الجمعة - 26 أبريل 2024
الجمعة - 26 أبريل 2024

«كردستان العراق».. إقليم جاذبٌ للاستثمارات.. طاردٌ لأبنائه

«كردستان العراق».. إقليم جاذبٌ للاستثمارات.. طاردٌ لأبنائه

تحقيق الاستقرار السياسي سينعكس على الوضع المعيشي. (إي بي أيه)

حتى الآن ربما لم تعرف الكثير من العائلات الكردية العراقية مصائر أبنائها الذين طرقوا أبواب أوروبا عبر هجرة غير شرعية، رغم ما تسعى إليه حكومة بلادهم من تقديم إقليم كردستان كمنطقة مستقرة ومنتعشة اقتصادياً، بالمقارنة بسائر محافظات العراق.

تباينت وجهات المهاجرين، وجمعتهم خيبة الأمل في تحقيق أحلامهم. ومنذ الشهر الماضي تسير الحكومة العراقية رحلات الطيران العارض لإعادة أكثر من 3100 عراقي من بيلاروسيا.

بعضهم علقوا على الحدود البيلاروسية-البولندية، ضحايا حسابات جيوسياسية إقليمية أوسع من كونها خلافات بلدين، في أزمة شهدها العالم، بالصوت والصورة، على مدار الشهر الماضي.

البعض الآخر غامر بعبور بحر المانش، أملاً في أن تطأ أقدامهم الأراضي البريطانية، ما لم يمهلهم إياه القدر، عندما تسرب الهواء إلى قاربهم المطاطي أثناء عملية العبور غير القانونية من شمال فرنسا إلى بريطانيا يوم 24 نوفمبر الماضي، ما تسبب في سقوطهم في أعماق مياه القناة.

حتى يوم الجمعة الماضي، ورغم مضي أكثر من أسبوعين على الفاجعة التي راح ضحيتها 27 مهاجراً، شُوهت ملامحهم، ما عقد عملية التعرف على هوياتهم، عثر صيادون على جثة في إحدى شباك سفينتهم، قبالة ميناء كاليه الفرنسي. ومع صعوبة التعرف على الملامح، ما زال المحققون يبحثون ما إذا كانت الجثة مرتبطة بانقلاب قارب مهاجرين في القناة الإنجليزية الشهر الماضي.

نهضة عمرانية

ومن بين أسماء دول عدة، مثل سوريا وأفغانستان وتركيا وإيران، ينتمي إليها أولئك المهاجرون، تصدر إقليم كردستان العراق مكانة متقدمة في قائمة المناطق الطاردة لأبنائها. ووفقاً للتقديرات، فإن حوالي 70% من المهاجرين في بيلاروسيا جاؤوا من العراق، ثلاثة أرباعهم تقريباً من إقليم كردستان.

فلماذا لم يعد شباب الإقليم يرغب في البقاء، رغم كل ما تروج له حكومة رئيس وزراء كردستان مسرور بارزاني عن المشاريع الاستثمارية، من فنادق ومدارس وجامعة ومنتجعات سياحية، فضلاً عن جذب رجال الأعمال الأجانب، والنهضة العمرانية في الإقليم المتمتع بالحكم الذاتي منذ مارس 1970.

مكافحة الفساد

ولدى إعلانه عودة أكثر من 400 مهاجر عراقي إلى ديارهم «طواعية» من منطقة الحدود البولندية البيلاروسية، دعا برزاني إلى «تعاون استراتيجي بعيد الأمد بين الإقليم والعراق والاتحاد الأوروبي للحد من الهجرة غير الشرعية». وفي تصريح لافت، أردف: «العراق لا يحتاج إلى مساعدات مالية، البلد لديه أموال كافية. لكننا بحاجة ماسة إلى دعم في تطبيق إصلاحات ضرورية وفي مكافحة الفساد».

