الجمعة - 03 مايو 2024
الجمعة - 03 مايو 2024

فقر وتطرف وانفلات.. استقرار ليبيا يبدأ من الجنوب

فقر وتطرف وانفلات.. استقرار ليبيا يبدأ من الجنوب

السلطات المؤقتة في ليبيا تواجه تحديات كبيرة لفرض الاستقرار. (أ ف ب)

لا تقتصر التحديات التي تواجه مسيرة عودة الاستقرار إلى ليبيا على القضايا الخلافية بين البرلمان والحكومة، أو توحيد المؤسسة العسكرية وخروج جميع المرتزقة والمليشيات من البلاد، لكن ما يجري في الجنوب الليبي منذ عام 2011 يمثل معضلة حقيقية نحو وحدة وسلامة الأراضي الليبية، فرباعية؛ التطرف، والفقر، وانعدام الأمن، وضعف مؤسسات الدولة، جعلت من الجنوب الليبي صحراء للمافيا، حسب وصف زعيم حراك «غضب فزان»، بشير الشيخ.

ويشكل الجنوب الليبي الإقليم الثالث، ضمن الأقاليم الجغرافية الثلاثة المكونة للدولة الليبية، حيث يطلق على الجنوب إقليم فزان، وعلى الأجزاء الشمالية الغربية من البلاد إقليم طرابلس، وتضم حالياً العاصمة الليبية طرابلس، وبعض الضواحي المحيطة بها، وبينها مطارها الدولي جنوب المدينة، وعلى الشرق إقليم برقة، وتضم بنغازي وطبرق ومدن أخرى، إضافة إلى أهم منابع النفط.

ورغم وجود 3 حقول نفطية كبيرة في الجنوب؛ هي الفيل، الذي ينتج 73 ألف برميل يومياً، والشرارة الذي تبلغ طاقته اليومية 315 ألف برميل، وحقل «رون الجديد» الذي ما زال في طور الإنشاء، بحسب بيانات ليبية رسمية، إلا أن المنطقة ذات الكثافة السكانية المنخفضة، بالمقارنة مع طرابلس وبنغازي، تعاني من سلسلة من الأزمات على مدار السنوات الـ10 الأخيرة.

وخلال زيارة وفد الأمم المتحدة للجنوب في 6 يونيو الماضي، اشتكى أبناء مدينة سبها؛ أكبر مدن الجنوب، من انهيار مستوى الخدمات، وارتفاع الأسعار، وندرة فرص العمل، وتفشي الجريمة، وهو ما شكل بيئة خصبة، ليس فقط لانتشار جماعات تهريب البشر والسلع والوقود، بل بات الجنوب بيئة حاضنة لكل الجماعات الإرهابية؛ مثل داعش، والقاعدة.

فكيف يمكن استعادة الأمن والاستقرار في الجنوب الليبي؟ وما هو دور المجتمع الدولي والحكومة الليبية المقبلة في إعادة بناء مؤسسات المجتمع، الذي عاش على هامش الحياة السياسية منذ إسقاط حكم القذافي، بحسب تقدير وفود كثيرة للأمم المتحدة زارت المنطقة؟

تشظٍ مجتمعي

أكثر التحديات التي ستواجه أي حكومة للتعامل مع الجنوب الليبي، هو الخلاف بين المكونات السكانية لأهل الجنوب نفسه، فرغم «اتفاق الصداقة» الذي دام أكثر من 100 عام بين قبائل «التبو» و«الطوارق» هناك، إلا أن الصراع تفجر بينهما منذ عام 2011، وذلك بسبب الرغبة في السيطرة على حقول النفط، والمعابر الحدودية، خاصة مع تشاد والنيجر.

كما أن صراع قبائل «أولاد سليمان» وقبائل «التبو» ما زال يتردد صداه في كل الجنوب، وتشكل هذه الصراعات العرقية والقبلية حافزاً دائماً لعدم الاستقرار، خاصة بعد أن انحازت قبائل أولاد سليمان، التي كانت تدعم حكومة الوفاق السابقة، وقبائل التبو، التي كانت تدعم أجندة الجيش الوطني بقيادة المشير خليفة حفتر، إلى أطراف الصراع المختلفة منذ عام 2014.

داعش والقاعدة

تنفتح مناطق الجنوب الليبي على مساحات واسعة مع دول الساحل والصحراء، التي تعاني في الوقت الحالي من انتشار غير مسبوق للتنظيمات الإرهابية، وفق تقديرات وزير الخارجية الأمريكي، أنتوني بلينكن، على هامش اجتماع تحالف مكافحة داعش الأخير في روما.

وتعتقد الأمم المتحدة أن تنظيم داعش ينشط بقوة في الجنوب الليبي، حتى بعد مقتل زعيم داعش، أبوبكر البغدادي، في 27 أكتوبر 2019، حيث بايع زعيم داعش في ليبيا، عبدالقادر النجدي، خليفة البغدادي، المدعو أبوإبراهيم الهاشمي القرشي.

