الاثنين - 29 أبريل 2024
الاثنين - 29 أبريل 2024

«سلام ترامب» | 115 مسودة بين الإمارات وإسرائيل قبل الاتفاق الإبراهيمي (2-5)

«سلام ترامب» | 115 مسودة بين الإمارات وإسرائيل قبل الاتفاق الإبراهيمي (2-5)

إقلاع أول رحلة تجارية إسرائيلية إلى الإمارات في بداية ديسمبر الماضي.

  • نتنياهو حاول التراجع عن اتفاقية السلام قبل بيان دونالد ترامب بـ24 ساعة
  • عطل فني في البيت الأبيض أعاق «الاتصال الثلاثي» لمدة 10 دقائق
  • موقف مريب قاد مستشار ترامب لتوبيخ رجل إسرائيل في واشنطن
  • كوشنر: «قلت لنتنياهو إن الهدف تطبيق خطة ترامب لا تنفيذ عملية الضم
  • ما الاسم الذي يمكن إطلاقه على الاتفاق؟.. ميغيل كوريا يحسم الأمر

في الحلقة الثانية من ترجمة وعرض كتاب «سلام ترامب: اتفاقات أبراهام وتحوُّل الشرق الأوسط»، يواصل الكاتب الإسرائيلي باراك رابيد رصد كواليس إبرام اتفاقات السلام؛ ويعود إلى البيت الأبيض، حيث الاجتماع الجدلي بخصوص إصرار نتنياهو على تفعيل خطة ضم الضفة، وتحذير ترامب من تبعات تنفيذ الخطة. ويقول المؤلف في كتابه الأحدث والأوسع جدلاً في إسرائيل، إن الاجتماع العاصف انفض بعد اتفاق على قرار واحد، وهو أن يعود سفير الولايات المتحدة لدى إسرائيل ديفيد فريدمان لتل أبيب، ويرافقه على الطائرة موفد البيت الأبيض آفي بروكوفيتش، لعقد لقاء مع نتنياهو ووزير الجيش بيني غانتس، وتحديد ما إذا كان من الممكن بلورة مسار متفق عليه لأية عملية ضم، أو إسقاط الموضوع من جدول الأعمال اليومي حتى إجراء انتخابات الرئاسة الأمريكية.



وضع مربك للغاية

قبل توجه بروكوفيتش إلى إسرائيل، أجرى كوشنر اتصالاً هاتفياً بنتنياهو، وأبلغه بأن أية عملية ضم يجب حصولها على موافقة أمريكية، ولابد أن تتضمن أيضاً مقابلاً للفلسطينيين. وفي حديث خاص مع المؤلف، قال كوشنر: «قلت لنتنياهو إن الهدف تطبيق خطة ترامب، وليس تنفيذ عملية ضم أحادية الجانب».

حين وصلا إلى إسرائيل، عقد بروكوفيتش وفريدمان 3 لقاءات مع نتنياهو خلال 4 أيام. اللقاء الأول كان صاخباً، إذ عصف نتنياهو ببروكوفيتش، وقال بعد دقائق من بداية اللقاء: «عليك أن تتوقف تماماً عن تسريب معلومات للكاتب الصحافي باراك رابيد». أعرب المبعوث الأمريكي عن احتجاجه، وقال له إن عباراته جارحة. فيما نقل المؤلف عن أحد مستشاري نتنياهو قوله، إنه لم ير نتنياهو قبل ذلك على هذه الحالة من انعدام الدبلوماسية، وأضاف: «كان الوضع مربكاً للغاية».

حوافز فلسطينية

لبضع دقائق، غادر ديفيد فريدمان غرفة اللقاء، فوجَّه بروكوفيتش حديثه إلى نتنياهو قائلاً: «لا أعلم ما قاله لك فريدمان؛ لكن المفاوضات التي جرت لدى الرئيس حول الضم لم تكن جيدة نهائياً». وأبلغ بروكوفيتش نتنياهو بأن الرئيس ترامب لا يرغب في عملية ضم أحادية الجانب، مؤكداً أن عملية ضم إسرائيلية للضفة الغربية، يجب أن ترافقها حوافز لصالح الفلسطينيين. مقت نتنياهو ما سمع من بروكوفيتش، وبدأت نبرات صوته في الارتفاع مجدداً، وهدد بالتقدم في عملية ضم الضفة الغربية، حتى دون الحصول على ضوء أخضر من البيت الأبيض؛ وقال نتنياهو لبروكوفيتش: «أنتم لا توفون بوعودكم لي»؛ فحذره الموفد الأمريكي من أن الإقدام على تلك الخطوة، يقود الرئيس إلى التغريد ضده على «تويتر».

