السبت - 27 أبريل 2024
السبت - 27 أبريل 2024

عام على انفجار بيروت.. والنزف في لبنان يتواصل

للاطلاع على الانفوغراف بالدقة العالية اضغط هنا

في الرابع من أغسطس 2020، وقع انفجار ضخم في مرفأ بيروت قتل أكثر من 200 شخص وألحق دماراً ضخماً بالمدينة.

حوّل الانفجار، الذي عزته السلطات إلى كمية ضخمة من نيترات الأمونيوم مخزنة من دون تدابير وقائية، بيروت إلى مدينة موت، دمّر أحياءً فيها واقتلع أبواباً ونوافذ حتى في ضواحيها، وخلّف صدمة لم يُشف اللبنانيون منها بعد.

وتبين، وفق تحقيقات إعلامية ومصادر مواكبة للتحقيق، أن مسؤولين سياسيين وأجهزة أمنية والجيش كانوا على علم بمخاطر وجود 2750 طناً من نيترات الأمونيوم مخزنة في المرفأ، لكنهم لم يحركوا ساكناً.

وعندما قرر القضاء استدعاء بعض هؤلاء المسؤولين لاستجوابهم في القضية، ثارت ثائرة السياسيين، ورفضوا رفع الحصانة عن نواب تولوا مناصب وزارية، ومنح الإذن لاستجواب مسؤولين أمنيين.

وتقول كارلن حتي كرم (26 عاماً) التي فقدت زوجها شربل وشقيقها نجيب وابن عمها شربل في عداد عناصر فوج الإطفاء الذين كانوا يحاولون إخماد حريق سبق الانفجار، «خسرنا كل شيء.. توقفت حياتنا في الرابع من أغسطس».

حتى اليوم، لم يحصل اللبنانيون على أجوبة عن أسئلتهم: من أتى بهذه الكمية الضخمة من نيترات الأمونيوم؟ لماذا تُركت 7 سنوات في المرفأ، ومن كان يعلم بها وبمخاطرها؟ وما هي الشرارة التي أدت إلى الانفجار؟



عيّن قاضي تحقيق أول في القضية، وقرر الادعاء على مسؤولين، فوقف الساسة له بالمرصاد وتمّت تنحيته، بحجة عدم اتباعه الأصول القانونية. ويسير المحقق العدلي الذي خلفه طارق بيطار على خطاه اليوم، إلا أنّه لم يُعط بعد إذناً لملاحقة الأمنيين، ويعرقل البرلمان رفع الحصانة عن نواب 3، كانوا يشغلون مناصب وزارية، وتم استدعاؤهم.

وانتقدت دول عدة بينها فرنسا مسار التحقيق، وطالبت منظمات دولية بتشكيل بعثة تحقيق بإشراف الأمم المتحدة تدعم التحقيق المحلي، علها تنتشله من التدخلات السياسية.

وتقول كارلن: «الحزن لا شيء يوقفه.. لكننا نسعى خلف الحقيقة والعدالة، علّنا نخفف شيئاً من الغضب في داخلنا».

وقع الانفجار في عزّ أزمة كوفيد-19، ليفاقم هموم اللبنانيين الذين كانوا غارقين أصلاً في أزمة اقتصادية غير مسبوقة.

ففي أكتوبر 2019، ثار اللبنانيون ضد الطبقة السياسية التي يتهمونها بالفساد والعجز. أسقطوا الحكومة آنذاك، وطالبوا بحكومة تكنوقراط. لكن الحكومة التي شكلت بعد عناء برئاسة حسان دياب لم تنجز شيئاً بسبب الانقسامات السياسية وتمسك الأحزاب والأطراف المختلفة بنفوذها، وقدمت الحكومة استقالتها إثر الغضب الشعبي الذي تفجر في وجهها بعد انفجار المرفأ.

وتتابع كارلن: «الأشخاص أنفسهم هم سبب كل العلل». وتضيف «قبل الانفجار، بدأ الانهيار الاقتصادي والانهيار الصحي... يجب أن يتحملوا مسؤولية ما قاموا به، ومسؤولية عدم إدارتهم للبلد».

بدأ لبنان مسيرته نحو الهاوية مع إعلان السلطات التوقف عن دفع ديونها الخارجية، ووضعت المصارف قيوداً على الودائع، وبدأت العملات الأجنبية تنفد من الأسواق والليرة اللبنانية تفقد قيمتها. ضرب الانهيار الاقتصادي قطاعات مهترئة أساساً مثل الكهرباء، وتعثرت قطاعات أخرى، وصولاً إلى قطاع الصحة بعد تفشي فيروس كورونا ثم هجرة مئات الأطباء والممرضين إلى الخارج بسبب الأزمة، ومؤخراً نقص الأجهزة الطبية والأدوية جراء التدهور المالي وعدم القدرة على فتح اعتمادات بالدولار.

وسرّعت كارثة مرفأ بيروت، أحد أكبر الانفجارات غير النووية في العالم، والتي ذكّرت بالقصف النووي على هيروشيما وناكازاكي، الانهيار في البلد.

وتقول الأستاذة المحاضرة في الجامعة الأمريكية في بيروت ريما رنتيسي: «اعتقدنا أننا وصلنا إلى الحضيض. فكيف بالوضع أن يسوء أكثر؟». وتضيف: «ما هو واضح لي، وما أذكّر نفسي به كل يوم، هو أن هؤلاء الذين يديرون البلد ليسوا سوى مجرمين وقتلة». وتابعت: «بعد الانفجار، فهمنا تماماً أنه طالما هم في السلطة، لن يتغير أي شيء».

صحيح أن دولاً هبّت لمساعدة لبنان، لكن المساعدات كانت محددة الأهداف لدعم المتضررين من الانفجار. وضاعف المجتمع الدولي الضغوط على السياسيين اللبنانيين لتشكيل حكومة وتنفيذ إصلاحات ضرورية يشترط تحقيقها لتقديم القروض والمساعدات للحكومة.

لكن الإصلاحات لم تحصل. وجمدت مفاوضات مع صندوق النقد الدولي بسبب عدم قدرة المسؤولين اللبنانيين على تقديم رؤية موحدة للوضع. ومنذ عام، تقود البلاد حكومة تصريف أعمال لعدم تمكن القوى السياسية من التوافق على حكومة جديدة.

وكلّف قبل أيام نجيب ميقاتي المهمة الصعبة بتشكيل حكومة جديدة، بعد تنحي سعد الحريري الذي عجز عن ذلك على مدى أشهر طويلة.

ورغم مرور سنة على وقوع الانفجار، لم يهدأ غضب اللبنانيين، لكنهم أيضاً يبدون متعبين. فالدعوات إلى الاحتجاج في الشارع لم تعد تجمع كثيرين، كما حصل في تظاهرات أكتوبر 2019 ضد الطبقة الحاكمة، والتي علقت عليها آمال كبيرة لم تتحقق. وباتت الاحتجاجات محدودة وغالباً ما تشهد قطع طرقات وأعمال شغب.

وتقول إميلي، وهي شابة في الـ32 وموظفة في مؤسسة حكومية: «كل ما أريده هو الهجرة. أريد أن أبعد أولادي من هنا، وأبني لهم مستقبلاً».