الأربعاء - 15 مايو 2024
الأربعاء - 15 مايو 2024

تقدير موقف | الإمارات.. استراتيجية الجسور لا الجدران

تقدير موقف | الإمارات.. استراتيجية الجسور لا الجدران

المتغيرات السياسية في المنطقة، والزخم الكبير في بناء تفاعلات سياسية جديدة، تقوم على المسارات المتوازية والترابط الكامل بين المصالح والمبادئ، تؤكد مدى الاستنارة السياسية والرؤى البعيدة التي تتحلى بها القيادة الإماراتية في استراتيجيتها لبناء الجسور واكتشاف الفرص ودعم الشراكة والتعاون والحوار مع الجميع انطلاقاً من ثوابت إماراتية وعربية وإنسانية تصب جميعها في مصالح جميع الدول العربية وشعوب الشرق الأوسط، بل لصالح الاستقرار والسلام والاستدامة العالمية.

ومن يراقب السياسة الإماراتية خلال الآونة الأخيرة يكتشف القدرة الهائلة على الاستثمار في الأصدقاء والدفع نحو تحقيق الاستدارة الكاملة في سياسات الكثير من دول وشعوب المنطقة بما يعود بالسلام والاستقرار وتعزيز الشراكة والتعاون مع الجميع دون استثناء.

فإذا كان العقد الماضي منذ 2011 وحتى 2021 كان بعنوان الجدران العالية، والخلافات الحادة والمصالح المتباينة في الشرق الأوسط، فإن استراتيجية الإمارات الجديدة تساهم في حقن مناعة سياسية للمنطقة بما يحصنها ضد أي تباينات طارئة أو سحب صيف قد تمر من آن لأخر.



فكيف نجحت الإمارات في تحقيق هذا التحول الاستراتيجي في منظومة العمل الإقليمي؟ وكيف يمكن للدول العربية وباقي شعوب المنطقة أن تدخل في حقبة مختلفة أساسها المصالح المشتركة والاحترام المتبادل، والمواجهة الجماعية لأي تحديات تتعلق بمستقبل البشرية مثل التغيرات المناخية والجوائح الصحية؟


ثمار للجميع

نتائج وثمار الزيارة الناجحة للرئيس التركي رجب طيب أردوغان، إلى دولة الإمارات العربية المتحدة، والامتنان والتقدير التركي لحفاوة الاستقبال والمشاعر الصادقة التي عبرت عنها القيادة الإماراتية، تبني جسور جديدة لشراكة مستدامة ليس فقط بين الإمارات وتركيا، بل بين تركيا ومختلف الدول العربية، وفي مقدمتها السعودية ومصر والبحرين. وخير شاهد على هذا الأمر تصريح الرئيس التركي لقناة «تي أر تي»، قائلاً: «الحوار مع السعودية مستمر، وننتظر تقدماً من خلال خطوات ملموسة في الفترة المقبلة.. وسنعمل على الارتقاء بالعلاقات مع السعودية إلى مكانة أفضل». وهذا يؤكد نجاح المسار الإماراتي في كسر الجليد، وبناء الثقة مع تركيا بخطوات اقتصادية وإنسانية ملموسة، مثل دعم الإمارات لإعادة ترميم المناطق التي تعرضت للحرائق في تركيا بنحو 10 ملايين دولار في 3 نوفمبر الماضي، وقبلها قيام سمو الشيخ طحنون بن زايد آل نهيان مستشار الأمن الوطني الإماراتي، بزيارة لتركيا في 15 أغسطس 2021، وهو ما مهد للزيارة التاريخية لصاحب السمو الشيخ محمد بن زايد آل نهيان ولي عهد أبوظبي نائب القائد الأعلى للقوات المسلحة، إلى تركيا في 24 نوفمبر الماضي، والتي شكلت عنواناً للتغير الاستراتيجي في العلاقات الإقليمية في منطقة الشرق الأوسط.

