الاثنين - 29 أبريل 2024
الاثنين - 29 أبريل 2024

تقدير موقف | «عسكرة الحديدة» يعمق أزمة الطاقة العالمية

تقدير موقف | «عسكرة الحديدة» يعمق أزمة الطاقة العالمية

التهديدات الحوثية تفاقم المخاوف بشأن استمرار تدفق شحنات النفط والغاز.

21 ألف سفينة تمر عبر باب المندب سنوياً في مرمى المليشيات

استخدام المليشيات للرادارات المدنية في أعمال المراقبة العسكرية

حان الوقت لإعادة سيطرة الحكومة على كل الموانئ اليمنية


القرصنة الحوثية تستوجب رداً دولياً أكثر صرامةً وحزماً


إبعاد الحوثي مسافة كافية عن الساحل الغربي أول خطوة نحو تأمين السفن


لا تشكل ميليشيا الحوثي خطراً على الشعب اليمني ودول الجوار فقط، بل أصبحت عامل رئيسي في زعزعة الأمن والاستقرار الدولي، ومصدر تهديد لأمن الملاحة والطاقة العالمية، في وقت يعاني العالم من مشاكل في سلاسل الإمداد، واضطراب في الحصول على الطاقة، وزيادة نمو الطلب العالمي على النفط.

فخلال العام الجاري 2022، سوف يزيد الطلب على النفط بمقدار 4.2 مليون برميل يومياً ليصل إجمالي الاستهلاك العالمي اليومي إلى 100.8 مليون برميل، وفق التقرير الشهري لمنظمة "أوبك" الصادر في يناير الجاري.

تهديدات الملاحة الدولية

ويفاقم تهديد الحوثي للملاحة العالمية، وخطف السفن في البحر الأحمر، وباب المندب، من الشعور بعدم اليقين، بشأن استمرار تدفق شحنات النفط والغاز، في هذا الممر الحيوي للتجارة العالمية، في ظل تأكيد معهد بروكينغز الأمريكي، بأن أزمة الطاقة التي عاني منها العالم في عام 2021، سوف تستمر في عام 2022، وفق تقرير للمعهد بعنوان "سوق الغاز الطبيعي العالمية الناشئة وأزمة الطاقة في 2021-2022".

وليس هذا فحسب، فتهديدات الحوثي للملاحة الدولية، والتي كان أحدثها قرصنة وخطف السفينة "روابي" التي ترفع علم دولة الإمارات العربية المتحدة، في 6 يناير الجاري، تزيد من المخاوف من ارتفاع أسعار التأمين البحري على ناقلات النفط والغاز في المنطقة، وهو ما يرفع الأسعار على المستهلكين، في كل دول العالم، خاصة بعد أن ارتفعت أسعار الغاز في أوروبا بنسب غير مسبقة، وزاد سعر الغاز الطبيعي الهولندي بنسبة 1ر20% إلى 50ر84 يورو لكل ميجاوات - ساعة تسليم شهر فبراير القادم، وفق ما نقلت وكالة بلومبرغ للأنباء، وهو ما جعل عيون العالم تراقب بقلق ما يحدث للملاحة في مضيق باب المندب الذي يفصل بين خليج عدن والبحر الأحمر، خصوصاً أن التهديدات الحوثية ومن يقف وراءها، سبق لها أن دفعت السعودية في 18 يونيو 2018 للإعلان لأول مرة عن تعليق حركة جميع شحنات النفط الخام التي تمر عبر مضيق باب المندب إلى أن تصبح الملاحة آمنة، بعد تعرض ناقلتي نفط عملاقتين، تحمل كلا منها مليوني برميل من النفط، لهجوم من قبل الحوثيين في البحر الأحمر، بعد عبورهما مضيق باب المندب، وفق ما أعلنه في ذلك التاريخ التحالف العربي، نقلاً عن وزير الطاقة والصناعة والثروة المعدنية السعودي.

فكيف يمكن منع الحوثي من تهديد الملاحة العالمية؟ وهل حان الوقت لإعادة سيطرة الحكومة على كل الموانئ اليمنية وفي المقدمة منها موانئ الحديدة؟

أهمية استثنائية

يوصف مضيق باب المندب المتصل بالبحر الأحمر وخليج عدن، بأنه من أكثر الممرات الملاحية في العالم ازدحاماً، وثالث الممرات الملاحية العالمية أهمية بعد مضيقي هرمز وملقا، نظراً لأنه الممر الأقصر مسافة، والأقل تكلفة، لنقل البضائع من الصين ودول النمور الآسيوية في شرق وجنوب شرق آسيا، إلى أوروبا والغرب، كما أنه الممر المفضل لناقلات الغاز والنفط من منطقة الخليج للأسواق الأوروبية والأمريكية، حيث يمر منه يومياً نحو 21 ألف ناقلة عملاقة سنوياً، أي حوالي 57 سفينة يومياً في الاتجاهين.

