الجمعة - 17 مايو 2024
الجمعة - 17 مايو 2024

قمة بغداد وصناعة تاريخ جديد للشرق الأوسط

المؤكد أن المنطقة العربية والخليج، وكل إقليم الشرق الأوسط، يمر بانعطافة تاريخية نحو مرحلة جديدة يسودها السلام والاستقرار والبحث عن الفرص والمصالح وصولاً لتحقيق أعلى معدلات الرخاء والرفاهية لشعوب المنطقة.

وتؤكد الكلمات التي ألقاها رؤساء الوفود، والمواقف المعلنة، واللقاءات الثنائية، في قمة بغداد للتعاون والشراكة، التي شاركت فيها 9 دول عربية وشرق أوسطية، بالإضافة إلى فرنسا، أن ما سيأتي في المنطقة بعد هذه القمة، سوف يكون مختلفاً في الشكل والمضمون عما كان قبلها.

وخير شاهد على هذا التحول، ما أشار إليه صاحب السمو الشيخ محمد بن راشد آل مكتوم نائب رئيس الدولة رئيس مجلس الوزراء حاكم دبي «رعاه الله»، عندما تحدث عن عودة العراق إلى دورها العربي والإقليمي والدولي، وكتب على حسابه على موقع تويتر عن مشاركته في القمة قائلاً: «شاركت اليوم بقمة بغداد الإقليمية للتعاون والشراكة.. عودة بغداد لموقعها الإقليمي والعالمي، عودة لكتابة قصة جديدة في مسيرة الحضارة.. سلام على بغداد المنصور والرشيد.. سلام على بغداد العلم والعزم والحكمة.. سلام على بغداد وعلى كل أوطاني العربية الجميلة».

وسادت حالة من التفاؤل بمستقبل المنطقة، مع كل كلمة، ومع كل لقاء من فعاليات القمة، التي استمرت يوماً واحداً، لكنه سيكون شاهداً على تحولات جذرية، ونشوء أوضاع إقليمية ودولية، تؤسس لمرحلة جديدة في المنطقة.

وهو ما عبّر عنه بوضوح الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون عندما قال على حسابه على تويتر: «مؤتمر بغداد تاريخي، وهو بمثابة انتصار بحد ذاته، هناك تعاون جديد قيد النشوء»، وهي كلمات تؤكد بوضوح أننا أمام مقاربات سياسية جديدة في المنطقة، الهدف الوحيد منها، هو إشاعة حالة من الاستقرار والهدوء في المنطقة التي ظلت تعاني على مدى عقود.

فما هي مفردات المعادلة الجديدة التي يمكن أن تحل محل المعادلات السابقة؟ وهل بالفعل باتت هناك إرادة سياسية جامعة لكافة أطراف المنطقة، تدفع نحو المقاربة الجديدة التي تنتظرها شعوب المنطقة؟

العراق يتجدد

لعل النتيجة المباشرة لقمة بغداد للتعاون والشراكة، أن العراق يستعيد عافيته من جديد، ويتحول من ساحة للتجاذبات الإقليمية، وتصفية الحسابات بين الدول، إلى ساحة للتعاون، وجسر للتواصل، وطاولة للنقاش والحوار والمفاوضات بين الدول التي بينها خلافات.

وكان لافتاً في كلمة رئيس الوزراء العراقي مصطفى الكاظمي، تأكيده على أن سياسة العراق الحالية تقف على مسافة واحدة من الجميع، وتمد يدها بالتعاون والعمل المشترك لكل الدول والشعوب، وأنه لا يقبل بأن تكون بلاده ساحة للفوضى والإرهاب، كما كانت من قبل.

واستطاعت الدولة العراقية أن تجني ثمارا سياسية من المؤتمر، تعزز من المكاسب التي حققها رئيس الوزراء الكاظمي منذ وصوله للحكم في 20 مايو 2020، بعد أن نجح في يونيو الماضي في استضافة القمة الثلاثية المصرية - الأردنية - العراقية في بغداد.

كما نجح في استقبال البابا فرانسيس بابا الفاتيكان، الذي قام بزيارة تاريخية للعراق هذا العام، ناهيك عن 4 جولات من الحوار الاستراتيجي العراقي – الأمريكي، قادت في النهاية لإنهاء الدور القتالي للقوات الأمريكية في العراق، بنهاية هذا العام وفق بيان صادر من البيت الأبيض.

وشكلت كلمات كل الحاضرين دعماً راسخاً لاستقرار العراق، ومساندة لحرب العراق ضد داعش والجماعات الإرهابية، وهو ما عبّرت عنه بوضوح كامل كلمات الرئيس المصري عبدالفتاح السيسي، والعاهل الأردني الملك عبدالله الثاني.

