الاحد - 05 مايو 2024
الاحد - 05 مايو 2024

تجارة الأسلحة تزدهر في لبنان.. رغم انهيار الليرة

تجارة الأسلحة تزدهر في لبنان.. رغم انهيار الليرة

(رويترز)

تزدهر تجارة الأسلحة الفردية في لبنان من مسدسات إلى قذائف «آر بي جي»، بحسب تجار أسلحة، ما يعكس تزايد مخاوف اللبنانيين من تردي الأوضاع الأمنية وقلقهم على سلامتهم الشخصية وعائلاتهم وممتلكاتهم.

لطالما كان امتلاك السلاح الفردي ظاهرة شائعة في لبنان حتى قبل سنوات الحرب الأهلية في السبعينيات والثمانينيات من القرن الماضي. غير أن اللافت للنظر أنه بعد مرور أكثر من 30 سنة على نهاية الحرب، تشير تقديرات دولية إلى وجود نحو مليوني قطعة سلاح بين أيدي اللبنانيين وفي خزائنهم.

يقول 3 تجار سلاح من مناطق لبنانية مختلفة تحدثت إليهم «أسوشيتد برس» إن السعي لشراء قطع سلاح فردية تزايد في الشهور الماضية، برغم أن أسعارها تراوح من مئات إلى آلاف الدولارات، في ظل أسوأ أزمة اقتصادية تشهدها البلاد في تاريخها، والتي تركت آثارها على مختلف مناحي الحياة، ومن ذلك شعور اللبنانيين بالخوف من انفلات القبضة الأمنية لأجهزة الدولة، وحاجتهم إلى حماية أنفسهم بأنفسهم، مع تزايد معدلات الجريمة.

ازدياد معدلات الجريمة

ونشرت شركة «الدولية للمعلومات» للدراسات الإحصائية إحصاءات تشير إلى أنه خلال الأشهر العشرة الأولى من عام 2021، ازدادت معدلات الجريمة، مقارنة بالفترة ذاتها من عام 2019، بنسب مخيفة. فسرقة السيارات بلغت زيادتها 212%، وجرائم السرقة 265%، بينما قفزت جرائم القتل 101% (من 89 جريمة قتل إلى 179).

كل ذلك رغم أن وزارة الدفاع اللبنانية أعلنت في مارس الماضي تجميد تراخيص حمل السلاح. وفي السياق، أصدر الجيش اللبناني بياناً قبل نحو أسبوع، عن حصيلة شهر أكتوبر الماضي، قال فيه إنه اعتقل 486 شخصاً من جنسيات مختلفة لتورطهم بجرائم متعددة، من بينها «تهريب وحيازة أسلحة»، وصادر 118 سلاحاً من مختلف الأنواع.

رغم هذا الحظر، يزداد الإقبال على امتلاك أسلحة فردية خارج إطار القانون، فقال تاجر سلاح يعمل في مناطق الجبل المشرفة على بيروت، طلب عدم الكشف عن هويته، بسبب حساسية نشاطه، إنه يبيع 300 بندقية آلية شهرياً، وإن هناك زيادة في الشراء بنسبة 60%، خاصة بعد الاشتباكات التي اكتسبت طابعاً طائفياً في منطقتي خلدة (في الأول من أغسطس الماضي) والطيونة (في 14 أكتوبر الماضي)، وأوقعت عشرات الضحايا بين قتيل وجريح.

الحماية الشخصية

وقال التاجر: «من يأتي لشراء سلاح، يكون هدفه تأمين الحماية الشخصية لنفسه، وحماية الأموال الموجودة في المنازل حيث بات العديد من الناس يحتفظون بأموالهم في بيوتهم» بعد قرار البنوك في 2020 احتجاز أموال المودعين ووضع قيود مشددة على سحبها أو التصرف بها.

