الاحد - 28 أبريل 2024
الاحد - 28 أبريل 2024

جونسون في الخليج.. رحلة استكشافية بـ «الوكالة عن أمريكا»

جونسون في الخليج.. رحلة استكشافية بـ «الوكالة عن أمريكا»

محمد بن زايد خلال استقباله رئيس وزراء بريطانيا في أبوظبي. ( وام)

جاءت زيارة رئيس الوزراء البريطاني بوريس جونسون إلى الإمارات والسعودية، لتضع العلاقات الخليجية الغربية تحت المجهر مجدداً، لا سيما أن هذه الزيارة جاءت في وقت تعاني فيه العلاقات الخليجية - الغربية من فجوة في وجهات النظر، ظهرت جلية في الضغوط التي تمارس على الإمارات والسعودية من أجل زيادة حصتهما من النفط في محاولة لكبح الأسعار تحت وطأة الحرب الروسية الأوكرانية. على الدوام فإن العلاقات الخليجية الغربية، علاقات راسخة ومتجذرة، وتمكنت عبر العقود من تجاوز العديد من الأزمات، كما أن دول الخليج نجحت في النأي بنفسها عن المحاور والاستقطاب الذي يشهده العالم حالياً، رافعة شعار المصالح المتبادلة، وتقوية العلاقات مع جميع الأطراف، شرقاً وغرباً. خبراء استطلعت أراءهم الرؤية أكدوا أنها بمثابة جولة استكشافية بالإنابة عن أمريكا، وأن جونسون من خلال أول تحرك له خارج القارة الأوروبية، للإمارات والسعودية، يوضح أن منطقة الخليج العربي هي منطقة استراتيجية حيوية، وقد أعلن قبل زيارته أن السعودية، والإمارات، مهمتان للغاية للأمن الإقليمي.

عبد المنعم سعيد: المعسكر الغربي يسعى للتقارب مع الخليج

>>| الفترة المقبلة ستشهد تقارباً أمريكياً غربياً مع الخليج و«ليس تحالفاً»

>>| واشنطن تسعى لترويض الحالة الإيرانية وليس تدميرها

تعكس زيارة رئيس الوزراء البريطاني بوريس جونسون لدولة الإمارات، والسعودية، رغبة من المعسكر الغربي، والولايات المتحدة في تحقيق تقارب جديد مع الخليج، بعد أن أدركوا أهمية ذلك خلال الأزمة الأوكرانية، حسبما قال أستاذ العلاقات الدولية، رئيس مركز الأهرام للدراسات السياسية والاستراتيجية سابقاً، د.عبدالمنعم سعيد، مشيراً إلى أن الزيارة تشتمل في أهدافها الأساسية على النفط، بالإضافة إلى أسباب أخرى.

الدور البريطاني

وأضاف: «من يدرك العلاقات الدولية جيداً، يعرف أن بريطانيا كثيراً ما تعمل وكيلاً لأمريكا، وتأتي زيارة رئيس الوزراء البريطاني جونسون للمنطقة، في رحلة تهدف لمعرفة الأسباب التي أدت إلى ذلك.

واستطرد: «الأسباب واضحة بالطبع، فما اعتبر أنه تخلٍّ من الولايات المتحدة عن أوكرانيا، وتخلٍّ عن الخليج بعد قصف الحوثي للإمارات، وحتى للعراق، بضرب أربيل، يعطي إشارة إلى أن أمريكا ليست الحليف النشط للتعامل مع مثل هذه التهديدات بالنسبة للمنطقة».

وتابع: «هل يحمل جونسون ما يشير إلى أن المستقبل سوف يحمل أكثر مما كان؟ هذا وارد، وخاصة أننا نشهد المراحل الأخيرة من الاتفاق النووي، ومتوقع أن يتم التوصل إليه خلال أيام، وغير واضح ما تم فيه بالنسبة للقضايا الأخرى المتعلقة بإيران، فالموضوع ليس اتفاقاً نووياً فقط، فهل تم طرح بعض المسائل مع الإيرانيين، مثل رفع العقوبات عن إيران، بينما الموقف في الشرق الأوسط يعد مشتعلاً، في العديد من الدول العربية، وزيارة جونسون هي رحلة استكشافية للإمارات، ثم بعدها عواصم خليجية أخرى، الآن أو في المستقبل القريب».

وأردف: «نرى الآن لعبة كراسي موسيقية على مستقبل العالم، ثم فالدول تنظر إلى الصدام الجاري وتحاول أن تضع نفسها في الموقع الذي يحقق مصالحها القومية، وعندما يفصح الجميع عن مصالحه القومية، من الممكن تحديد ما هي المصالح التي تتوافق، والأخرى التي لا تتوافق، وهذا ضروري».

