الأربعاء - 01 مايو 2024
الأربعاء - 01 مايو 2024

«زفت انتخابي» و«كراتين إعاشة».. انتشار ظاهرة الرشى قبل الانتخابات اللبنانية

«زفت انتخابي» و«كراتين إعاشة».. انتشار ظاهرة الرشى قبل الانتخابات اللبنانية

(أ ف ب)

مع اقتراب موعد الانتخابات البرلمانية، يشهد لبنان ظاهرة متزايدة من المبادرات والمساعدات التي يصفها البعض بأنها «رشى انتخابية» يقوم بها سياسيون ورجال السلطة، للمواطنين، مستغلين انهيار مستواهم المعيشي، من أجل تحسين صورتهم أمام الناخبين المحتملين.

لطالما عانى لبنان من سوء الخدمات وتردي البنية التحية، وهو ما شكل بيئة ملائمة بالنسبة للسياسيين والمرشحين في الانتخابات، للتقرب من المواطنين من خلال المساعدات المتنوعة أو توزيع مبالغ نقدية أو التوظيف في أجهزة وإدارات الدولة أو تعبيد الطرقات بـ«الأسفلت»، ما اصطلح على تسميته «الزفت الانتخابي».

وفي بلد بلغ فيه معدل الفقر العام حدود 80% بحسب تقديرات دولية عام 2021، فإن الانتخابات المقررة رسمياً في 15 مايو المقبل، وهي الأولى منذ الاحتجاجات الشعبية التي اندلعت في 2019، تشكل مناسبة فريدة بالنسبة لهؤلاء السياسيين والمرشحين لتعزيز حظوظهم الانتخابية، سواء من خلال قرارات ووعود، أو من خلال مساعدات مالية أو غذائية في دوائرهم الانتخابية، مستفيدين من تدهور سعر الليرة أمام الدولار (الدولار يعادل حالياً نحو 20 ألف ليرة في السوق السوداء).

يقول الأستاذ الجامعي سامي كليب، المتخصص بتحليل الخطاب السياسي والإعلامي، إنه «مع اقتراب الانتخابات، تستغل هذه القيادات القلق الذي دب بسبب كوفيد-19، والفقر الذي استشرى بعد الانهيارات الاقتصادية، لتجعل من كل لقمة عيش صوتاً انتخابياً».

صدرت في الأيام الماضية، سلسلة من القرارات والتصريحات التي تشير إلى تزايد ظاهرة الوعود عشية الانتخابات البرلمانية، كما يلاحظ خبراء، بما في ذلك الإعلان المفاجئ في 23 فبراير الحالي، بعد شهور من التأخير والمناكفات السياسية، عن إحالة مشروع قانون الموازنة العامة لعام 2022 إلى مجلس النواب، وتوقيع رئيس الجمهورية ميشال عون مرسوماً ينص على منح مساعدة اجتماعية مؤقتة لجميع العاملين في القطاع العام، على ألّا تقل الدفعة عن 1.5 مليون ليرة، ولا تزيد على 3 ملايين ليرة.

ويقول الصحفي غاصب المختار، المتابع للشأن السياسي، إن «الخدمات الانتخابية موجودة منذ ستينيات القرن الماضي، إن لم يكن قبل ذلك، عبر ما كان يسمى الزفت الانتخابي الذي يتولاه النواب من حصصهم في وزارة الأشغال العامة، أو من خلال التوظيف في دوائر الدولة».

ويضيف المختار أن «الظاهرة توسعت في عهد رئيس الوزراء الأسبق رفيق الحريري عبر الخدمات المباشرة والمساعدات لعموم أو معظم الناخبين سواء المالية أو العينية من مواد غذائية وخلافه، وحذا حذوه عدد من السياسيين الميسورين حتى يومنا هذا، وهي ظاهرة أصبحت شبه مقننة».

ويقول تاجر مواد غذائية طلب عدم الكشف عن اسمه خوفاً من تعرض تجارته للضرر، إن مرشحين للانتخابات يطلبون عادة معرفة كلفة ما يسمى «صندوق الإعاشة» الذي يتضمن مواد غذائية مثل زيت الطعام والرز والشعيرية والطحين وصلصة البندورة (الطماطم) ومعلبات غذائية أخرى، وإن أحدهم يبحث شراء 25 ألف صندوق منها، علماً بأن سعر الصندوق الواحد يراوح ما بين 30 إلى 50 دولاراً.

