الثلاثاء - 30 أبريل 2024
الثلاثاء - 30 أبريل 2024

العلاقات العربية اليونانية.. جغرافيا جديدة للتعاون والاستقرار

جاءت مساعدات الإمارات لليونان في مواجهة حرائق الغابات كأحدث بادرة في ملف علاقات صداقة تتوثق يوماً بعد الآخر. وكلمة «فيليا» تعني في اللغة اليونانية «الصداقة»، وخلال منتدى «فيليا الأول» الذي استضافته العاصمة اليونانية أثينا، في 11 فبراير الماضي، وشاركت فيه 5 دول عربية هي: الإمارات العربية المتحدة، والسعودية، والبحرين، ومصر، والأردن، تحت عنوان «بناء الصداقة والسلام والازدهار من البحر المتوسط إلى الخليج»، اتفقت الدول العربية والخليجية مع اليونان على العمل معاً من أجل تنسيق المواقف وتعميق التعاون بين الجانبين.

ويؤشر ذلك على تنامي العمل المشترك والمصالح بين الدول العربية واليونان، حسب وصف الأمين العام لمجلس التعاون لدول الخليج، الدكتور نايف الحجرف، أثناء توقيعه مذكرة التفاهم مع وزير الخارجية اليوناني، نيكوس ديندياس، في 20 أبريل الماضي بالرياض، حيث رأى أن العلاقات الخليجية اليونانية تشهد نمواً وتطوراً في كافة المجالات؛ لخدمة المصالح المشتركة بين الطرفين.

وتكشف الزيارات المتبادلة بين المسؤولين في الدول العربية والخليجية مع نظرائهم اليونانيين، أن هناك آفاقاً واسعة للتعاون السياسي والاقتصادي والأمني والعسكري بين الجانبين، اللذين يتشاركان في مصفوفة كبيرة من القيم والمبادئ، في مقدمتها احترام سيادة الدول، وعدم التدخل في الشؤون الداخلية للآخرين، والالتزام بالقانون الدولي، وتعزيز مفاهيم التعاون المشترك والاحترام، وذلك وفق بيانات صدرت بعد لقاءات بين الجانبين.

لكن الأهم في العلاقات العربية اليونانية أنها تقوم على «التعاون الإيجابي» الذي يستكشف فرص التعاون بين هذه الدول، دون أن يكون موجهاً ضد أحد، كما قال وزير الخارجية المصري، سامح شكري، فما هي آفاق التعاون العربي اليوناني؟ وكيف تخدم هذه العلاقات مصالح وأهداف الدول العربية؟

جغرافية الاستقرار

لأول مرة خلال نصف القرن الأخير، نرى هذا التعاون العابر لمساحات جيوسياسية هامة تجمع دولاً في منطقة الخليج، بأهميتها السياسية والاقتصادية، مروراً بدول شرق البحر الأبيض المتوسط، التي تضم احتياطيات غاز هائلة، وفق هيئة المساحة الجيولوجية الأمريكية، وصولاً إلى اليونان العضو في حلف الناتو منذ عام 1952، والتي دخلت الاتحاد الأوروبي في 1981.

وتعمل اليونان على أن تكون جسراً للتعاون بين الدول الخليجية والعربية وشرق المتوسط والبلقان وأوروبا، كما قال وزير الخارجية اليوناني، نيكوس ديندياس، في أثينا يوم 12 فبراير الماضي، وهو ما يؤكد أننا أمام كتلة جغرافية وسياسية واسعة وممتدة تشكل «القلب الصلب» لنشر وشيوع الاستقرار والسلام والتعايش المشترك، وحل الخلافات والنزاعات بالطرق السياسية والدبلوماسية، وهي الأهداف التي عبَّرت عنها تصريحات سمو الشيخ عبدالله بن زايد آل نهيان وزير الخارجية والتعاون الدولي الإماراتي، خلال استقباله نظيره اليوناني، في ديوان عام وزارة الخارجية الإماراتية، في 8 يونيو الماضي.

كتفاً بكتف

قراءة تفاصيل العلاقات العربية اليونانية تؤكد أنها تقوم على وقوف كل طرف كتفاً بكتف بجانب الطرف الآخر، وهو ما نراه في اتفاقية «الشراكة الاستراتيجية» ومذكرة «التعاون في مجال السياسة الخارجية والدفاعية» بين دولة الإمارات واليونان، التي وقَّعها البلدان في 18 نوفمبر الماضي.

وترتكز الاتفاقية على الالتزام الكامل بتحقيق السلام والأمن وفق ميثاق الأمم المتحدة، واحترام مبدأ عدم التدخل في الشؤون الداخلية للآخرين، والتزام البلدين بمكافحة جميع أشكال الإرهاب والتطرف، ودعوة المجتمع الدولي للوقوف صفاً واحداً ضد الدول التي تُصدِّر الإرهاب، وفق نص اتفاقية الشراكة الاستراتيجية بين البلدين.

