الجمعة - 26 أبريل 2024
الجمعة - 26 أبريل 2024

«سلام ترامب» | كواليس قرار نقل السفارة الأمريكية إلى القدس ( 3-5 )

«سلام ترامب» | كواليس قرار نقل السفارة الأمريكية إلى القدس ( 3-5 )

• رام الله تراخت في التعاطي مع جدية ترامب وأيقظها رجل أعمال يهودي

• الموساد فشل في قراءة نوايا ترامب.. ونتنياهو أمر أجهزة الأمن بالتأهب

• سوزان رايس حذرت أبومازن سراً بعد رحيل إدارة أوباما من البيت الأبيض

• السفير الروسي أعرب عن دهشة بلاده من دفاع 14 دولة عن «طفل يتيم»

بواكير العلاقة بين إسرائيل وترامب، والتوترات التي سبقتها بين الأولى وإدارة أوباما، شغلت جانباً محورياً من كتاب «سلام ترامب: اتفاقات أبراهام وتحوُّل الشرق الأوسط»، لمؤلفه الكاتب والصحفي الإسرائيلي باراك رابيد، الذي عزا قرار نقل السفارة الأمريكية إلى حميمية العلاقات الأقوى من نوعها بين الولايات المتحدة وإسرائيل على مر التاريخ.

وفي الحلقة الثالثة من ترجمة وعرض الكتاب الأحدث والأوسع جدلاً في إسرائيل، تبدو شمولية كواليس اللحظات غير المسبوقة في المنطقة. ويعود المؤلف إلى عصر يوم 28 ديسمبر 2016 بتوقيت إسرائيل، تزامناً مع إشراقة اليوم ذاته بتوقيت نيويورك. حينئذ ارتعش هاتفه الجوَّال، وهو يستقبل على شاشته «تغريدة» جديدة من موقع «تويتر»، يقول نصها: «مرحباً إسرائيل القوية. يوم 20 يناير يقترب بسرعة مذهلة».

كان ذلك هو ما كتبه رئيس الولايات المتحدة المنتخب، دونالد ترامب، قبل النهوض من فراشه في الطابق الخامس من «بنتا هاوس» البرج الأكثر شهرة في نيويورك. بعد «التغريدة» بساعات، شرع وزير الخارجية جون كيري في إلقاء خطاب من وزارة الخارجية بواشنطن. ولمدة تربو على الساعة، اختزل 4 سنوات من المحاولات الفاشلة، التي استهدفت دفع عملية السلام قدماً بين إسرائيل والفلسطينيين، واستعرض مبادئ إدارة أوباما لإنهاء النزاع، بما في ذلك عاصمة فلسطينية في شرق القدس.

إزاء ذلك، لم يتحل نتنياهو بالصمت، وقام بتسجيل مقطع فيديو باللغة الإنجليزية، هاجم فيه كيري بلغة حادة: «إسرائيل تنتظر العمل مع الرئيس المنتخب ترامب، لتقليل حجم الضرر». لقد ترجمت لغة نتنياهو واقع تردي العلاقات غير المسبوق بين إسرائيل وإدارة أمريكية. في المقابل زفَّت «تغريدة» ترامب قدوم صديق جديد من وراء المحيط، ذي أذن تجيد الاستماع لرئيس الوزراء بنيامين نتنياهو.

يوم الزفاف

للمشاركة في مراسيم تنصيب ترامب، شق سفير إسرائيل لدى واشنطن، رون ديرمر، الطريق إلى الكابيتول هيل (الكونغرس). بالنسبة له، كان ذلك فجر يوم جديد؛ فالبيانات الصادرة عن البيت الأبيض، كشفت أنه خلال فترة رئاسة أوباما، لم يزر ديرمر البيت الأبيض تقريباً. الآن، ومن شخص غير مرحَّب به في البيت الأبيض، أوشك ديرمر على التحوُّل إلى واحد من أصحاب البيت في المكتب البيضاوي، حتى إنه تنقَّل يوم حفل التنصيب بين السفراء الكُثُر، الذين جاؤوا لحضور الحدث، ودبت فيه مشاعر بهجة العريس يوم زفافه.