وقبل انعقاد مؤتمر «برلين2» في 23 يونيو الماضي، تبنى تنظيم داعش هجوماً أسفر عن مقتل ضابطي شرطة في مدينة سبها، وهو ما جعل قضية الجنوب تأخذ مساحة كبيرة في النقاش على طاولة «برلين 2».

وأفضى هذا النقاش إلى ضرورة تقديم الدعم للجنوب؛ حتى لا يبقى ملاذاً آمناً للجماعات الإرهابية، لكن القيادة العامة للجيش الليبي لديها تصور يقوم على أن تنظيم الإخوان وداعميه الإقليميين يتحملون المسؤولية في دعم وانتشار الجماعات الإرهابية في الجنوب، حسبما يرى مدير إدارة التوجيه المعنوي في الجيش الوطني الليبي، اللواء خالد المحجوب.

ومن وجهة نظر المحجوب فان تنظيم الإخوان هو من ساعد تلك التنظيمات على العمل في الجنوب، بعد عملية الكرامة التي أطلقها الجيش الليبي في 16 مايو 2014، للتصدي للتنظيمات الإرهابية، وأدت إلى خروج هؤلاء الإرهابيين من درنة وبنغازي.



ممر السلفادور

ولا يقتصر الانفلات الأمني في الجنوب على الصراع العرقي والقبائلي، أو حتى انتشار داعش والقاعدة، بل بات الجنوب اليوم يشكل قاعدة خلفية للقوات المسلحة المعارضة في تشاد والنيجر والسودان، وفق ما كشفه النائب محمد علي أمدور، الذي يمثل الجنوب في البرلمان الليبي.

واكد أمدور وجود قوات للمعارضة التشادية في مناطق الكفرة وأم الأرانب وحوض مرزق، بالجنوب الليبي، ولهذه تعمل القيادة العامة للجيش الوطني الليبي على طرد أي مسلحين تشاديين من البلاد، بعد تشكيل غرفة عمليات «حوض مرزق» لحفظ الأمن والعمل ضد العصابات الإجرامية والمعارضة التشادية، التي باتت تعمل داخل الأراضي الليبية وتعتاش على الخطف والابتزاز، وجني أموال طائلة، والتي قد تستخدم في أنشطة إرهابية، مع عوائد التهريب والاتجار بالبشر، عبر الهجرة غير الشرعية.

واستنفرت الحكومة الليبية كل قواها من أجل حماية الحدود الليبية من الفصائل المعارضة في الدول الأخرى، بعد اغتيال الرئيس التشادي، إدريس ديبي، وهو ما اقتضى تعزيز قوات الحدود الليبية الجنوبية بالطائرات العمودية، ومراقبة الحدود عبر أجهزة الاستشعار عن بعد والأقمار الصناعية، وذلك نظراً لوجود ممرات جبلية على الحدود مع النيجر يصعب مراقبتها بالوسائل التقليدية، منها الممر الذي يطلق علية «ممر السلفادور»، وهو الذي يستخدم من جانب الجماعات المسلحة والإرهابيين وعصابات التهريب على جانبي الحدود بين ليبيا وجيرانها جنوب الصحراء.



حلول عملية

لا شك أن إجراء الانتخابات البرلمانية والرئاسية الليبية في 24 ديسمبر المقبل، سيكون بداية الحل لمشاكل الجنوب، وبسط الدولة الليبية سيطرتها على كل الحدود الجنوبية، لكن هذا يتطلب، من وجهة نظر أبناء الجنوب، فتح فرع للمؤسسة الوطنية للنفط في الجنوب، وإنشاء صندوق دعم فزان، وبناء محطة كهرباء تغطي كل الجنوب، وتفعيل مشاركة أبناء الجنوب في مؤسسة الاستثمار، وفي التمثيل الدبلوماسي، وتفعيل عمل المطارات والمنافذ البرية الرسمية في الجنوب، وذلك حسب بيانات ومطالب أبناء الجنوب.

هناك من يدعو إلى ضرورة وضع حلول مستدامة لإحلال السلام والتنمية بالتعاون مع المجتمع الدولي، حسبما يرى عميد بلدية سبها المكلف، إبراهيم الشاويش، وهذا المطلب وجد استجابة من سفير الاتحاد الأوروبي في ليبيا، خوسيه أنطونو، الذي زار الجنوب، ووعد بأن دول الاتحاد الأوروبي ستركز الفترة المقبلة على توفير الخدمات الأساسية للمواطنين في الجنوب، خاصة المياه، والكهرباء، والصحة، والتعليم، وتحقيق المصالحة الوطنية، وتفكيك شبكة المصالح الاقتصادية والمحلية.