وعندما تحدث صاحب السمو الشيخ محمد بن زايد آل نهيان، ولي عهد أبوظبي، نائب القائد الأعلى للقوات المسلحة، عن علاقة بلاد الإمارات باليونان عقب لقائه رئيس الوزراء اليوناني، كيرياكوس ميتسوتاكيس، وصفها بأنها «تتسم بالعمق والتميز والخصوصية، وتستند إلى إرادة سياسية قوية وقاعدة صلبة من المصالح المشتركة، وتوافق الرؤى والتوجهات».

وهو نفس الأمر لدى الجانب اليوناني، حيث ترى أثينا أن اتفاقية الشراكة الاستراتيجية «تحديث استراتيجي» للعلاقات بين الدولتين، وأن أبوظبي وأثينا تشكلان الآن أساساً «لتحالف استراتيجي، يشمل مجالات الاقتصاد والدفاع والسياسة الخارجية» وفق بيان لمكتب رئيس الوزراء اليوناني.

«باتريوت» والمملكة

وتشهد العلاقات السعودية اليونانية نمواً غير مسبوق، وهو ما عبرت عنه القمة التي جمعت رئيس الوزراء اليوناني، كيرياكوس ميتسوتاكيس، في 3 فبراير الماضي بالرياض، مع خادم الحرمين الشريفين، الملك سلمان بن عبدالعزيز، وولي عهده، الأمير محمد بن سلمان، حيث أقدمت اليونان على خطوة غير مسبوقة منذ دخولها حلف الناتو، عندما أرسلت أثينا 130 جندياً برفقة صواريخ «باتريوت» خارج منطقة البحر المتوسط، إلى السعودية؛ ضمن برنامج مشترك مع الولايات المتحدة وبريطانيا وفرنسا؛ لحماية البنى التحتية الحيوية في مجال الطاقة.

الموقف اليوناني من السعودية يعبر عن إرادة سياسية قوية لدى اليونان للحفاظ على أمن واستقرار منطقة الخليج، وتوطيد علاقاتها بالسعودية، حسب ما كشفه المتحدث باسم الحكومة اليونانية، ستيليوس بيتساس، كما أن مشاركة الطائرات السعودية «أف 16 سي» في مناورات مشتركة مع نظيرتها اليونانية في قاعدة «سودا» الجوية التابعة للناتو بجزيرة كريت، في مارس الماضي ضمن مناورات «عين الصقر 1»، شكَّلت نقلة نوعية كبيرة في العلاقات العسكرية بين الرياض وأثينا.

وتتسع العلاقات الدفاعية بين الدول العربية واليونان إلى مشاركة سلاح الجو الإماراتي في مناورات دولية جرت في قاعدة «إندرافيدا» اليونانية على مدار السنوات الماضية، وشاركت الإمارات في أحدث نسخة من تلك المناورات التي يطلق عليها «إينيوهوس» والتي انتهت في 22 أبريل.

ومنذ بداية حكم الرئيس عبدالفتاح السيسي، في يونيو عام 2014، شهدت العلاقات المصرية اليونانية نمواً غير مسبوق في كافة المجالات السياسية والاقتصادية والأمنية والعسكرية، وهي العلاقات التي أخذت منحىً ثلاثياً من خلال التعاون المصري اليوناني القبرصي، وفق الهيئة العامة للاستعلامات المصرية.

وهو نفس المسار الذي تسير عليه الأردن من خلال القمم الثلاثية التي تجمعها مع اليونان وقبرص، وكان أحدثها قمة أثينا في 28 يوليو الماضي.

دعم غير مشروط

اليونان من الدول القلائل في أوروبا التي تذكر دولة فلسطين في الوثائق الرسمية، وليس «السلطة الفلسطينية» منذ أن تبنى البرلمان اليوناني بالإجماع قراراً يدعو الحكومة اليونانية إلى الاعتراف بدولة فلسطين في ديسمبر 2015، وقال وقتها رئيس الوزراء اليوناني، أليكسيس تسيبراس، إنه جعل اسم فلسطين رسمياً في الوثائق اليونانية ليحل محل «السلطة الفلسطينية».

وسعياً لتقوية العلاقات العربية اليونانية جرى التأكيد على أهمية إنشاء آلية لتعزيز العلاقات العربية اليونانية، والحفاظ على دورية التشاور السياسي بين الطرفين، عندما التقى وزير الخارجية اليوناني، مع الأمين العام لجامعة الدول العربية، أحمد أبوالغيط، في 8 مارس الماضي، بحسب تصريح رسمي لجامعة الدول العربية.

إن تعدد محاور العلاقات العربية اليونانية يؤكد اتساع المساحة المشتركة وحجم الفرصة المتاحة لتعزيز وتطوير تلك العلاقات.