العصا والجزرة

بعد يومين من اللقاء الأول، التقى بروكوفيتش وفريدمان للمرة الثانية نتنياهو. وأبدى رئيس الوزراء خلال اللقاء رغبته في ضم 13% من الضفة الغربية؛ وهى مساحة كل مستوطنات الضفة. في المقابل، لم يوافق على منح الفلسطينيين أي شيء تقريباً. وفي نهاية اللقاء، اتصل بروكوفيتش بكوشنر. لقد بدا كلاهما محبطاً ويائساً؛ لكنهما قررا حينئذ عرض الجزرة بدلاً من العصا على نتنياهو، ووضعا على الطاولة مبادرة سفير الإمارات العربية المتحدة، التي عرضها عليهما قبل ما يربو على العام.

غداة يوم 30 يونيو، وقبل يوم من الموعد الذي حدده نتنياهو لتنفيذ خطة الضم، التقى بروكوفيتش رئيس الوزراء للمرة الثالثة، وسأله عن موافقته على التخلي عن خطة الضم في مقابل السلام مع الإمارات العربية المتحدة. كان نتنياهو متشككاً، لكنه وافق على التباحث حول ذلك في مقابل مواصلة التفاوض حول إشكالية الضم.

وفي 1 يوليو، عاد بروكوفيتش أدراجه إلى واشنطن، لكنه كان منهكاً ومكتئباً. في السيارة، وفي طريقه من المطار إلى البيت الأبيض، رنَّ هاتفه. كان سفير الإمارات العتيبة على الخط، فقال له بروكوفيتش: «لقد طرح نتنياهو إمكانية تراجع إسرائيل عن خطة الضم في مقابل السلام مع أبوظبي»؛ فرد عليه العتيبة: «ربما لن يمكنك تصديقي، لكني توقعت ذلك، وراودني هذا الإحساس منذ الأمس».



احتضار الضم

أطلع بروكوفيتش صهر ترامب على ما دار في المكالمة التي تلقاها من العتيبة؛ فرد عليه كوشنر: «يمكننا العمل على ذلك». وأطلع بروكوفيتش أيضاً ديفيد فريدمان على تلك التطورات؛ ما حدا بالأخير، الذي أدرك احتضار مشروع الضم، إلى البحث عن سُلَّم للهبوط من أعلى الشجرة. لقد تحمَّس جداً للفكرة، ونقل رسالة بهذا الخصوص إلى ديوان رئاسة الوزراء الإسرائيلي؛ وبينما ظل نتنياهو متشككاً حتى هذه اللحظة، لكنه وافق على خوض مفاوضات بهذا الخصوص.

بعد عدة أيام بدأت العملية التفاوضية؛ وفي حين مثَّل السفير رون ديرمر الطرف الإسرائيلي، مثَّل السفير العتيبة الإمارات. لكن المفاوضات لم تكن مباشرة بين الطرفين، ولعب البيت الأبيض دور الوساطة فيها؛ إذ تناقل كوشنر وبروكوفيتش الرسائل بين الجانبين. ودارت المحادثات بهذه الطريقة، نظراً لرغبة الإماراتيين في التزام نتنياهو بخصوص قضية الضم أمام الرئيس ترامب، وليس أمامهم فقط.

خلال شهر يوليو، تواصلت المفاوضات بين الجانبين؛ وكانت القاعدة الرئيسية في الاتفاق هي: تطبيع كامل العلاقات في مقابل وقف مبادرة الضم. لكن التفاوض حول التفاصيل كان معقداً للغاية. وقال بروكوفيتش إن الجانبين تبادلا ما يقرب من 115 مسودة، حتى جرى التوصل إلى الاتفاق.