ولا تتوفر إحصاءات رسمية في لبنان حول عدد قطع السلاح لدى المواطنين، والقوى الحزبية اللبنانية المختلفة، بالإضافة إلى الفصائل الفلسطينية، إذ يحتفظ كثيرون بأسلحتهم الفردية منذ نهاية الحرب الأهلية عام 1990، لكن خلال الحرب التي اندلعت في سوريا قبل 10 أعوام، ازداد نشاط تهريب الأسلحة عبر الحدود من لبنان وإليه. غير أن تراجع أوزار الحرب السورية نسبياً، وجه حركة التهريب أكثر باتجاه لبنان.

الترتيب الثاني عربياً

وبحسب موقع «مراقبة الأسلحة الصغيرة» السويسري الناشط في مجال رصد ومكافحة انتشار الأسلحة الفردية على مستوى العالم، توجد 31.9 قطعة سلاح فردي لكل 100 شخص في لبنان، ما يعني أن الرقم الإجمالي لقطع السلاح 1.927 مليون قطعة لعدد السكان يقدر بنحو 6.769 ملايين نسمة، ما يعني أن لبنان يحتل الترتيب الثاني عربياً بعد اليمن، والتاسع عالمياً، في عدد قطاع السلاح الفردي، ويتفوق حتى على العراق الغارق في فوضى أمنية وسياسية منذ 20 سنة.

يقول تاجر آخر، رفض بدوره الكشف عن اسمه، وهو رجل خمسيني ينشط في إحدى ضواحي بيروت، إن البيع زاد كثيراً مؤخراً، خاصة بعد التهريب من سوريا عبر سهل البقاع وصولاً إلى بيروت، مقدراً الزيادة أيضاً، كتاجر الجبل، بنحو 60%. وقال إنه يبيع شهرياً بين 15 و20 قطعة سلاح من مسدسات وبنادق إلى قنابل يدوية.

من الهواية إلى البلطجة

ولفت التاجر الخمسيني إلى أن غالبية المشترين هم من الشباب المدنيين والحزبيين وعدد قليل من كبار السن، وأن ازدهار هذه التجارة قائم في كل لبنان، من بيروت والضاحية الجنوبية وأحياء شرقي بيروت، وأن من يشتري هدفه إما تأمين الحماية لنفسه، أو في إطار هواية اقتناء سلاح، أو لممارسة «النفوذ والبلطجة».

يجري هذا النشاط التجاري المحظور قانونياً برغم انهيار قيمة الليرة اللبنانية. لهذا يتعامل هؤلاء التجار بالدولار، وأحياناً بما يعادله بالليرة وفق سعر الصرف اليومي في السوق السوداء. ويقول تاجر الجبل إن الأسعار تراوح بين 500 دولار، خاصة بعض أنواع المسدسات، وقد تصل إلى 4500 دولار، خاصة البنادق الآلية المتطورة.

تاجر ثالث يبلغ من العمر 35 سنة، طلب أيضاً عدم الكشف عن هويته ولا مكان نشاطه التجاري، أشار إلى أنه يعمل في هذا المجال منذ كان في الـ18 من عمره، من أحد أطراف بيروت. وقال إنه باع بندقية متطورة لأحد الميسورين مالياً مقابل 12 ألف دولار.

البعد الطائفي

وقال التاجر الثلاثيني «غالبية السلاح يأتي من البقاع، ويوزع على باقي المناطق. لا نعرف أين ينشط البيع أكثر لأن كل تاجر يقصر اهتمامه على زبائنه ومنطقته».

تقول أستاذة العلوم الاجتماعية في الجامعة اللبنانية الباحثة خديجة مصطفى: «من وجهة نظر علم الاجتماع، فإن اقتناء السلاح الفردي في المجتمعات الغربية يكون عادة من أجل الحماية الشخصية، لكن في المجتمعات العربية، منها اللبناني وبخاصة المجتمعات الطائفية، يخرج اقتناء السلاح من الطابع الفردي إلى الطابع الطائفي، وكأن المطلوب حماية الطائفة ومكانتها وقوتها، أمام الطائفة الأخرى».

إلا أن التاجر الثلاثيني يقول: «نحن التجار لا نسأل بعضنا عن البيع، ولا نسأل عن الأسباب، ولا نطرح أي أسئلة كي لا نثير خوف المشتري».