الخميس - 02 مايو 2024
الخميس - 02 مايو 2024

«تسييس الغاز».. حلول عربية وشرق أوسطية لأزمة الطاقة في أوروبا

«تسييس الغاز».. حلول عربية وشرق أوسطية لأزمة الطاقة في أوروبا

(رويترز)

تواجه أوروبا أزمة غير مسبوقة في إمدادات الغاز التي ارتفعت أسعارها أكثر من 400% هذا العام، وتعددت الأسباب وراء هذه الأزمة، لكن يأتي في المقدمة بدء مرحلة التعافي الاقتصادي بعد انحسار جائحة كورونا، وعودة المصانع الأوروبية التي باتت غالبيتها تعتمد في العمل على الغاز الأقل تأثيراً على البيئة من الفحم. وزاد من أزمة الغاز في أوروبا وقوع بعض المشاكل الفنية في الإمدادات الهولندية والنرويجية إلى القارة العجوز.

لكن يظل «تسييس الغاز» أو استخدام الغاز كسلاح سياسي العنوان الأكبر لهذه الأزمة، حيث اتهم نواب في البرلمان الأوروبي، ومسؤول السياسة الخارجية الأوروبية جوزيب بوريل، روسيا بأنها تستخدم الغاز للحصول على مكاسب جيو سياسية، وهي اتهامات رفضتها روسيا التي تعد المصدر الأول لتوريد «الوقود الأزرق» إلى أوروبا، حيث بلغت إمدادات روسيا لأوروبا عام 2017 نحو 192.2 مليار متر مكعب، تمثل نحو 40% لكل أوروبا، 81% من إجمالي الإمدادات إلى أوروبا الغربية، وفق وكالة رويترز.

وتصدرت روسيا قائمة مصدري الغاز المسال لأوروبا، ووصلت الإمدادات الروسية من الغاز المسال في شهر واحد هو فبراير 2019 لنحو 19 شحنة، بلغ إجمالها 1.41 مليون طن، عبر خط أنابيب الغاز المسال «يامال-أوروبا» الذي يمر من روسيا وبيلاروسيا وبولندا وألمانيا، وفق بيانات مشغل نقل الغاز الأوروبي Gascade. كما تسعى روسيا لعمليات نقل إضافية إلى أوروبا عندما تحصل خطط «نورد ستريم 2» على الموافقات الأوروبية، والذي ينقل الغاز من الساحل الروسي حتى ألمانيا عبر أنابيب أسفل بحر البلطيق. فما هي الأسباب التي فجرت الاتهامات بين أوروبا وروسيا حول قضية الغاز؟ وما هي البدائل أمام الحكومات الأوروبية لتخفيض أسعار الطاقة وتجنب تضخم عميق في العام القادم؟ وماذا عن غاز شرق المتوسط، والغاز الجزائري في هذه المعادلة؟

الطوارئ بسبب الغاز

تفجرت المخاوف الأوروبية من جديد حول خطورة استخدام روسيا لإمدادات الغاز كسلاح، على خلفية النزاع الروسي مع مولدوفا، حيث قال الممثل الأعلى للسياسة الخارجية الأوروبية إن «مولدوفا وقعت ضحية جهود روسيا لاستخدام الغاز الطبيعي في التنمر على جارتها... وإن ارتفاع أسعار الغاز عالمياً، لم يكن نتيجة لاستخدامه كسلاح، ولكن في مولدوفا، فإن هذه هي الحالة».

فبعد انتهاء عقد الغاز بين روسيا ومولدوفا في سبتمبر الماضي، توصلت مولدوفا وروسيا لاتفاق جديد تقول روسيا إن مولدوفا تأخرت في سداد المقابل المالي الخاص به، في حين ترفض مولدوفا رفع الأسعار بنسبة 43%، أي من 550 دولاراً لكل ألف متر مكعب في سبتمبر الماضي إلى 790 دولاراً، وفق ما قال نائب رئيسة وزراء مولدوفا، أندريه سبينو، وهو ما دفع أكثر من 40 برلمانياً أوروبياً لاتهام روسيا باستخدام الغاز كآلية عقابية على فوز الرئيسة مايا ساندو، الداعمة لأوروبا بالانتخابات الرئاسية السابقة، وهي التي تسعى لاستعادة السيطرة على منطقة ترانسنيستريا الانفصالية الموالية لروسيا، وهي أمور دفعت حكومة مولدوفا لإعلان الطوارئ بسبب الغاز في 22 أكتوبر الماضي، بعد أن فشل الاتفاق مع عملاق الغاز الروسي «غازبروم»، وهو أول أمر من نوعه يحدث في أوروبا والعالم.

