السبت - 27 أبريل 2024
السبت - 27 أبريل 2024

تونس.. الديمقراطية وحدها لا تكفي

تونس.. الديمقراطية وحدها لا تكفي

تونسيون في شارع الحبيب بورقيبة بالعاصمة.(إ ف ب)

دأب الغرب على وصف التجربة التونسية بأنها ناجحة، ولذا أصاب بعضهم الذهول من التطورات الأخيرة، بعد قرارات رئيس الجمهورية قيس سعيد بتجميد البرلمان وإقالة رئيس الحكومة، لأنهم يركزون فقط على قضية الديمقراطية بينما الحقوق الأساسية للشعب لم تكن في الحسبان.



واستند الرئيس سعيد في قراراته، إلى الفصل السابع من الدستور التونسي، الذي يمنح للرئيس سلطة اتخاذ تدابير، في حالة خطر داهم مهدد لكيان الوطن وأمن البلاد واستقلالها. الرئيس اعتبر أن الأزمة الاقتصادية الخانقة، والخلافات البرلمانية الشديدة، وتفشي جائحة كورونا، وخروج مظاهرات كبيرة ضد الحكومة، بمثابة هذا الخطر الداهم الذي نص عليه الدستور. ربما من يستطيع الفصل في ذلك، هو المحكمة الدستورية، ولكنها غير موجودة، بسبب عدم الاتفاق على تعيين أعضائها، بحسب تقرير نشرته مجلة «فورين بوليسي» الأمريكية.

حافة الهاوية



كان الشعب التونسي كان يعيش على حافة الهاوية منذ سنوات، وأحد ملامحها الأزمة السياسية في عام 2013، التي شلت البلاد بعد اغتيال كل من شكري بلعيد ومحمد البراهمي، المعارضين للإخوان، وكذلك في عام 2015، خلال عهد الرئيس الراحل الباجي قائد السبسي المنتخب آنذاك، بسبب صراع الكيانات السياسية والخلافات مع حركة النهضة الإخوانية والمتحالفين معها، وكان الصراع بين السبسي وحزبه نداء تونس، وزعيم حركة النهضة الإخوانية، راشد الغنوشي، لكن أياً منهما لم يتمتع بالقوة والمساندة الشعبية الكافية، لفرض إرادته على الآخر، في انعكاس لحالة الانقسام التي عاشتها تونس بعد الثورة.



ولفت التقرير إلى أنه رغم الأزمة السياسية الشديدة في 2013، إلا أن البلاد لم تنزلق إلى دائرة العنف، وكذلك حين تم تشكيل حكومة ائتلافية في 2015، ولا عندما شهدت البلاد انتقالاً سلمياً للسلطة، بعد وفاة الرئيس السبسي في 2019.



وبعد القرارات الأخيرة للرئيس سعيد، كانت هناك مظاهرات كبيرة لتأييده، في حين اختفى الطرف الاخر إلا من أعداد قليلة حاولت الاشتباك مع قوات الأمن، وتشير الأنباء الواردة من تونس إلى أن من يمتدحون الرئيس قد سئموا من سوء الإدارة الحكومية ونقص الفرص الاقتصادية، إضافة إلى ما أدت إليه موجة جائحة كورونا، التي دمرت نظام الرعاية الصحية في ظل حكم النهضة التي تتولى أو تشارك في الحكومات المتعاقبة في البلاد منذ الإطاحة بالرئيس زين العابدين بن علي، ما جعل الناس يميلون إلى تأييد مواقف سعيد الأخيرة، على أمل أن يفي بوعوده بتحسين أوضاعهم المعيشية.

الحقوق الأساسية



وبينما يتحدث الغرب عن الديمقراطية، ويحاول التركيز عليها، في حوارات مسؤوليه مع الخبراء والمحللين والصحفيين ونشطاء المجتمع المدني، فإن الشعب التونسي وخاصة من خرجوا للشوارع خلال الأيام القليلة الماضية تأييداً لسعيد، نجدهم لا تعنيهم مسألة الديمقراطية بالدرجة الأولى، ولكنهم يريدون دولة تتسم بالفعالية وتوفر فرص العمل، وشبكة الضمان الاجتماعي، بغض النظر عن النظام السياسي، وهو ما عجزت عن تحقيقه حركة النهضة على مدى عشر سنوات.

صحيفة «الغارديان» البريطانية قالت في تقرير بعنوان «ربيع يتحول إلى شتاء» إن السبب في أن قطاعات من السكان ترى أن الحرية والديمقراطية في تونس لم تحقق الاستقرار السياسي والاقتصاد المزدهر. وبدلاً من ذلك، استمر الفساد والتضخم والبطالة. خلال السنوات القليلة الماضية، وهو ما دفع التونسيين للنزول إلى الشوارع للتعبير عن استيائهم، بعنف في بعض الأحيان.

لقد كشف الوباء أيضاً عن مدى الاختلال الذي وصلت إليه الدولة التونسية، حيث وجدت دراسة استقصائية أجراها المعهد الوطني للإحصاء في البلاد أن ثلث الأسر كانت تخشى نفاد الطعام العام الماضي. ومع ذلك، يبدو أن الحكومة، وفقاً لوثائق مسربة، مستعدة لإلغاء دعم الخبز في المفاوضات للحصول على قرض بقيمة 4 مليارات دولار من صندوق النقد الدولي، وهو الرابع في 10 سنوات.



لم يتفاقم الغضب من تعامل الحكومة مع الوباء فقط بل بسبب مستوى الدين الوطني، فقد أصبحت مدفوعات القروض الآن 6 أضعاف حجم ميزانية الصحة في البلاد، وفقاً لـ«الغارديان».

وأضافت «الغارديان» أن ما تحتاجه تونس هو أن يتبنى السياسيون وجهة نظر أكثر واقعية حول المكان الذي يجب أن تذهب إليه البلاد، محذرة من أن العودة إلى الاستبداد لن تضمن استقرار النظام.