رؤية بانورامية

ويعود هذا النجاح إلى الرؤية البانورامية الإماراتية لطبيعة التفاعلات الإقليمية، وعمل الإمارات دون كلل، على أن يكون التقارب الإماراتي مع تركيا في سياق إقليمي، بالتقارب التركي مع مصر، وحديث الرئيس أردوغان أكثر من مرة بشكل إيجابي، عن العلاقات المصرية التركية، وإجراء القاهرة وأنقرة محادثات استكشافية مرتين في شهري مايو وسبتمبر 2021، واتخاذ تركيا خطوات عملية في هذا الشأن، بوقف الأبواق الإعلامية التي كانت تهاجم الدولة المصرية من الأراضي التركية في العام الماضي، وكل هذا يوفر مزيداً من الفرص لعودة العلاقات المصرية التركية إلى طبيعتها في أقرب وقت.

سوريا وإيران

ورغم صعوبة الملفات إلا أن الإمارات التي علمت العالم، أنه ليس هناك مستحيل، لم تستثن القيادة الإماراتية إيران من محاولات بناء الثقة، وفتح صفحة جديدة بين دول ضفتي الخليج العربي.

ولهذا قام سمو الشيخ طحنون بن زايد بزيارة هامة لطهران في 7 ديسمبر الماضي، والتي يمكن البناء عليها، لفتح فصل جديد من العلاقات الإيجابية والطيبة، والقائمة على المصالح المشتركة، وعدم التدخل في الشئون الداخلية للآخرين، وهو ما سوف ينعكس ليس فقط على العلاقات الإماراتية - الإيرانية، بل على مجمل العلاقات الخليجية والعربية مع طهران. وبنفس وضوح الرؤية، قالت الإمارات بصراحة كاملة، إن سوريا يجب أن تعود للجامعة العربية، والمحيط العربي، لهذا طالبت الإمارات أكثر من مرة بعودة سوريا للحضن العربي.

ولم تكتفِ بالدعوة لذلك على كل المستويات بل قام سمو الشيخ عبدالله بن زايد آل نهيان وزير الخارجية والتعاون الدولي الإماراتي، بزيارة إلى سوريا، شغلت جميع وسائل الإعلام، والتقى بالرئيس السوري بشار الأسد، في 6 ديسمبر من العام الماضي، وجاءت هذه الزيارة لتشجع الكثير من الدول العربية بعد ذلك، بالحديث العلني عن أهمية سوريا في جغرافية السياسة العربية، كما أن تعميق الثقة بين تركيا والإمارات، على النحو الذي رآه الجميع، خلال اليومين الماضيين، يؤشر بقوة على إمكانية تسريع الحل السياسي في سوريا، وعودة الدولة السورية كقيمة مضافة للعمل العربي المشترك.

الإخلاص للسلام

الشجاعة والإخلاص الإماراتي الكامل لكل قيم السلام والاستقرار، وتعزيز المحبة ونبذ الكراهية، تجلت في أبهى صورة في إقناع الإمارات للغالبية بأن اتفاقيات إبراهيم التي جرى توقيعها بين الإمارات والبحرين من جانب، وإسرائيل من جانب آخر، في 15 سبتمبر 2020، يمكن أن تشكل رافعة سياسية جديدة، ورؤية تقدمية للغاية، لحل الصراع الفلسطيني- الإسرائيلي، ولهذا انضمت دول عربية لاتفاقيات إبراهيم بعد ذلك.

هذه الثمار السياسية والاقتصادية، نتيجة للانفتاح الإماراتي على إسرائيل وتركيا وإيران وسوريا وغيرها، يؤكد أن سياسة بناء الجسور أفضل بكثير من تعلية الجدران بين الدول والشعوب، خاصة عندما يقوم هذا الانفتاح والأيادي الممدودة للجميع، بالخير والتعاون والشراكة، على أسس ومصفوفة واضحة من القيم والمصالح المشتركة.