لكن أكبر دعم حصل عليه العراق في هذا المؤتمر، هو الدعم الكامل وغير المشروط من كافة الحضور، لمؤسسات الدولة العراقية، ووحدة وسلامة أراضي العراق، واستعداد فرنسا والإتحاد الأوروبي والأمم المتحدة لمراقبة الانتخابات البرلمانية العراقية في 10 أكتوبر القادم، وفق تصريحات الرئيس الفرنسي، وهي مواقف تشكل قلعة حصينة من أجل الحفاظ على الدولة العراقية، في وجه كل المشروعات التي حاولت في السابق الانفصال أو الانسلاخ عن الجمهورية العراقية.

لقاءات ثنائية ناجحة

ويعود النجاح الكبير الذي رسمته قمة بغداد لمستقبل المنطقة، إلى طبيعة اللقاءات الثنائية الناجحة، والتي تحدث لأول مرة في المنطقة، فاللقاء الذي جمع صاحب السمو الشيخ محمد بن راشد آل مكتوم نائب رئيس الدولة رئيس مجلس الوزراء حاكم دبي «رعاه الله»، مع الشيخ تميم بن حمد آل ثاني أمير دولة قطر، هو أرفع لقاء بين قادة البلدين منذ 5 يونيو 2017.

وجاء اللقاء، بعدما استقبل الشيخ تميم بن حمد آل ثاني أمير دولة قطر الشقيقة، في 26 أغسطس الجاري، وفداً برئاسة سمو الشيخ طحنون بن زايد آل نهيان مستشار الأمن الوطني.

كما أن الكلمات التي كتبها صاحب السمو الشيخ محمد بن راشد، والشيخ تميم، عن اللقاء تشير إلى أننا أمام تحولات إيجابية للغاية، تعيد المنطقة إلى ما تعرفه عن نفسها من سلام ووئام ومصير مشترك.

وقبل قمة بغداد لم يكن أحد أن يتخيل أن تجمع قاعة واحدة، وزراء خارجية المملكة العربية والسعودية، وإيران، وتركيا، ورغم أن وزيري الخارجية في إيران والسعودية لم يلتقيا في بغداد، إلا أن وزير الخارجية العراقي فؤاد معصوم، أكد أن اللقاءات السعودية - الإيرانية المباشرة على أرض بغداد سوف تستمر لحين حل كل الخلافات.

يؤكد ذلك أننا أمام إرادة سياسية جديدة، لدى طهران والرياض لطي صفحة الخلافات، والشروع في مرحلة جديدة بدأت منذ أن صرح صاحب السمو الملكي الأمير محمد بن سلمان بن عبدالعزيز آل سعود ولي العهد نائب رئيس مجلس الوزراء وزير دفاع المملكة العربية السعودية، في تصريحات لقناة العربية أبريل الماضي بقوله «كل ما نطمح إليه هو علاقة جيدة مع إيران.. لا نريد أن يكون وضع إيران صعباً، بل نريدها أن تكون مزدهرة.. لدينا مصالح مشتركة».

تلك التطورات تشير إلى أن الحوار الجاري بين السعودية وإيران في العراق يمكن أن يصل يوماً إلى محطته الأخيرة بتطبيع العلاقات وعودة السفراء، ناهيك عن أول لقاء يجمع الرئيس السيسي مع أمير قطر منذ عام 2017، واتفاق الزعيمين على تطوير العلاقات بين القاهرة والدوحة في مختلف المجالات.

خصوصية فرنسية

وتشير مشاركة الرئيس ماكرون في مؤتمر بغداد، إلى أن فرنسا تقدم نفسها كشريك فاعل، ويمكن الاعتماد عليه، حتى بعيداً عن واشنطن، فماكرون أعلن للصحفيين أنه مستعد، إذا طلبت منه الحكومة العراقية، إبقاء القوات والمستشارين العسكريين الفرنسيين في العراق حتى لو سحبت أمريكا كل قواتها من الأراضي العراقية، وفق ما جاء في لقاء ماكرون مع رئيس الوزراء العراقي.

كما قدم الرئيس ماكرون فرنسا باعتبارها الشريك الأمني والسياسي والاقتصادي لبغداد، وهو استمرار للدور الفرنسي الفاعل في منطقة الشرق الأوسط، بداية من لبنان وسوريا، ناهيك عن العلاقات المميزة بين باريس وكل دول الخليج.

لقد شكلت قمة بغداد للتعاون والشراكة بداية جيدة لإذابة الجليد الذي علق بالعلاقات الإقليمية، منذ عام 1979 وحتى الآن، وهي فرصة جيدة للبناء عليها.