الجمعة - 26 أبريل 2024
الجمعة - 26 أبريل 2024

«عام من الألم».. لبنانيون يسكن «الزجاج» أجسامهم منذ انفجار مرفأ بيروت

«عام من الألم».. لبنانيون يسكن «الزجاج» أجسامهم منذ انفجار مرفأ بيروت

أدى الانفجار المهول إلى تحطيم «روح» المدينة وخلّف صدمة تسكن حياة الناجين من رعبه حتى اليوم. (أ ف ب)

أصدرت رئاسة مجلس الوزراء في لبنان، اليوم الأربعاء، مذكرة إدارية قضت بإعلان الحداد الوطني وتعطيل الإدارات والمؤسسات العامة والبلديات في ذكرى فاجعة انفجار مرفأ بيروت.

وقالت المذكرة، بحسب الموقع الرسمي لرئاسة مجلس الوزراء على «تويتر»: «تقفل الإدارات والمؤسسات العامة والبلديات يوم الأربعاء 4 أغسطس 2021 في ذكرى فاجعة انفجار مرفأ بيروت، وتنكس الأعلام على الإدارات والمؤسسات العامة والبلديات، كما تعدل البرامج العادية في محطات الإذاعة والتلفزيون بما يتناسب مع ذكرى الفاجعة الأليمة، وتضامناً مع عائلات الشهداء الأبرار والجرحى وعائلاتهم».



عام من الأنين

وفيما لم تكشف التحقيقات حتى اليوم كيفية حدوث الانفجار، أدى هذا الحدث المهول إلى تحطيم «روح» المدينة وخلّف صدمة تسكن حياة الناجين من رعبه حتى اليوم.

وبعد عام على الانفجار، لا يزال الأطباء يخرجون شظايا زجاج من جسد الشاب اللبناني شادي رزق، آخرها قطعة بحجم سنتيمتر تقريباً بقيت 10 أشهر عالقة فوق ركبته.

ويقول رزق (36 عاماً): «أجد كلّ شهر تقريباً شظية زجاج جديدة في جسدي.. لا يزال هناك زجاج في فخدي ورجلي، وأعتقد في يدّي أيضاً».

ويضيف: «الانفجار يعيش في داخلي وسيبقى كذلك كل حياتي».



وكان رزق يقف على شرفة مكتبه المطل على مرفأ بيروت حين اندلع الحريق الذي سبق الانفجار. حمل هاتفه الجوّال وبدأ بتصوير الدخان الأسود المتصاعد، لكن ما هي سوى دقائق حتى وقعت الكارثة.

وثّق شادي الثواني الأولى من الانفجار، بينما سقطت عليه ألواح الزجاج.



وخَاط الأطباء 350 قطبة في جسد شادي، والطريق أمامه لا يزال طويلاً، فقد أبلغه الأطباء مؤخراً أنه سيحتاج إلى سنوات لإخراج كافة قطع الزجاج العالقة في جسده.



ويقول شادي: «تحوّلت إلى شخص آخر بعد الانفجار.. تغيّر كلّ شيء في حياتي».

قبل الانفجار، وبرغم الأزمة الاقتصادية، لم يخطر في بال شادي أن يهاجر.. «اليوم، أنتظر المغادرة بفارغ الصبر» إلى كندا.

في 4 أغسطس 2020، أودى انفجار مرفأ بيروت بحياة 214 شخصاً، وأصيب فيه أكثر من 6500 شخص، ودمّر أحياء عدة في المدينة.



«وهم كبير»

مرّ عام على الانفجار الذي غيّر وجه المدينة، دون أن تكشف حقيقة ما حصل في ذلك اليوم أو يحاسب المسؤولون عنه. وتقف الحصانات السياسية اليوم عائقاً أمام استدعاء نواب ووزراء سابقين ورؤساء أجهزة أمنية وعسكرية كانوا يعلمون، وفق تقارير، بمخاطر تخزين كميات هائلة من نيترات الأمونيوم في المرفأ، ولم يحركوا ساكناً لإخراجها منه.



ويقول شادي: «كلما اقتربت ذكرى الرابع من آب دون أن يدخل أحد السجن، يكبر الغضب في داخلي.. غضب يجعلك تريد أن تحطّم وأن تتظاهر وأن ترمي قنابل مولوتوف».



ولا يزال المعالج النفسي روني مكتف من جهته يحاول التأقلم مع فقدانه النظر في عينه اليمنى بعد 3 عمليات جراحية ورحلات علاج إلى أوروبا لاستشارة خبراء علّه ينقذ بعضاً من قدرته على الرؤية. لكنه اليوم لا يقوى سوى أن يجلس على طرف طاولة أو في زاوية غرفة ليتمكن من رؤية ما حوله بعينه اليسرى فقط.



ويقول في عيادته في بيروت التي أصيب بينما كان فيها «هذا البلد عبارة عن وهم كبير»



لم تتبق سوى صدمة جماعية في بلد يغرق أكثر في مستنقع من الأزمات والفوضى، ولا حلول لإنقاذه تلوح في الأفق.

ويقول روني «نناضل لنعيش وننجو.. لكن ذلك لا يمنحنا الوقت الكافي والسليم لاستيعاب ما حصل».



«وطن حزين»

اقتلع انفجار المرفأ أبواباً ونوافذ لا تحصى في بيروت وضواحيها. ولأيام عديدة، غطّت شوارع العاصمة أكوام من الزجاج المحطم المتساقط من المباني والمنازل والمتاجر. بعد عام، وعلى الرغم من إصلاحات وإعادة بناء بعض الأبنية، لا تزال أضرار كبيرة ناتجة عن الانفجار واضحة المعالم، وطال الدمار مباني أثرية وسكنية.



في شارع مار مخايل القريب من المرفأ، تقول جوليا صبرا (28 عاماً) إنها لم تعد تشعر بالأمان في شقتها التي عادت للسكن فيها بعد 5 أشهر على وقوع الانفجار.

وتتذكر جوليا تفاصيل ما مرّ عليها في ذلك اليوم المشؤوم. وتروي «كان صديقي غائباً عن الوعي على الأرض والدم يغطي وجهه ورجليه.. ركزت عليه لكنني كنت أردد في نفسي أيضاً بأنه لم يعد هناك منزل».

عادت جوليا إلى شقتها بعد إصلاحها وبعد أن تحسّن وضعها بعد الصدمة. لكنها لا تزال لا تحتمل أن تسمع أي صوت. وتقول «نرتعب من الأصوات.. إغلاق الأبواب، العواصف، الرياح، أن يقع شيء على الأرض».





قبل أكثر من أسبوعين، شاركت جوليا مع فرقتها الموسيقية «بوست كاردز» في عرض لمهرجانات بعلبك الدولية ضمّ موسيقيين لبنانيين شباب. وأدّت أغنية باللغة الإنكليزية صُوّرت بين آثار بعلبك تقول فيها «الوطن حزين».

وتقول لفرانس برس «هناك شيء تغيّر بعد الانفجار. لا أعرف إذا كان يمكن القول إن بيروت فقدت روحها.. أعتقد أن روحها لا تزال موجودة، لكنها روح محطمة».