خلال أيامه الأولى في البيت الأبيض، اعتزم الرئيس توقيع حزمة أوامر رئاسية، تلغي جانباً من سياسات سلفه باراك أوباما، وتعلن سياسة جديدة في قضايا داخلية، فضلاً عن سياسته الخارجية. وكانت إسرائيل قد تلقت رسائل تفيد باحتمالية إعلان ترامب في أول أو ثاني أيام توليه المنصب نقل السفارة الأمريكية من تل أبيب إلى القدس.

الملياردير شلدون أدلسون، الذي تبرع بعشرات ملايين الدولارات لصالح حملة ترامب الانتخابية، مارس ضغوطات مستميتة على الرئيس المنتخب ومستشاريه من أجل حدوث ذلك. وقبل أيام من التنصيب، عقد رئيس الوزراء نتنياهو جلسة مباحثات حول الموضوع مع عدد من الوزراء، وقادة الجيش، وجهاز الأمن العام (الشاباك)، والشرطة. حينئذ، سادت الضبابية الجلسة، والسيناريوهات التي عرضها الجهاز الأمني، كانت تؤشر جميعها إلى تصعيد في القدس، وفي الضفة الغربية، وقطاع غزة؛ لكن نتنياهو حسم حالة الجدل بالإشارة إلى أن نقل السفارة إلى القدس محتمل، بداية من اللحظة الأولى، التي يدخل فيها ترامب البيت الأبيض؛ وأمر بالانتهاء من كافة الاستعدادات الأمنية، حتى يتخذ ترامب القرار. وبعد يومين من حفل تنصيب ترامب، زار رئيس الموساد، يوسي كوهين، ومستشار الأمن القومي يعقوب نيغل واشنطن، والتقيا هناك مستشار الرئيس المنتخب، لكنهما لم يتلقيا رداً واضحاً، حول ما إذا كان يمكن توقع إعلان نقل السفارة إلى القدس.

ضبابية كثيفة

على الجانب الآخر، كانت الضبابية حول ترامب ونواياه أشد كثافة في رام الله؛ فلم يكن لدى الرئيس الفلسطيني أبومازن ومستشاريه، الذين تمنوا فوز هيلاري كلينتون، أية قناة اتصال مع ترامب أو المقربين منه. وقبل أسابيع من مراسيم حفل التنصيب، حثت سوزان رايس، مستشارة الأمن القومي في إدارة أوباما، الفلسطينيين على التعاطي بجديَّة مع إعلان ترامب بخصوص نقل السفارة إلى القدس، والعمل بأسرع وقت ممكن على فتح قناة اتصال مع الرئيس المنتخب قبل دخوله المكتب البيضاوي. رغم ذلك، خيَّم التراخي على مقر المقاطعة في رام الله، وظنوا أن حديث ترامب بخصوص القدس كان مجرد شعار لدواعي حملته الانتخابية؛ إلا أن هذا التوجه تغيَّر تماماً، بعد لقاء أجراه أبومازن مع رجل أعمال يهودي – أمريكي.

كان رجل الأعمال اليهودي – الأمريكي دانيال أربيس، صاحب صندوق «Xerion Capital» الاستثماري، شخصية مجهولة لدى الفلسطينيين خاصة، ولدى مريدي النزاع الإسرائيلي – الفلسطيني عامة. وحين طلب لقاء أبومازن، بداعي تقاربه من مستشاري الرئيس المنتخب، ظن أعضاء المقاطعة اقتراباً من صيد ثمين. لقد انطوى تقارب أربيس مع ترامب وحاشيته على ريبة بالغة، حسب الكاتب باراك رابيد؛ فرغم اقتصار التقارب على جلوسه ذات مرة إلى جوار غاريد كوشنر في معبد «طائفة يشورون» في إيفر إيست – سايد بنيويورك، لكن ذلك كان كافياً بالنسبة لمستشاري أبومازن. وفي حديث خاص مع باراك رابيد، قال مصدر إسرائيلي خلال هذا التوقيت، إن «أربيس حذر أبومازن من جدية نوايا ترامب إزاء نقل السفارة إلى القدس، وإنه من المحتمل أن يعلن ذلك خلال أيامه الأولى في المنصب»؛ فأصيب الرئيس الفلسطيني وحاشيته بصدمة بالغة.