وحول هذا الوضع، قال الكاتب العراقي عباس عبود سالم إن «ما يعانيه المواطن العراقي في إقليم كردستان وما لمسناه في أزمة المهاجرين يعود للوضع المعيشي الصعب.. واردات الإقليم من تخصيصات الموازنة الاتحادية، إضافة لما يُصدره من نفط، وكذلك من إيرادات المنافذ الحدودية والجمارك والسياحة، وأيضا مدخولات الاستثمارات لا بأس بها، هناك حركة إعمار واضحة في أربيل ومناطق أخرى».

لكنه استدرك، في حديث خاص، «في المقابل، واقع حال المواطن مختلف، فحالته المعيشية صعبة، وفرص العمل قليلة، هذا أدى بالسكان إلى محاولة الهجرة أو التعبير عن مطالبهم بتحسين المعيشية من خلال المظاهرات لا سيما احتجاجات الطلبة في السليمانية».

تناقض صارخ

كان تصريح البرزاني بمثابة إقرار بأن «البلد لديه أموال كافية» وبأن الأزمة تكمن في «الحاجة الماسة إلى.. مكافحة الفساد». ويعتبر الكثيرون من أبناء الإقليم أن ما يجري فيه من نهضة عمرانية ومشاريع استثمارية لا يستفيد منها سوى «طبقة اجتماعية واحدة»، هم الأغنياء، فيما لا يتسنى للغالبية العظمى من الشباب الحصول على وظائف مرموقة أو السفر أو شراء منزل أو الحصول على تعليم لائق أو خدمة صحية مناسبة.

وقال سالم إن «الفساد الإداري المستشري في الإقليم والبلاد» هو السبب وراء ما يعانيه المواطنون من وضع معيشي صعب. ولفت إلى أن «الوضع الغريب أيضاً بين الإقليم والعاصمة العراقية بغداد»، يؤديان إلى عدم الاستقرار الاجتماعي الذي يعانيه الإقليم.

هوية الإقليم

وأوضح «علاقة إقليم كردستان ببغداد لا تشبه أي علاقة إقليم بمركز في الدول الاتحادية الفيدرالية مثل الولايات المتحدة.. الوضع في كردستان مختلف تماماً، يقترب من أن يكون دولة مستقلة، ويمارس سلطات مستقلة على الرقعة الجغرافية التي يمثلها، بما فيها الهيمنة على الثروات الطبيعية التي يمتنع عن تزويد المركز بها».

وأضاف سالم «الثروات الموجودة في الإقليم تُنتج وتُصدر من قبل سلطات كردستان، بالتعامل مع شركات أجنبية دون المرور ببغداد، التي تطالب بتزويدها بإيرادات النفط المصدر عبر الإقليم. لكن كردستان تمتنع».

وأشار إلى أن «لإقليم كردستان حصة ثابتة في الموازنة الاتحادية، وبغداد تدفع بانتظام حصته دون أن تدفع أربيل ما عليها من إيرادات المنافذ الحدودية الكثيرة والرسوم والضرائب الجمارك وعائدات الثروات الطبيعية.. لذلك فإن المفاوضات بينهما عويصة وتدخل في نفق مسدود».

وقال «هكذا نجد أن مناطق إقليم كردستان لا هي محافظة عراقية تخضع لما تخضع له سائر المحافظات مثل البصرة والأنبار وصلاح الدين، ولا هي دولة مستقلة. هي لها وضع خاص. لها إدارة فوق المحلية، وعلاقات دولية، ولها تمثيل خارجي ومكاتب في بعض الدول، ولها تعاملات منفردة مع شركات عالمية، لذلك يحدث هذا التقاطع مع الحكومة العراقية».

كذلك، أكد سالم أن كردستان «لا تخضع للرقابة والنزاهة ولا للسلطات الاتحادية، ففيها سلطات تكاد تكون مستقلة عن سلطة بغداد، وهو الوضع الذي يعقد الوضع المعيشي». وختم: «لا بد من عقد سياسي جديد يحدد هوية الإقليم.. إقليم أم دولة.. فيدرالية أم كونفيدرالية.. فإذا تحقق الاستقرار السياسي سينعكس ذلك على الوضع المعيشي».