يوضح التاجر أن الظاهرة نفسها شهدها قبل الانتخابات الأخيرة عام 2018، وأن «صندوق الإعاشة» هذا يوزعه المحسنون عادة خلال شهر رمضان على العائلات الفقيرة والمحتاجة، لكنه اليوم أصبح بالنسبة للسياسيين أكثر أهمية في ظل ظروف معيشية متردية.

يقول كليب إن «ما يحصل هو امتداد لاستراتيجية الأوليغارشية (حكم أقلية تتوارث نفوذ المال أو النسب أو السلطة العسكرية)». وأوضح أن «الأوليغارشية السياسية والمالية احتلت مكان الدولة، بحيث أن الزعامات التاريخية المنبثقة عن عائلات محددة أقنعت المواطن بأنها مصدر نعمته وقلعة حمايته، ومع الحروب أو الأزمات الاقتصادية، تستعيد هذه الطبقة نشاطها، خصوصاً حين يؤدي الخوف والقلق إلى انكفاء الطوائف على نفسها».

وبعد شهور من الترقب وانهيار الوضع المعيشي لمئات الآلاف من العائلات اللبنانية، أعلن وزير الشؤون الاجتماعية هكتور حجار الاثنين الماضي، تسجيل 582825 أسرة ضمن شبكة «دعم» للاستفادة من برنامجي «أمان» والبطاقة التمويلية، وأنه يجري تحديد المستحقين الفعليين لهذه المساعدات المؤمنة من قرض للبنك الدولي وبدعم من برنامج الأغذية العالمي التابع للأمم المتحدة، على أن يبدأ دفع المستحقات في شهر مارس الجاري، أي قبل شهرين من فتح صناديق الاقتراع.

وقبل ذلك بأيام، تلقى اللبنانيون وعداً جديداً يتعلق بالكهرباء مشابهاً لسلسلة من وعود لم تتحقق أطلقها وزراء ومسؤولون خلال العقدين الماضيين، حيث قال وزير الطاقة وليد فياض في حديث إلى قناة تلفزيونية محلية، إن خطته تستهدف زيادة التغذية الكهربائية إلى 8 و10 ساعات يومياً كمرحلة أولى، على أن يكون الهدف 17 ساعة بحلول 2023.

تحظى خطط تحسين قطاع الطاقة في لبنان بدعم من الولايات المتحدة، ما أتاح توصل لبنان إلى اتفاقات مع كل من الأردن ومصر وسوريا، لتطوير الخدمة الكهربائية فيه وتعزيز إمدادات الغاز إلى معامله لتوليد الطاقة.

يقول كليب إن القيادات السياسية في لبنان «ما زالت تحظى بنصف غطاء دولي، ذلك أن عجز المجتمع المدني في لبنان عن توفير بديل حتى الآن، أعاد بعض حسابات الدول حيال الأوليغارشية رغم احتقارها لها».

بينما كان رئيس التيار الوطني الحر، جبران باسيل، يتفقد قبل أيام عدداً من الطرقات في قضاء البترون، الممولة من البنك الدولي وبدأ العمل عليها منذ 2017، قال على تويتر إنه مشروع يتابعه «منذ ذلك الوقت»، وهو بالتالي «ليس زفتاً انتخابياً.. وهو حقكم».

يقول المختار إن «الوعود صارت أكثر من التنفيذ»، لكنه أضاف أنه قبل انتخابات 2018، جرى اعتماد «الرشاوى الانتخابية الرسمية» عندما أقر البرلمان بالتوافق مع الحكومة، سلسلة الرتب والرواتب لموظفي الدولة بمبالغ خيالية كسرت الخزينة وساهمت في الانهيار المالي الذي حصل بعد العام 2019".

خلص كليب إلى القول إن «هذه الأوليغارشية تشعر بخوف شديد على مستقبلها ودورها، ربما للمرة الأولى في تاريخها، ما يجعلها تزيد التقديمات لشراء أصوات الناخبين».