وتبلغ شحنات النفط التي تمر من خلاله نحو 4,8 مليون برميل يوميا من النفط الخام والمنتجات البترولية المكررة إلى أوروبا والولايات المتحدة، وفق بيانات إدارة الطاقة الأمريكية، ورغم أهمية النفط إلا أن كمية النفط والغاز التي تمر من باب المندب، لا تشكل إلا 16 % فقط من حجم التجارة الدولية، التي تمر عبر باب المندب، وفق إحصائيات هيئة قناة السويس، وهو ما يؤكد أهمية المضيق في نقل الطاقة وسلاسل الإمداد التجارية الأخرى.

استهداف السفن المدنية

تحليل أرقام وإحصائيات الهجمات الحوثية على الملاحة في باب المندب والبحر الأحمر يقول أنها تستهدف السفن التجارية والمدنية، وهو ما يستوجب رد فعل عالمي، أكثر صرامة على تهديد الحوثي للملاحة العالمية.

ففي 16 يونيو 2017، قام الحوثي وعن طريق مركب مفخخ، وموجه من بعيد من نوع "شارك- 33"، باستهداف منشاة تحميل بحرية سعودية قرب منطقة جازان، وفي 12 نوفمبر من نفس العام، أعلن الحوثيون صراحة، وفي بيان نقلته وسائل الإعلام التابعة لهم، أنهم سيستهدفون الملاحة في باب المندب والبحر الأحمر.

وفي 3 أبريل 2018 شن الحوثي هجوما صاروخيا على سفينة "البقيق" السعودية أمام ساحل الحديدة، مستخدماً القنابل الصاروخية والصواريخ التكتيكية.

وفي 10 مايو من ذات العام 2018، قام بهجوم على السفينة "إنسي انيبلو" التي كانت تحمل بضائع ومواد تموينية، وفق إحصائيات جمعتها وكالة رويترز.

ومن المخاطر الشديدة التي تهدد الملاحة البحرية على مدار الساعة هي الألغام البحرية التي نشرها الحوثي وبشكل عشوائي في ممرات الملاحة منذ عام 2015، وهي ألغام تستطيع أن تطفو لمسافة 90 كلم، و يمكن أن تهدد السفن في أي وقت، لأنها تنتقل مع حركة المياه.

وفي عام 2017 وحده تم العثور على 44 لغماً من تلك الألغام لم تنفجر، وتم تفجير 4 منها في سفن تجارية، وفقاً لتقرير فريق خبراء الأمم المتحدة حول اليمن الصادر في 26 يناير 2018.

لكن ربما الجريمة الجديدة من نوعها والتي يمارسها الحوثيون ضد الملاحة والسفن التجارية التي ترسو في موانئ الحديدة والصليف، هو استخدام الحوثيين للرادارات المدنية الموجودة في تلك السفن المدنية، في أعمال المراقبة العسكرية وإصدار بيانات ملاحية عسكرية، رغم رفض تلك السفن لهذا الابتزاز الحوثي.

البديل الوحيد

ويحتاج الحفاظ على سلامة وأمن الملاحة في باب المندب والبحر الأحمر، إلى اتفاق المجتمع الدولي والدول الفاعلة على خريطة طريق، تبدأ بتسليم الموانئ اليمنية، خاصة الحديدة والصليف للحكومة اليمنية، وسيطرتها بالكامل على الساحل الغربي، وإبعاد الحوثي مسافة كافية عن الساحل الغربي، لا تسمح له بإطلاق الطائرات المسيرة على السفن التجارية والمدنية التي تمر في باب المندب والبحر الأحمر، لأن جهود العالم للتعافي من سلبيات كورونا على الاقتصاد، وتنامي الطلب العالمي على الطاقة، وعودة معدلات التجارة الدولية يحتاج الاستقرار والسلام ، وهذا من المستحيل أن يتحقق في ظل المحاولات اليومية للميليشيا الحوثية لاستهداف السفن التجارية والممرات الملاحية في البحر الأحمر وباب المندب.