وأشار إلى أنه لن يكون هناك تحالف أمريكي غربي مع الخليج، فأمريكا قررت ألا تورط نفسها في نزاعات عسكرية، وتسعى فقط لترويض الحالة الإيرانية، وليس لتدميرها أو إيذائها.

تقارب لا تحالف

وأوضح سعيد أنه خلال الفترة المقبلة سنشهد تقارباً أمريكياً غربياً مع الخليج، وليس تحالفاً، وهذا جزء من عملية ترويض إيران، فلا توجد مصلحة أمريكية أو بريطانية أو غربية، أو حتى مصلحة في سلامة إمدادات الطاقة والنفط وغيره، بدون وجود تقارب خليجي مع الغرب والولايات المتحدة، وأصبح معروفاً الآن إلى أي مدى من الممكن أن تسير الولايات المتحدة الأمريكية، فالقضية أصبحت هي أن نعرف أننا أمام سياسة دولية جديدة ونحدد أين نرتكز.

منظومة عربية

ودعا سعيد إلى ضرورة أن تكون هناك منظومة عربية، وأن تدير الدول العربية المعركة عسكرياً وسياسياً ودبلوماسياً واقتصادياً خلال الفترة المقبلة القلقة، التي بها تحركات صينية وأمريكية وأوروبية، وهناك حرب جارية، وعندما تتوقف سيكون هناك أوضاع جديدة للتعامل معها من قبل الدول العربية بالرشد الكافي.

نظرة جديدة

وأشار إلى أن نظرة الولايات المتحدة والغرب، إلى الخليج بشكل جديد نسبيا، رغم أن النفط ما زال عاملاً أساسياً في النظر لدول الخليج، إلا أن هذه النظرة تغيرت نسبياً، فأصبحوا يعرفون أن هناك دبي وهي بلد ليست نفطية وإنما مدينة عالمية، يعرفون أيضاً أن هناك مقومات جديدة في السعودية، وأنها تدخل الآن في مرحلة تصنيع وتنويع مصادر الدخل، وتجديد الخطاب الديني، فهناك أمور أصبحت ملحوظة في المنطقة، ومن الممكن إبرازها بشكل أكبر، وهذا سيغير من المعادلة.

الحصافة الدبلوماسية

وقال سعيد، إن الإمارات ودول الخليج تسعى حالياً إلى أن تجعل الخطوط مفتوحة مع العالم بأكمله، لذا فالتقارب الأمريكي الغربي مع الخليج سيظل مهماً وأقوى من أي تقارب آخر مع الشرق، فالعلاقة مع الغرب ستأخذ جزءاً كبيراً من اهتمام الخليج والدول العربية، مع اهتمامهم بالعلاقات الأخرى، ولعل امتناع الإمارات عن التصويت في مجلس الأمن عن الموافقة عن إدانة العمليات العسكرية الروسية في أوكرانيا، في مجلس الأمن، ثم إدانة روسيا في الجمعية العامة به نوع من الحصافة الدبلوماسية، في توزيع الأوراق الأساسية في التصويت، وهو ما يعني كيف تكون الدبلوماسية، لافتاً إلى أن الخليج والدول العربية ستستمر علاقاتهم مفتوحة مع روسيا والصين والشرق.

خطار أبو دياب: تأمين الحشد لدعم التوجهات الغربية
>>| الإمارات والسعودية لهما دور مركزي في الأمن الإقليمي والعالمي

>>| زيارة جونسون اعتراف بأهمية دول الخليج وخاصة أبوظبي والرياض

قال أستاذ العلوم السياسية بباريس، الدكتور خطار أبو دياب، إن روسيا تسعى لمنع أوكرانيا من أن تتحول لقاعدة ضدها، وكذلك فالغرب يسعى لمنع روسيا من تحقيق أهدافها، بينما واشنطن التي على بعد 7 آلاف كيلومتر من أوكرانيا، تقود العمليات، وبجوارها الحليف الإنجليزي الأوثق، كما كان دوماً عبر التاريخ، ويلعب رئيس الوزراء البريطاني بوريس جونسون دوراً كبيراً من خلال زيارته للخليج العربي، لتأمين الحشد لدعم التوجهات الغربية.