رسالة شخصية

حرضت هذه المعلومات رام الله على اليقظة؛ فأطلقت حملة علنية، حذرت فيها من الآثار المترتبة على الخطوة؛ وطالبت دولاً عربية بنقل رسائل إلى ترامب تحمل هذا المضمون؛ حتى إن أبومازن بعث برسالة شخصية إلى الرئيس الأمريكي المنتخب، طالب فيها بالتراجع عن الخطوة.

انتهى اليوم الأول لترامب في البيت الأبيض دون أي إعلان بخصوص القدس، ولم يحدث شيء في اليوم الثاني أيضاً؛ وفي اليوم الثالث، وقبل وقت قصير من أول مكالمة هاتفية جرت بين ترامب ونتنياهو، أعلن المتحدث باسم البيت الأبيض أن المباحثات حول هذه القضية، لم تتجاوز مراحلها الأولية؛ وفي حين أصيب نتنياهو، وديرمر، وأدلسون بخيبة أمل؛ تنفَّس أبومازن وحاشيته الصعداء.

وفي حديث مع مؤلف الكتاب، قال جيسون غرنبليت، الذي عمل مبعوثاً لترامب في الشرق الأوسط: «لقد كانت هناك العديد من الشخصيات المهمة، التي أحبها واعتمد عليها الرئيس في تسريع وتيرة خطوة نقل السفارة إلى القدس فوراً يوم الأحد؛ ورغم تأييدي الاعتراف بالقدس عاصمة لإسرائيل، لكني اعتقدت أنه من المستحيل أن آتي من المنزل، محمَّلاً برأي شخصي، وأعمل على تنفيذه دون دراسة، أو تشاور، ودون إجراء مرتب داخل الحكومة. يعتقد الناس أن ترامب كان ارتجالياً، لكنه في حقيقة الأمر لم يكن كذلك؛ خاصة إذا تعلق الأمر بقرارات قد يترتب عليها أعمال عنف. في وقت لاحق، كنت سعيداً لأننا تمهَّلنا، وأجرينا مشاورات مرتبة قبل اتخاذ القرار».

صديق حقيقي

سريعاً، يعود الكاتب إلى فترة ما قبل تولي ترامب الرئاسة، مشيراً إلى أن العلاقات بين حاشية نتنياهو، ونظيرتها لدى ترامب تعود إلى ما قبل دخول البيت الأبيض بوقت طويل؛ فقبل أيام من خطاب ترامب، الذي كان لا يزال مرشحاً للرئاسة، أمام اللوبي اليهودي الموالي لإسرائيل «إيباك» في مارس 2016، هاتف سفير إسرائيل لدى واشنطن، رون ديرمر، صهر مرشح الرئاسة غاريد كوشنر، الذي كتب نص الخطاب، وصاغه وفقاً لسياسات نتنياهو إزاء عديد من الإشكاليات.

لم يُحدث فوز ترامب في انتخابات الرئاسة صدىً إيجابياً في واشنطن فقط، وإنما امتد إلى إسرائيل أيضاً. لقد كان جلياً من اللحظة الأولى تجاهل ترامب روتين القواعد المرعية خلال تبادل استلام السلطة في الولايات المتحدة، ولعل دليل ذلك كان واضحاً في 17 نوفمبر، بعد فوزه في الانتخابات بـ9 أيام فقط، حين التقى وبشكل استثنائي سفير إسرائيل لدى واشنطن، رون ديرمر. حتى هذا التوقيت، كان التقليد المتبع في الولايات المتحدة هو One President at a Time؛ أو ما يعني حظر إجراء أي اتصالات دبلوماسية تقريباً مع الرئيس المنتخب وطاقمه خلال الفترة الانتقالية بين الرئيسين (المنتخب والسابق).

