الاحد - 19 مايو 2024
الاحد - 19 مايو 2024

الساحل والصحراء.. انسحاب أوروبي يفاقم مخاوف انتشار الإرهاب

الساحل والصحراء.. انسحاب أوروبي يفاقم مخاوف انتشار الإرهاب

يزيد من التحديات الأمنية على الدول العربية في الجناح الأفريقي

لا بد من تشكيل وحدة مخابراتية عربية تهتم بالتنظيمات الإرهابية

دعم جهود الجيش الوطني الليبي للحفاظ على الحدود الليبية الجنوبية

يشكل قرار السحب الكامل للقوات الفرنسية وشركائها الأوروبيين من مالي، تحدياً كبيراً في الحرب على الإرهاب، ليس فقط لدول الساحل والصحراء ودول غرب أفريقيا ومنطقة البحيرات، بل سيكون هذا التحدي وبالقوة والتعقيد ذاتهما على الدول العربية التي لها حدود مباشرة أو تتأثر بالإرهاب في منطقة الساحل والصحراء، التي تصل مساحتها إلى 5 آلاف كيلومتر، وتساوي مساحة فرنسا 10 مرات.

ورغم تضارب التقييمات بين النجاح والفشل، حول القرار الفرنسي والأوروبي بسحب كل القوات التابعة لعمليتي «برخان» و«تاكوبا»، من مالي، إلا أن المؤكد أن هذا القرار سوف يزيد من التحديات الأمنية على الدول الأفريقية، وأيضاً على الدول العربية في الجناح الأفريقي. فما أبعاد وأخطار القرار الفرنسي والأوروبي؟ وكيف يمكن وضع رؤية لمكافحة الإرهاب في أفريقيا تتجنب الأخطاء التي وقعت فيها العمليات الأمنية السابقة مثل برخان؟



نهاية 9 سنوات

عندما اندلع ما يسمى بـ«الربيع العربي» في عام 2011، ضعفت الدولة الوطنية وسادت حالة من عدم اليقين السياسي والاقتصادي في المنطقة، جعلت الحدود البرية مفتوحة على مصراعيها.

وتحولت مثلاً الحدود الليبية مع تشاد والنيجر إلى ملاذ آمن للجماعات الإرهابية، التي بدأت في الانتقال من الشمال للجنوب والعكس، دون أي رادع، وعندما كادت الحكومة في مالي تسقط أمام المجموعات الإرهابية والانفصالية، أرسلت فرنسا قواتها عام 2013 في عهد الرئيس الفرنسي السابق فرانسوا أولاند تحت مسمى عملية «سرفال» من أجل دعم الجيش في مالي وتشاد والنيجر، حتى تصمد أمام التنظيمات الإرهابية، والتي نجحت في وقف خطر إسقاط حكومة مالي، وتم تغيير اسم هذه العملية في أغسطس عام 2014 إلى عملية «برخان»، وأصبحت تعمل في كل دول الساحل والصحراء الخمس، وهي تشاد والنيجر ومالي وبوركينا فاسو وموريتانيا، ومقرها إنجامينا عاصمة تشاد.

ضغوط داخلية

ورغم النجاح النسبي، فإنها لم تستطع إعلان النصر الكامل على التنظيمات الإرهابية، وقادت 5 أسباب رئيسية لإنهاء عملية برخان في يونيو 2021؛ أولاً الخلافات بين فرنسا والحكومة الجديدة في مالي، وثانياً الضغوط السياسية الداخلية في الجمعية الوطنية الفرنسية على الرئيس ماكرون، وثالثاً مقتل 53 جندياً فرنسياً منذ بدء العملية، ورابعاً ضعف التمويل الأوروبي والدولي للعملية التي تكلف مليار يورو سنوياً، وخامساً وقوع انقلابات في مالي وفي دول الجوار خاصة في الغرب الأفريقي، وهو ما دفع الحكومة الفرنسية إلى تخفيض عدد قواتها من نحو 5200 جندي إلى 2500 جندي، ولهذا ألغى الرئيس ماكرون في يونيو 2021 عملية برخان التي تعني «شكل هلال الكثبان الرملية»، وتم سحب جزء من القوات الفرنسية من مدينة تمبكتو في مالي في ديسمبر 2021، انتشرت محلهم قوات من عناصر «فاجنر» الروسية في 7 يناير الماضي، وفق تصريحات وزير الخارجية الفرنسي جان إيف لودريان، وهو ما دفع السويد لسحب قواتها في 24 يناير الماضي، ورفض مالي لنشر 100 جندي دانماركي في 24 يناير 2022.

كل ذلك دفع فرنسا لإعلان السحب الكامل للقوات الفرنسية من مالي يوم 17 نوفمبر الجاري، بسبب الخلاف بين فرنسا وكندا ودول الاتحاد الأوروبي من جانب، والحكومة الجديدة في مالي من جانب آخر.