رغم ذلك لم تتوقف المشاكل؛ فخلال عملية المفاوضات، اتصل ديرمر ببروكوفيتش، وأبلغه رغبة نتنياهو في تعديل بنود الصفقة، وقال إنه (نتنياهو) لن يوقف عملية الضم، إلا إذا وافقت 3 دول عربية على تطبيع العلاقات مع إسرائيل، وليس الإمارات العربية المتحدة فقط. وقال ديرمر لبروكوفيتش: «وإلا لما استحق الأمر ذلك (التراجع عن الضم). بروكوفيتش أبلغ كوشنر، الذي انزعج جداً؛ وقال لبروكوفيتش: «أبلِغ رون ديرمر بأن دولة واحدة هي كل ما يمكنه الحصول عليه، وإذا لم يرغب في ذلك، فيمكنه الذهاب إلى الجحيم». نقل بروكوفيتش الرسالة ولكن بلغة أقل حدة؛ وقال للسفير الإسرائيلي: «أقول لك بلُطف: أحصل فقط على المتاح لك».

تصريح نتنياهو المفاجئ

في 26 يوليو، تم التوصل إلى الاتفاق، لكن الأمر كان يتطلب ما يربو على أسبوعين آخرين حتى يتم إعلان الاتفاق. وكان أحد أسباب الإرجاء، هو حاجة الإماراتيين حينئذ إلى أسبوع، لإجراء عملية تشاور داخلية بين حكام الإمارات، للمصادقة على الخطوة. في 3 أغسطس، وبعد أسبوع من وصول الأطراف إلى اتفاق، فوجئ البيت الأبيض بتصريح نتنياهو أمام جلسة كتلة «الليكود» في الكنيست، بأن خطته الرامية إلى ضم الضفة لم تسقط من جدول الأعمال. ووفقاً لما قاله أحد مستشاري نتنياهو للمؤلف، كان رئيس الوزراء مضطرباً جداً في هذه الفترة، لدرجة عجزه عن تحديد ما إذا كان التراجع عن خطة الضم في مقابل التطبيع صائباً. أما المؤلف نفسه فيقول: «كانت تصريحات بنيامين نتنياهو في هذه الجلسة، بمثابة إنذار لما قد يحدث بعد أيام من إعلان الاتفاق.

موقف دراماتيكي

الاتصال الهاتفي بين صاحب السمو الشيخ محمد بن زايد آل نهيان، ولي عهد أبوظبي، نائب القائد الأعلى للقوات المسلحة، وترامب، ونتنياهو، الذي كان مقرراً بعده إصدار بيان أمريكي حول الاتفاق، جرى تحديده في 13 أغسطس؛ إلا أنه قبل 24 ساعة من ذلك، حدث موقف دراماتيكي، لم يُعلَن عنه قبل ذلك، إلا على صفحات هذا الكتاب، حسب باراك رابيد، مشيراً إلى أن صيغة اتفاق السلام النهائية أصبحت جاهزة، ووافقت كل الأطراف على صيغة البيان، فضلاً عن تدوين توقيت الاتصال الهاتفي في جدول أعمال الزعماء الثلاثة؛ لكن نتنياهو أصاب الجميع بالذهول، حين تراجع عن كل شيء في هذا التوقيت الحرج.

اتصل السفير الإسرائيلي، رون ديرمر، ببروكوفيتش، وأبلغه بإلغاء كل ما تم الاتفاق عليه. وقال لمبعوث البيت الأبيض نصاً: «ربما يتجه رئيس الوزراء إلى الانتخابات، ولا أعلم ما إذا كنا نستطيع إبرام هذا الاتفاق». لم يصدق بروكوفيتش ما سمعت أذناه؛ لكن ديرمر أوضح: «هناك أزمة ائتلافية حول آخر موعد لتمرير الميزانية، وهو 25 أغسطس، ويؤشر الواقع إلى احتمالية حل الحكومة في غضون 48 ساعة؛ لذا يعتقد نتنياهو أن التوقيت ليس مناسباً لإعلان الاتفاق مع الإمارات العربية المتحدة».

تميَّز كوشنر من الغيظ، ولم يستطع تصور كيفية مرور أسابيع طوال على مفاوضات حساسة وسريَّة، وانتهائها باتفاق تاريخي، ويريد نتنياهو في نفس الوقت، إلقاء كل ذلك في سلة المهملات بسبب توازنات سياسية داخلية. وقال كوشنر لحاشيته: «أبلغوا الإسرائيليين بأننا لن نلغي ما جرى الاتفاق عليه تحت أي ظرف. لقد فعلنا ذلك، ولن يبرحوا تقديم الشكر لنا على طول المدى».

