السبت - 27 أبريل 2024
السبت - 27 أبريل 2024

قمة «الجوار العراقي».. فرصة لبداية جديدة

قمة «الجوار العراقي».. فرصة لبداية جديدة

محمد بن زايد يستقبل رئيس وزراء العراق خلال زيارته البلاد في أبريل الماضي. (وام)

دعاة السلام يقولون إنه «لا توجد أبداً حرب جيدة أو سلام سيئ»، ومن هنا يأتي السعي نحو تحقيق السلام والاستقرار والهدوء في منطقة الخليج والمشرق العربي وكل منطقة الشرق الأوسط عبر حشد كل الأدوات وتكاتف جميع الطاقات من أجل إنهاء كافة أشكال وأنواع الحروب والبدء في مرحلة جديدة تليق بدول وشعوب تلك المنطقة الحيوية من العالم.

وفي سبيل تحقيق هذا الهدف، يسعى رئيس الوزراء العراقي مصطفي الكاظمي، منذ توليه منصبه في 7 مايو 2020 إلى إشاعة ونشر ثقافة الأيدي الممدودة بالسلام والتعاون بين دول المنطقة.

وفي إطار سلسلة من الخطوات والفاعليات التي تهدف لترسيخ هوية وسيادة العراق، تأتي قمة دول الجوار العراقي في بغداد، أواخر الشهر الجاري، كمحاولة جديدة من رئيس الوزراء العراقي للنأي بالنفس عن الصراعات الإقليمية، وتقديم العراق في صورة جديدة عنوانها أن بغداد التي عاشت مرحلة طويلة من عدم اليقين السياسي والأمني يمكن أن تكون الجسر الذي يربط بين الجميع، والمكان الذي يستضيف الحوارات والنقاشات التي تقود إلى تبريد الصراعات، وبدء مرحلة جديدة من تاريخ المنطقة.

فهل أهداف رئيس الوزراء العراقي من هذه القمة تبدو واقعية بالنظر إلى التعقيدات والتشابكات في الأهداف والمصالح؟ وإلى أي مدى يمكن أن تساهم قمة الجوار العراقي في صياغة معادلات إقليمية جديدة، تنهي مرحلة طويلة من الصراع في المنطقة، بدأت مع الحرب العراقية - الإيرانية في 22 سبتمبر 1980، ولم تنته حتى الآن؟

دور عراقي يتبلور

الناظر إلى ما تحقق بالفعل في العراق منذ مايو 2020 عندما جاء الكاظمي لرئاسة الحكومة العراقية، يرى بوضوح أن هناك دوراً عراقياً يتبلور تدريجياً، يعزز من القيمة الإيجابية المضافة لمكانة العراق، الذي تجاوره 4 دول عربية هي المملكة العربية السعودية، والكويت، والمملكة الأردنية، وسوريا، ودولتان من خارج المظلة العربية هما إيران وتركيا، ولعل زيارة الكاظمي للسعودية في 31 مارس الماضي، ثم زيارته لدولة الإمارات العربية المتحدة، في 4 أبريل الماضي، دليل كبير على رغبة دول المنطقة في فتح صفحة جديدة.

كما أن استقبال العراق للبابا فرنسيس بابا الفاتيكان في شهر مارس الماضي، وثق شهادة عراقية جديدة برغبة بغداد في نشر السلام والتعايش المشترك، بين مكونات العراق الداخلية ومحيطه الإقليمي.

كما يدلل الحرص العراقي على نجاح القمة الثلاثية العراقية - المصرية - الأردنية ببغداد، في 27 يونيو الماضي، على وجود استعداد عراقي يتنامى يوماً بعد يوم، نحو مزيد من الانفتاح على المحيط العربي.

إلى جانب ذلك، نجح الكاظمي منذ 20 يونيو 2020، في قيادة أربع جولات من الحوار الاستراتيجي مع الولايات المتحدة، ادت إلى قرار إنهاء الدور القتالي للقوات الأمريكية في 31 ديسمبر القادم، وبدء الانسحاب الفعلي للقوات الأمريكية من العراق كنتيجة للجولة الرابعة من ذلك الحوار، والتي جرت بين الكاظمي والرئيس الأمريكي جو بايدن بواشنطن في 27 يوليو الماضي، حسب المتحدث باسم قيادة العمليات المشتركة العراقية اللواء تحسين الخفاجي.

