدول الثلاث، ويحقق منافع ومكاسب متبادلة، لكن الأهم أن «التكتل الجديد» يساعد الدول الثلاث على اكتشاف مساحات جديدة من التعاون والتشارك والبناء، والتسويق لمعادلة سياسية جديدة في المنطقة تقوم على مبدأ «الاستثمار في الاستقرار» عبر توظيف إمكانات الدول الثلاث وأشقائهم في الدول العربية من أجل نشر السلام والبناء والتعاون، من خلال استثمار ما لدى مصر من كتلة بشرية تزيد على 100 مليون نسمة، تشكل نحو ربع سكان العالم العربي البالغ تعداده نحو 377 مليون نسمة، بحسب آخر إحصاء لصندوق الأمم المتحدة للسكان عام 2020.

خريطة جيوسياسية

نتائج قمة بغداد تؤشر على أن «الشام الجديد» ليس نواة لمشروعات اقتصادية واستثمارية فحسب، لكنه يرسم «خريطة جيوسياسية جديدة في المنطقة»، حيث يربط المشرق العربي بشمال أفريقيا، وتمتد ذراعه الآسيوية إلى الخليج، فالربط الكهربائي العراقي ليس مع مصر والأردن فقط، بل وصلت نسبة الإنجاز في الربط الكهربي بين العراق ودول مجلس التعاون الخليجي إلى 85%، وسوف يكتمل بصورة نهائية عام 2022، حسب ما جاء على لسان الكاظمي، في حديثة لقناة العراقية، كما أن مجلس التنسيق العراقي السعودي الذي يشمل كافة القطاعات يشكل «ركيزة جاهزة» لدعم الشام الجديد، بالإضافة إلى أن دول الخليج التي لديها قاعدة صناعية وخدمية ذات مستوى رفيع مثل دولة الإمارات العربية المتحدة، تشكل الامتداد الطبيعي لمشروع الشام الجديد الذي يدعو لحل سياسي سريع في اليمن، ويعمل على إخراج الإرهابيين والمرتزقة من ليبيا، ويؤكد على وحدة وسلامة الأراضي السورية، وكلها أرضية سياسية تتفق وتتكامل مع مواقف دول الخليج.

تحديات مشتركة

«العنوان الأكبر» لقمة بغداد هو «الدعم المتبادل»؛ فالدول الثلاث لديها تحديات مشتركة، أبرزها محاولات منع تدفق المياه من دول المنبع إلى دول المصب، بالإضافة إلى محاولات البعض منح قبلة الحياة للمجموعات الإرهابية التي تهدد استقرار المنطقة.

والدول الثلاث لديها تجاربها الخاصة في مكافحة الإرهاب، لكن الهزيمة النهائية للمجموعات الظلامية تحتاج تنسيقاً وتعاوناً استخباراتياً ومعلوماتياً من الدول الثلاث، ناهيك عن ضرورة تطبيق اتفاقيات تسليم الإرهابيين ومنع التسلل وفق الاتفاقية العربية لمكافحة الإرهاب 1998.

ويجمع القاهرة وبغداد وعمان الاتفاق على أن القضاء النهائي على الإرهاب سيظل أملاً لشعوب الدول الثلاث، كما هو هدف لكل الدول العربية.