السبت - 04 مايو 2024
السبت - 04 مايو 2024

«حق الرد» | أحكام مسبقة حول حرية الوصف والبحث في "الرسائل الخليجية"

«حق الرد» | أحكام مسبقة حول حرية الوصف والبحث في "الرسائل الخليجية"

57680422._SY475_

طالعت باهتمام شديد مقالا للدكتور عبد الخالق عبد الله أستاذ العلوم السياسية، منشوراً بموقع صحيفتكم الرؤية الإلكترونية بتاريخ 5 يناير 2022 بعنوان «رسائل خليجية.. بعيون عربية»، ينتقد فيه كاتب المقال كتاب «الرسائل الخليجية» الذي اشترك في كتابته اثنان وعشرون كاتباً عربياً، وأشرف عليه كل من الأستاذين سامي كليب وفيصل جلول. ولعل سبب اهتمامي بما دونه الدكتور عبد الله، مرده إلى أنني قرأت سابقاً الكتاب موضوع النقد، ولدي دراية بمحتواه، كما أنني اشتركت سابقا مع الأستاذين كليب وجلول وكتاب آخرين في إصدار كتاب مشترك بعنوان «القضية الفلسطينية في مئويتها الثانية من سايكس بيكو إلى الربيع العربي» وكان هذا الكتاب تجربة مهمة بالنسبة لي في مسيرتي في مجال الكتابة أضافت لي الكثير.

فقد جمعتني هذه التجربة، بالإضافة إلى الكاتبين المشار إليهما، بكتاب عرب لامعين آخرين على غرار رشاد أبو شاور وحياة الحويك عطية وأحمد بهاء الدين شعبان وغيرهم، فاعطتني إحساسا بانتماء فعلي إلى أمة يشترك كتابها في الهموم، ويشخصون بصورة جماعية مواطن الخلل، ويقدمون المقترحات لكيفية الخروج من هذا الوضع المزري الذي وجدت قضية العرب المركزية نفسها غارقة فيه.

وأتذكر جيداً أنني التقيت الأستاذ فيصل جلول في العاصمة التونسية، منذ سنتين تقريبا، وحدثني عن بعض مشاريع كتبه المشتركة، ولمته بلطف الصديق المحب عن سبب عدم إنجازه لكتاب «الرسائل التونسية» أسوة بالرسائل الأخرى لما علمته من نبل غاياته من وراء إصدار مثل هكذا كتب. كما أن ما جعلني أطلب من الأستاذ فيصل جلول تخصيص كتاب جماعي لتونس هو حجم الود والمشاعر الصادقة والفياضة التي بعث بها كتاب «القضية الفلسطينية في مئويتها الثانية من سايكس بيكو إلى الربيع العربي» إلى فلسطين الغالية فأردت أن أشعر بالمحبة ذاتها لقرطاج سيدة المتوسط لقرون وإلى شعبها المكلوم منذ عشرية من الزمان في كتابات أبناء أمتها، وهو الحب ذاته الذي لمسته لاحقا في «الرسائل الخليجية» التي تفيض مودة لتلك المنطقة الغالية على قلوبنا من العالم العربي، أي منطقة الخليج. لذلك تفاجأت من نقد الدكتور عبد الله الذي قابل كل ذلك الود الذي تمنيته نحو الخضراء، بنوع من الجفاء، واتهام الكتاب بعدم زيارة المدن التي كتبوا عنها.



إن نصوص الرسائل الخليجية هي نصوص حرة وغير مقيدة بمنهج بحثي بعينه ولا يجوز تقييدها بمنهج فتتحول إلى رسالة ماجستير أو أطروحة دكتوراه، خاصة وأن ميزة الكتاب أنه متنوع وغير ممل ويتضمن نصوصاً مختلفة، منها ماهو وصفي يقترب من أدب الرحلة، ومنها ماهو انتروبولجي يتناول على سبيل المثال ظاهرة التخاشم التي تشبه سلام اليابانيين.


ولعل الانتقاء الذي يمارسه الدكتور عبد الله للنصوص ليؤثث بها مقاله يثير الشكوك، فهو يعلق على نص وصفي للدوحة يلخص فيه الكاتب تجربته الخاصة، ويغفل الحديث عن بحث معمق عن الدوحة كتبه البروفسور سيار الجميل في الكتاب.

كما تجاهل الكاتب الإشارة إلى نص الدكتور جمال فياض الذي يتحدث عن انتقال صناعة الثقافة والإعلام من مصر وبيروت إلى الخليج، ونص الرواية الخليجية لنوال الحوار، ونص دبي الذي يتحدث عن دور عائلات المدينة في تطورها وعن دور الإمارات عموما في هذا الربع قرن الذي يتحدث عنه الكاتب، ولم يتحدث عن نص مسقط وهو بمثابة رسالة حب للعمانيين. فهل كان ذلك عن حسن نية؟

لقد كان بإمكان الكاتب لو أراد، وتوفرت النوايا الحسنة أن ينظر إلى نصي الكويت بعين موضوعية لصحافيتين تريان المدينة بدهشة الأطفال وصدق مشاعرهما واحد النصين يتحدث عن لجم الطائفية في حادث معين ولا ينفي وجودها ووجود القبلية كما قال الكاتب.