لحظات حمقاء

ويعود بروكوفيتش بذاكرته إلى الوراء: «لقد كانت لحظات حمقاء». السفير الأمريكي، ديفيد فريدمان، الذي زار واشنطن حينذاك، للتواجد إلى جانب الرئيس ترامب في المكتب البيضاوي خلال المكالمة الهاتفية الثلاثية، اتصل بديوان رئيس الوزراء في القدس، وواصل الصراخ في رجال نتنياهو لدقائق طويلة. كما اتصل فريدمان مرة أخرى بالسفير ديرمر، قائلاً: «رون، غداً سيحدث ما اتفقنا عليه، ولم يعد أمامكم خيار آخر». استوعب نتنياهو الرسالة، وبعد عدة ساعات سادها التوتر، واصل الجانبان التحرُّك إلى الأمام مجدداً.

مغزى تاريخي

في هذا التوقيت، ما برح سؤال محوري يفرض نفسه: ما الاسم الذي يمكن إطلاقه على الاتفاق؟ صبيحة إعلان البيان التاريخي، دخل مسؤول ملف الخليج في مجلس الأمن القومي الأمريكي، الجنرال ميغيل كوريا، إلى مكتب بروكوفيتش، وقال له: «اتفاقات أبراهام»؛ فرد عليه المبعوث الأمريكي متسائلاً: «ماذا تعني باتفاقات أبراهام؟»؛ ففسر كوريا قصده: «هذا هو الاسم الذي ينبغي إطلاقه على الاتفاق بين إسرائيل والإمارات العربية المتحدة». اعترف بروكوفيتش بتوفيق كوريا في اختيار الاسم المناسب، نظراً لانطوائه على مغزى تاريخي وديني عميق لدى كل الأطراف الضالعة في الاتفاق. وقال بروكوفيتش لكوريا: «لا أود تقديم هذا الاسم بنفسي، حتى لا يُنسب لي اختياره. يمكنك أنت طرح الاسم على كوشنر لنرى انطباعه».

دلف الاثنان إلى مكتب كوشنر، وعرض كوريا عليه الاسم الذي ابتكره. أمعن كوشنر النظر طويلاً في المسؤول الأمني، ثم ابتسم. أسرع بروكوفيتش في الدفاع عن نفسه: «ليست هذه فكرتي»؛ فانتفض كوشنر لتهدئته: «آفي (بروكوفيتش) إنه اسم ممتاز». بعد ذلك بفترة، دخلوا جميعاً لإعداد ترامب للمكالمة الهاتفية المزمعة، وأبلغوه بالاسم الذي اختاروه للاتفاقات؛ فرد عليهم الرئيس: «اتفاقات ترامب اسم أفضل بكثير من ذلك، لكني أوافق على اختياركم».

مجهود صعب

بعد ساعة من ربط الخطوط الثلاثة لإجراء المكالمة التاريخية، أصبح ولي عهد أبوظبي، وترامب، ونتنياهو على الخط. إلا أن الخط مع مع ولي عهد أبوظبي سقط فجأة. وخلال عشر دقائق، حاول فنيو البيت الأبيض إعادة ولي العهد أبوظبي مجدداً إلى المكالمة. ويقول السفير يوسف العتيبة في حديث خاص مع المؤلف: «تعرَّقت يداي خلال هذه الدقائق. بعد كل هذا المجهود الصعب، لا يخرج عملنا إلى النور بسبب عطل فني؟». في نهاية المطاف نجح فنيو البيت الأبيض في إعادة الخط للعمل. وبعد مباركة الزعماء الثلاثة للاتفاق، قال ولي عهد أبوظبي: «هذا أفضل شيء حدث في 2020». وفور نهاية المكالمة، جاءت لحظة ترامب ليفاجئ العالم بأسره بالكشف عن الاتفاق، الذي ظل حتى حينه سراً دفيناً. لقد أعلنه عبر حسابه على «تويتر»، بعد إصدار أوامره للمبعوث الأمريكي المطيع آفي بروكوفيتش بالضغط على أيقونة «إرسال».