خطر الاعتمادية

تزود روسيا أوروبا بنوعين من الإمدادات، الأول: هو الشحنات العاجلة والطارئة، والثاني: هو العقود طويلة الأمد، مثل الإمدادات التي تتم عن طريق 3 خطوط رئيسية هي «نورد ستريم 1» الذي يصل روسيا بأوروبا عبر أوكرانيا، وبدأ العمل منذ عام 2012، ويستطيع نقل 55 مليار متر مكعب من الغاز سنوياً. لكن بسبب الخلاف الروسي الأوكراني حول شبه جزيرة القرم ومنطقة دونباس تراجعت الإمدادات إلى 40 مليار متر مكعب فقط، وتحصل أوكرانيا على 1.5 مليار دولار؛ نظير مرور الغاز الروسي في أراضيها لأوروبا.

الخط الثاني: هو «يامال – أوروبا» الذي ينقل الغاز المسال. أما الخط الثالث الذي رافقه الجدل قبل البدء فيه عام 2018 هو «نورد ستريم 2» الذي يصل طوله لـ1230 تحت مياه بحر البلطيق، والذي يتكلف 10 مليارات يورو، وينقل 55 مليار متر مكعب من الغاز من روسيا إلى أوروبا، وأعلنت روسيا استكمال جميع مراحل المشروع في 10 سبتمبر الماضي، بعد تراجع الانتقادات الأمريكية من إدارة جو بايدن، بعد أن كان الكونغرس فرض عقوبات على الخط في عهد الرئيس الأمريكي السابق دونالد ترامب.

وانتظاراً للموافقات القانونية الأوروبية المتوقع أن تصدر في مارس القادم، تفجرت الاتهامات الأوروبية والأمريكية حول تسييس روسيا لملف الطاقة، حيث قال مستشار بايدن لأمن الطاقة، موس هوكستين، إنه يرى روسيا تقترب من استخدام الغاز لأغراض سياسية، فالأمريكيون ومعهم الأوروبيون ينظرون للضغط الروسي على مولدوفا أو رفع أسعار الغاز بأنه يهدف إلى أن يعجل الأوروبيون بإصدار الموافقات القانونية لـ«نورد ستريم 2»، الذي تعارضه بعض الدول الأوروبية، ترى فيه أنه سيعزز المكانة الجيوسياسية، لروسيا من خلال زيادة الاعتمادية الأوروبية على الغاز الروسي.

حلول عربية وشرق أوسطية

فشلت الكثير من الحلول الأوروبية خلال الفترة الماضية لتخفيف أزمة الطاقة والغاز، منها الاقتراح بتخفيض الحكومات الأوروبية للضرائب والرسوم على واردات الغاز، كما أن اقتراح الرئيس الأوكراني، فلودمير زيلينسكي، بتخفيض رسوم المرور على الغاز الروسي بنسبة تصل لـ50% لم تجد آذاناً صاغية من روسيا. ويبقى على الطاولة مقترح المستشارة الألمانية أنجيلا ميركل، الذي يطالب بأن تتم الموافقة على بدء ضخ الغاز في «نورد ستريم 2» بعد توقيع اتفاق بين روسيا وأوكرانيا لتمديد مرور الغاز الروسي عبر «نورد ستريم 1» في الأراضي الأوكرانية لما بعد 2024.

وانتظاراً لحسم الجدل والخلافات الأوروبية مع روسيا، أمام أوروبا مساران؛ الأول عاجل، ويتمثل في رغبة الجزائر في توريد مزيد من الغاز لأوروبا، حسب ما قاله وزير الطاقة الجزائري، محمد عرقاب، وهو ما يعني أن الجزائر قادرة على زيادة حصتها من الغاز في السوق الأوروبية أكبر من الحصة الحالية، التي تقول الجزائر إنها تصل إلى نحو 30%. وزادت الصادرات الجزائرية من الغاز لأوروبا هذا العام بنسبة 94% عن 2020، و بلغت 30 مليار متر مكعب في الشهور التسعة الأولى من هذا العام، وفق وزير الطاقة الجزائري.

ويتمثل المسار الثاني على المدى البعيد في الدعم الأوروبي والأمريكي لمنتدى غاز شرق المتوسط، الذي يضم 7 دول، هي مصر، وإسرائيل، والسلطة الفلسطينية، وقبرص، واليونان، وإيطاليا، والأردن. كما يمكن لأوروبا أن تراهن على استيراد مزيد من الكهرباء بعد توقيع مصر وقبرص واليونان على وثائق الربط الكهربائي، وهو ما يعطي فرصة لربط شبكة الكهرباء الأوروبية مع شبكة الكهرباء مع آسيا، بعد الإعلان عن الربط الكهربائي المصري السعودي الشهر الماضي.