وبعد نجاح العراق في استضافة مؤتمر رؤساء برلمانات دول الجوار في 20 أبريل الماضي، تستعد بغداد لاستضافة أول قمة لدول الجوار، قبل نحو 41 يوماً من الانتخابات البرلمانية المبكرة التي ستجرى في العاشر من شهر أكتوبر القادم. وبحسب وسائل إعلام عراقية، فإن القمة تضم السعودية وإيران والكويت والأردن وتركيا، كجيران مباشرين للعراق، كما ستشارك دول أخرى في القمة مثل دولة الإمارات العربية المتحدة، ومصر وفرنسا وقطر، بالإضافة إلى مشاركات أوروبية أخرى حسب بيان لوزارة التخطيط العراقية.

الابتعاد عن التجاذبات

تحاول بغداد من خلال قمة الجوار العراقي، إنهاء عقود سابقة حولتها إلى ساحة لتصفية الحسابات، كما أن القمة فرصة لاستدارة العراق بعيداً عن التجاذبات التي كانت وراء تراجع الاقتصاد والخدمات، وانعدام الاستقرار السياسي والأمني، خاصة أن المواجهة مع تنظيم داعش الإرهابي لم تنته بعد.

ويؤكد التقرير الأممي الجديد، الصادر عن فريق مراقبة العقوبات، التابع للأمم المتحدة في 27 يوليو الماضي، أن داعش سيحاول العودة بقوة مع بدء خروج القوات الأمريكية القتالية من العراق، وهو الأمر الذي سيفرض على العراق ودول الجوار، التعاون بشكل مختلف حتى لا يعود تنظيم داعش وغيره من التنظيمات الإرهابية إلى ما كان عليه قبل هزيمة التنظيم من جانب التحالف الدولي ضد الإرهاب.

ووفق تقارير أمنية أمريكية، ما زال داعش يحتفظ بنحو 8 آلاف عنصر في سوريا والعراق، والآلاف من أنصاره في مخيمات مثل مخيم الهول للاجئين في سوريا، وهو ما يجعله قادراً على تنفيذ عمليات إرهابية، مثلما حدث في 19 يوليو الماضي في بغداد، كما أن استهداف أعمدة الكهرباء في العراق، يؤكد أن المعركة مع التنظيمات الإرهابية بعيدة حتى الآن عن نهايتها.

معادلات جديدة

والسؤال الذي يطرحه الكثيرون يتعلق بقدرة قمة دول الجوار العراقي في طرح معادلات سياسية جديدة، تنهي حالة الاستقطاب والخلافات التي تسود المنطقة، فمن يقرأ الخريطة السياسية للدول المشاركة في قمة الجوار العراقي، يتأكد له حجم الانجاز المتحقق في جمع هذه الأطراف.

فالخلافات مثلاً بين السعودية وإيران معروفة للجميع، والصراع التركي - الفرنسي في جبهات متعددة لم ينته بعد، ورغم ما يشكله كل هذا من عوائق وكوابح، إلا أن جلوس كل هذه الأطراف على مائدة واحدة، وبأي مستوى من التمثيل، سيشكل بداية لم نشهدها من قبل، على الأقل في العقدين الماضيين.

كما أن إعلان أمريكا الانسحاب من العراق، وقبلها من أفغانستان، أكد للجميع بأنها لا تستهدف أي دولة في المنطقة، وهو ما يوفر بيئة لنجاح مؤتمر جوار العراق، الذي وصفه الرئيس الإيراني الجديد إبراهيم رئيسي بأنه خطوة مباركة.

كما أن تأكيد الرئيس الفرنسي حضوره للمؤتمر، يبرز الزخم الدولي الذي يقف وراء الخطوة العراقية، ناهيك عن نجاح العراق من قبل في جمع وفود من إيران والسعودية على طاولة واحدة، أكثر من مرة في بغداد، حسب تصريحات رسمية للرئيس العراقي برهم صالح. هذه المؤشرات تؤكد أننا أمام بداية جديدة قد تشكل نواة صلبة لمشروع إقليمي يقوم على الاستقرار والبناء وليس على الحرب والصراع.