الخميس - 09 مايو 2024
الخميس - 09 مايو 2024

«بروكينغز» يرصد خفايا تحطم سطوة «الحشد الشعبي» في العراق

«بروكينغز» يرصد خفايا تحطم سطوة «الحشد الشعبي» في العراق
تآكلت بفعل الاستياء الشعبي ومعسكر الصدر والتكنوقراط

طهران منعت اندماج الحركة سياسياً بزعم كونها جزء من محور المقاومة

تحوُّلات مفصلية طرأت على نفوذ وسطوة «الحشد الشعبي» في العراق؛ فالقوات الموالية لإيران لم تعد تسيطر على مجريات الأحداث في بلاد الرافدين، حتى بعد حصولها على قوة ودعم محلي واسع؛ وأضحت تعاني تردياً غير مسبوق بفعل شقاق حاد بين صفوفها الأمامية، حسب تقرير جديد لمعهد «بروكينغز» الأمريكي.

ورغم احتفاظ «الحشد الشعبي» حتى الآن بقوة عسكرية واقتصادية هائلة، سواء كانت رسمية أو غير ذلك؛ لكنها تواجه تحديات، تمليها حالة الاستياء الشعبي الواسعة ضد الحركة، لا سيما في ظل مشاركتها في عمليات قمع الشعب العراقي؛ بالإضافة إلى تآكل وانشقاق الحركة من الداخل، وتنامٍ متصاعد في الخصومة مع المرجعية الشيعية مقتدى الصدر. ومكَّنت تلك التطورات المؤثرة معارضي «الحشد الشعبي» التكنوقراط داخل الدولة العراقية، وكذلك المعسكر الصدري من إضعاف قوة الحركة؛ وهو وضع لم تشهده الحركة قبل ذلك في العراق.

قائمة الحركة

ويعود تقرير «بروكينغز» إلى انتخابات البرلمان العراقية التي جرت في أكتوبر 2021، مشيراً إلى أن أداء تحالف «الفتح»، التابع لقوات «الحشد الشعبي» كان سيئاً فيها. ومن خلال رغبة حثيثة للالتزام بالقوانين والشفافية، حظرت اللجنة المركزية للانتخابات العراقية على مقاتلي «الحشد الشعبي» التصويت الخاص، وهو حق مسموح به لعناصر الأجهزة الأمنية، لكن اللجنة بررت قرارها بعدم تقديم الحركة قائمة محددة بعدد مقاتليها؛ وهى خطوة ترفض «الحشد الشعبي» الإقدام عليها منذ سنوات طوال.

وحصلت قائمة «الفتح» على 17 مقعداً، وهو العدد الأقل عن نظيره في 2018، الذي حصلت خلاله القائمة ذاتها على 48 مقعداً. أما القائمة الصدرية، التي تمثل المنافس الأول لقوات «الحشد الشعبي»، فحصلت خلال الانتخابات على 73 مقعداً.

ووسط تحديات قضائية، وسياسات تخويف عبر أعمال العنف، حاولت «الحشد الشعبي» تعديل نتيجة الانتخابات، وذلك من خلال تصعيد أمني صارخ، حاولت مليشيات الحركة من خلاله اغتيال رئيس الوزراء مصطفى الكاظمي، واستخدمت في المحاولة طائرة بدون طيار. وبتحفيز من الولايات المتحدة، سعى رئيس الوزراء مصطفى الكاظمي وناضل من أجل تقليص قوة «الحشد الشعبي»، ووقف هجمات المليشيات الموالية لإيران ضد التواجد الأمريكي في العراق.

قتلى ومختطفون

أما الصدر، وبعد فوزه في الانتخابات، فدعا قوات «الحشد الشعبي» إلى تفكيك نفسها، لكن المليشيات الفاعلة في الحركة رفضت الدعوة. وجاء ذلك بعد سنوات طوال، رفضت فيها «الحشد الشعبي» الاندماج مع الجيش والقوات العراقية، وعكفت على عرقلة جهود الدولة، الرامية إلى نزع سلاح الحركة، وإعادة دمج مقاتليها رغم دعوات آية الله السيستاني.

الأكثر من ذلك، هو أنه منذ 2018، تسببت قوة «الحشد الشعبي»، وغياب المسؤولية داخل وخارج الحركة إلى هجوم الفصائل الموالية لإيران على نشطاء مدنيين، واستخدموا في ذلك أقصى وسائل العنف. ومن بغداد إلى البصرة، قتلت المليشيات الموالية لإيران واختطفت العشرات من قادة المجتمع المدني، والمتظاهريين التقليديين، الذين طالبوا بإجراء إصلاحات ضد الفساد، وتوفير خدمات حكومية أفضل، وعدد أكبر من أماكن العمل، وتغيير الأوضاع المختلة في العراق.

سياقات أيديولوجية

في السياق، أدى اغتيال الولايات المتحدة في يناير 2020 قائد قوات «الحشد الشعبي»، أبو مهدي المهندس، وداعمه الإيراني، الجنرال قاسم سليماني، إلى زيادة الفجوات بين الصفوف الداخلية لـ«الحشد الشعبي»، وباتت الحركة تعاني أزمة قيادة.

ووسط حالة الفوضى، انسحبت مليشيات الصدر من من «الحشد الشعبي»، وأفضت حالة الشقاق إلى خلخلة غير مسبوقة في الشرعية الدينية للحركة، وهو ما ضاعف من هوَّة الفجوة بين القيادة العراقية والفصائل الموالية للإيرانيين. وحسب تقرير معهد «بروكينغز»، خلقت السياقات الأيديولوجية والمادية لـ«الحشد الشعبي» مع مصالح إيران الاستراتيجية في العراق والمنطقة مشاكل للحركة، ومكَّنت معارضيها والشعب العراقي من الاحتجاج على افتقار الحركة إلى حب الوطن، فضلاً عن عزوفها عن العمل على ازدهار العراق ونهضته. ويلمح التقرير الأمريكي إلى أنه رغم الموارد التي توفرها إيران لـ«الحشد الشعبي»، لكن طهران منعت الحركة في المقابل من الانضمام إلى حركة سياسية مستقلة، نظراً لكونها جزءاً مما يوصف بـ«محور المقاومة» الإيراني.

قد تكون هذه هى المرة الأولى منذ سنوات طوال، التي يستطيع فيها تكنوقراطيون عراقيون، وسياسيون معتدلون، وممثلون للمجتمع المدني استغلال الفوضى الداخلية لدى «الحشد الشعبي»، لا سيما في ظل إصرار الصدر على منع قوات الحركة من العودة إلى صدارة المشهد؛ بالإضافة إلى تفشي كراهية تلك المليشيات، ورغبة الجماهير في الحد من سيطرتها على الدولة والمجتمع في العراق.