إن المتأمل في حديث كاتبنا عن نص أبو ظبي يستشف أنه يذهب بعيدا في حكمه المسبق، فهذا النص كتبه دبلوماسي مغربي في الأمم المتحدة عاش سنوات في المدينة وأحبها من القلب وأمكنه ان يقدمها لقارئ عربي لا يعرفها أجمل وأحسن تقديم بل أمكنه أن يكسر الكليشيات المنتشرة حولها والصورة النمطية التي تُظهر سيارات مطلية بالذهب وجمال تتجول على الشواطيء بين سابحات شقروات. أما نص المدينة المنورة فهو يتحدث عن الوجه الموريتاني للمدينة التي ترتسم قيمتها وأهميتها من وجوه المسلمين الذين ينسون عيونهم على حاراتها ومساجدها وعلى أثر رسولنا العربي. فيما يبقى نص مكة الذي يعتبره الكاتب بديهيا، نصا متميزا باعتباره يتعرض للمرة الأولى لدولة قصي جد الرسول العربي ويصف مؤسساتها وسياساتها ونظامها الضريبي. هل قرأت من قبل نصا من هذا القبيل يا دكتور؟ إن النص يبسط ويقرب مكة قبل الإسلام من خلال واقع لا يعرفه العامة الذين يتوجه إليهم كتاب الرسائل أيضا وليس للنخبة حصراً.

أما فصل نزوى فهو بالفعل يتحدث عن هذه المدينة العمانية وعن بيروت كما جاء في المقال، لكن في تخاطر جميل يميز هذه السلسلة التي يمكن فيها للنص الحر أن يصل إلى أعلى مراتب التعبير الإنساني. هذه النصوص يا دكتور شخصية بالأساس والنص عن المدينة ليس بحثا، إنه نص الكاتب وبالتالي يمكن اعتبار المدينة مدينته وليست مدينة ويكي بيديا أو الموسوعات العلمية.

أما ملاحظات الدكتور بشأن النفط فهي ليست موضوعية، باعتبار أن النفط هو النفط، ومراجع الكاتب ليست كلها قديمة كما جاء في المقال، ففيها القديم والحديث على حد سواء. وبما أن المنطقة العربية تعيش من النفط فإن السؤال القديم المتجدد يبقى قائما باستمرار حول مصيرها في حال نضوب هذا النفط. وفي هذا الإطار أوجه سؤال التلميذ لدكتورنا كيف يمكن تناول مسألة النفط؟

ولعل التشهير بالخطأ المتعلق بأكبر جبل في الامارات بمدينة العين يعكس رغبة في تصيد الأخطاء. وقد جرت العادة أن ذوي القامات العلمية العالية لا يسمحون لأنفسهم بمثل هكذا صيد ويترفعون عنه، خاصة وأن كل الكتب تحتوي على أخطاء يتم تصحيحها في الطبعات القادمة والمهم ألا تكون أخطاء قاتلة تمس من مضمون النص وعموم الكتاب.

ولعل ما تجدر الإشارة إليه أن ما يدعيه الدكتور عبد الخالق وقبله الدكتور الرميحي من أن هناك كُتابا تحدثوا عن مدن الخليج دون زيارتها هو زور وبهتان واتهام باطل فيه تقليل من الإحترام لكتاب من نخب الأمة من مختلف الأجيال ومن مختلف مناطق الوطن العربي. وفي هذا الإطار وكرجل قانون أقول أن البينة على من يدعي والدكتوران المحترمان مطالبان بإثبات هذه التهمة وإلا سقطت مصداقيتهما خاصة وأنهما أكاديميان ولا يجب عليهما الحديث جزافا ودون سند.

بقلم ماجد البرهومي

كاتب ومحام تونسي

تعقيب:

إعمالاً لحق النشر الذي يكفله القانون، حرص موقع الرؤية الإلكتروني على نشر الرد، على نقد الدكتور عبد الله للكتاب، رغم ما تضمنه من مصطلحات، وعبارات ليس مكانها المنابر الإعلامية. فمقارعة الحجة بالحجة والمنطق، أكثر الطرق إلى قلب القاريء، وهو للأسف الشديد ما حاد عنه الرد على النقد. بل والأدهى من ذلك أن الرد اعتبر تصحيح المعلومات المغلوطة التي وردت في الكتاب "نوع من التصيد"، ولا ندري وفق أي منهج بحثي يتم اعتبار تصحيح المعلومة نوع من تصيد الأخطاء. أضف إلى ذلك تعامل الرد مع ما ورد في النقد حول اقتصاديات النفط للدول الخليجية، بتسطيح لا مبرر له. المراقب للتنمية الاقتصادية في منطقة الخليج يلحظ دون أدنى شك أن الخليج وضع الخطط البديلة لتعزيز النمو الاقتصادي، وعوائدها بطريقة مستدامة لا تعتمد على النفط. وسأسوق مثال واحد من بين ألاف الأمثلة للتدليل على ذلك، وهو الإحصائية الأخيرة لمعهد صناديق الثروة السيادية، التي أوضحت أن دول الخليج العربي تملك 40% من أصول صناديق الثروة السيادية في العالم.