بعد عبارات التحية والتهاني، طُرح خلال اللقاء الملف المحوري، الذي أثار في حينه قلق حكومة إسرائيل، ويدور حول اعتزام إدارة أوباما قبل رحيلها بأيام دعم قرار في مجلس الأمن ضد المستوطنات الإسرائيلية، لكن ديرمر وبعد انتهاء اللقاء، اعترف بأن «الرئيس المنتخب صديق حقيقي لإسرائيل».

خيار ترامب

في أعقاب 3 أسابيع، ظهرت بوادر القرار الذي يدور الحديث عنه. ومساء يوم الأربعاء الموافق 21 ديسمبر 2016، جرى توزيع مسودَّة مشروع القرار على الدول الأعضاء في مجلس الأمن؛ وهو ما أدى إلى فوضى واضطراب عارم في إسرائيل.

ضرب الهلع نتنياهو، وساقه إلى الاتصال بوزير الخارجية الأمريكي جون كيري، وغرَّد على «تويتر» فور إنهاء الاتصال: «يجب على الولايات المتحدة استخدام حق النقض (الفيتو) على مشروع القرار المناهض لإسرائيل في مجلس الأمن»؛ لكن الأمريكيين رفضوا التجاوب مع مطلب إسرائيل؛ وقالت حاشية نتنياهو لنظيرتها لدى أوباما: «لم يعد أمامنا خيار سوى التعامل مع ترامب».

طلب ترامب من مساعديه صياغة بيان باسمه، يؤكد أن الإدارة المنتهية ولايتها لن تُحدث تغييراً سياسياً جوهرياً، حتى وإن كان ذلك في أيامها الأخيرة. بالإضافة إلى ذلك، نشر ترامب بياناً علنياً، يدعو أوباما إلى استخدام حق النقض (الفيتو) ضد مشروع القرار. وخلال مثوله أمام جهات التحقيق في قضية الضلوع الروسي في انتخابات الرئاسة الأمريكية، قال الجنرال مايكل فلين، الذي كان مقرراً توليه بعد 3 أسابيع منصب مستشار ترامب للأمن القومي: «طاقم الرئيس المنتخب رأى حينئذ، أن إحباط عملية التصويت على مشروع القرار خطوة بالغة الأهمية».

بناء الثقة

في نهاية المطاف جرى إحباط القرار، وفي حين تنفست إسرائيل الصعداء، لم يدم وقت الراحة طويلاً؛ ففي يوم الجمعة، نشبت المعركة مجدداً في مجلس الأمن، حين أعلنت كل من نيوزيلندا، وماليزيا، والسنغال، وفنزويلا استغلال حق عضويتهم في مجلس الأمن، للمطالبة بالتصويت على صيغة قرار ضد المستوطنات الإسرائيلية. أمام ذلك، استأنفت حاشية نتنياهو مع طاقم ترامب استخدام كافة الأدوات لإحباط المصادقة على القرار. وتحدث فلين مع السفير الروسي سيرغي كيسلياك، لكن الأخير أبلغه بأنه إذا جرت عملية التصويت، فلن تصوت روسيا ضد القرار؛ لكن موسكو سعت في المقابل إلى تبني خطوة لبناء الثقة مع نتنياهو.

وقبل التصويت بلحظات، طلب السفير الروسي تشوركين، إجراء مشاورات مغلقة مع السفراء، وخلالها أعرب عن دهشته من التسرُّع الذي يجري به طرح العملية، واقترح إرجاء التصويت إلى ما بعد عيد الميلاد؛ لكنه فشل في إقناع سفراء 14 دولة، صوتوا إلى جانب الولايات المتحدة لصالح القرار. وبإيعاز من أوباما، لم تستخدم سفيرة واشنطن لدى الأمم المتحدة، سمنتا باور، حق النقض (الفيتو) ضد القرار، الذي جرى تمريره بالفعل. قبلها أبدى السفير الروسي استخفافاً بنظرائه الذين رفضوا التجاوب مع مطلبه وقال: «أنا مندهش جداً من رؤية أشخاص يهرولون بهذا الشكل للدفاع عن طفل يتيم».