مظلة أوروبية وأممية

منذ البداية سعت فرنسا إلى أن تكون عملية مكافحة الإرهاب في أفريقيا مهمة أوروبية ودولية، أولاً من أجل تخفيف الأعباء، وثانياً حتى لا يقال إن فرنسا توظف هذه العمليات من أجل تحقيق مصالح خاصة بها.

ولهذا نجحت فرنسا في عام 2020 في إقناع الدول الأوروبية بالمساهمة في مكافحة الإرهاب في أفريقيا عبر عملية أطلق عليها «تاكوبا»، وهي تضم عدداً قليلاً لا يتجاوز 800 جندي، منهم 300 جندي فرنسي، و150 جندياً سويدياً، 95 جندياً إستونياً، و60 جندياً من جمهورية التشيك، بحسب بيان للعملية عام 2020.

وبإعلان سحب القوات الفرنسية من مالي، ينتهي عمل «تاكوبا» في مالي أيضاً، لأن الحكومة الجديدة في مالي رفضت السماح بنشر قوات دانماركية ضمن القوة، وهو ما دفع دولاً مثل السويد للإعلان عن إنهاء وجودها في مالي.

ويتبقى في الوقت الحالي نحو 18 ألف شخص ما بين عسكريين وقوات شرطة في مالي ضمن عملية «مينوسما» التي أنشأتها الأمم المتحدة في 25 أبريل عام 2013، بموجب القرار 2100، بهدف دعم السلطات الانتقالية في مالي للعمل على استقرار البلاد، وتطبيق خارطة الطريق الانتقالية.

وأضيفت مهام جديدة لـ«مينوسما» في 25 يونيو 2014، بموجب قرار جديد من مجلس الأمن هو القرار 2164، وذلك للعمل على ضمان الأمن والاستقرار والحماية للمواطنين ودعم ومساندة الحوار السياسي الوطني والمصالحة، والمساعدة على إعادة تأسيس سلطة الدولة، وإعادة بناء قطاع الأمن وتعزيزه، وفق الموقع الرسمي لعملية «مينوسما».

5خيارات للدول العربية

ورغم انسحاب فرنسا من مالي، وما قد يترتب على هذه العملية من إضعاف لعمليات المواجهة مع التنظيمات الإرهابية في القارة الأفريقية، وتأثير كل ذلك على الدول العربية، فإن هناك 5 خيارات للدول العربية يمكن العمل عليها وهي:

أولاً: دعم جهود بعثة الأمم المتحدة التي لا تزال تعمل في مالي «مينوسما» وتشارك فيها دول عربية ضمن 61 دولة تشارك في هذه المهام، حتى لا يستفحل خطر الجماعات الإرهابية بالقرب من حدود ليبيا والجزائر والسودان وموريتانيا.

ثانياً: العمل مع القوات الفرنسية الباقية في مناطق أخرى في الساحل والصحراء، والتي يبلغ قوامها 2500 جندي، بحسب وكالة الصحافة الفرنسية، مع دعم عمل القواعد الفرنسية في الدول الأفريقية الأخرى، ومنها القاعدة الجوية الفرنسية قرب مطار نيامي المدني في النيجر، والقاعدة العسكرية في إنجامينا عاصمة تشاد، والقاعدة الفرنسية في ساحل العاج التي تضم نحو 900 عسكري، وهي من أكثر القواعد الفرنسية العسكرية تطوراً في أفريقيا، كما يتواجد 350 فرنسياً في الغابون بالقرب من مطار ليبرفيل، و350 جندياً فرنسياً آخرين في السنغال في أوكام، والميناء العسكري في داكار الذي يتمتع بمدرج متقدم للطائرات.

ثالثاً: العمل والتنسيق مع مهمة «سابر» التي يوجد مركز قيادة لها في واجادوجو عاصمة بوركينا فاسو، والتنسيق العربي مع هذا المهمة يحقق مصالح كبيرة للدول العربية، لأن هذه المهمة تعمل عل تعقب قيادات المجموعات الإرهابية في أفريقيا، ومنهم عناصر عربية جاءت من دول المغرب العربي، خاصة أن «سابر» لديها خبرة أكثر من باقي العمليات حيث جرى تأسيسها منذ عام 2009.

رابعاً: لا بد من تشكيل وحدة مخابراتية عربية تهتم بالتنظيمات الإرهابية في أفريقيا، وتبادل هذه المعلومات، خاصة أن شكل وطبيعة التنظيمات الإرهابية في أفريقيا يقوم على عبور الحدود ويتنقل من دولة لأخرى، مع مواصلة دعم مركز مكافحة الإرهاب التابع للساحل والصحراء والذي يتخذ من القاهرة مقراً له، حتى يقوم بتشخيص حقيقي، سياسياً واقتصادياً وثقافياً، لواقع البيئة التي ينتشر فيها الإرهاب في القارة الأفريقية.

خامساً: دعم جهود الجيش الوطني الليبي للحفاظ على الحدود الليبية الجنوبية، التي أصبحت منذ فترة طويلة، طريق العبور الرئيسي للجماعات الإرهابية، بين شمال ووسط القارة، وفق بيان لوزارة الجيوش الفرنسية.