التحرك البريطاني

وأضاف: «جونسون من خلال أول تحرك له خارج القارة الأوروبية، للإمارات والسعودية، يوضح أن منطقة الخليج العربي هي منطقة استراتيجية حيوية، وقد أعلن قبل زيارته أن السعودية، والإمارات، مهمتان للغاية للأمن الإقليمي، ولاستقرار أسواق الطاقة، فقد أعرب عن أهمية التشاور مع صاحب السمو الشيخ محمد بن زايد آل نهيان ولي عهد أبوظبي نائب القائد الأعلى للقوات المسلحة، والقيادة الإماراتية، ومع ولي العهد السعودي الأمير محمد بن سلمان، والقيادة السعودية، من أجل شرح وجهة النظر البريطانية، ومن أجل التداول حول استقرار أسواق الطاقة.

دور مركزي

وقال: «بالفعل الإمارات والسعودية لهما دور مركزي في الأمن الإقليمي والعالمي، لأن غالبية الطاقة تمر من هذه المنطقة، فهي منطقة استراتيجية، وهي ليست بعيدة عن أوروبا، خاصة من ناحية تنظيم سوق الطاقة إن كان في مسألة الإنتاج، أو حصص الإنتاج، فلهذه المنطقة دور كبير».

تحديات كبيرة

وتابع: «هناك إدراك أيضاً أن هذه المنطقة (أبوظبي كما الرياض)، تشعر بأن هناك تحديات كبيرة من بعض القوى الإقليمية، تحدّيات في حرب اليمن، تواجهها محاولة استفزاز، هناك اعتداءات على هذه الدول، تحتاج لوقفة بشأنها، وفي نفس الوقت لها دورها في مسارات التطورات، وعدم التصعيد في الأزمة الأوكرانية، واستمرار السلام العالمي، ولذلك سيكون هناك تبادل للرأي مفيد للطرفين، وفق علاقات أقل ما يقال فيها إنها علاقات تاريخية ومتجذرة بين لندن وهذه الدول».

وأشار إلى أن ما قامت به إدارة الرئيس الأمريكي جو بايدن، على غرار إدارة الرئيس السابق أوباما، من عدم إعطاء الأولوية للحلفاء التقليديين لواشنطن، وهم دول الخليج، وكان من اللافت أيضاً أن لندن لا تسعى للعب دور مميز، لكن على ما يبدو هذه المرة أن زيارة جونسون السريعة، هي اعتراف بأهمية دول الخليج وخاصة الإمارات والسعودية، وأهمية دورهما، وأهمية العمل المشترك بين دول الخليج، والدول الغربية، فدول الخليج أعطت الكثير في الماضي إبان الحرب الباردة، إلا أنها هذه المرة لن تستخدم لهدف أو لآخر، ما يهمها اليوم، مصالحها العليا في المقام الأول، ومن خلال مصالحها العليا تحدد مواقفها، وهي غير مستعدة لانخراطها أو توريطها في موضوعات لا تعنيها.

وأوضح أن الغرب وأمريكا كانوا ينظرون من قبل للخليج، باعتباره برميلاً للنفط، لكن هذه المنطقة الآن تعد لاعباً بامتياز على الصعيدين الإقليمي والدولي، له استقلاليته وحضوره ووزنه، ويجب أن تؤخذ مصالحه بعين الاعتبار، كما تؤخذ مصالح الآخرين بعين الاعتبار.

الحشد تحت راية «الناتو»

ولفت إلى أن أمريكا والغرب أمام محك جديد، فقد عادت الحرب لقلب أوروبا، وتحاول أمريكا حشد الجميع تحت راية حلف شمال الأطلسي «الناتو» من جديد، وفي منطقة الخليج منذ هجمات الحوثيين في 2019، نلمس تراخياً أمريكياً، هل سيتغير هذا الآن أم لا؟ علينا رصد المستقبل القريب للإجابة الدقيقة عن هذا الأمر.

وأوضح أن العنوان الأساسي لعلاقات الخليج بالغرب والشرق الآن، هو تنويع العلاقات، بإقامة علاقات مع الشرق كروسيا والصين، لأن التنويع به مصالح متبادلة، فلن يكون هناك تقارب مع فئة على حساب فئة أخرى، لن يكون هناك انحياز، هناك علاقة استراتيجية وتاريخية لدول الخليج مع الولايات المتحدة والغرب، لكن هذا لا يعني أنها ستكون معادية للدول الأخرى.

تنويع العلاقات

ولفت إلى أن هذه السياسة الخليجية ترتكز على احترام العلاقات الاستراتيجية والتقليدية التاريخية، لكن هذا لا يمنع أن يكون هناك تنوع في العلاقات، وإشارة أساسية من دول الخليج، إلى الغرب والولايات المتحدة، بأن العالم تنوع وتغير، خاصة أن غالبية تجارة دول الخليج الآن تتم مع آسيا، فهناك أيضاً بعد اقتصادي، فالخليج العربي اليوم يحاول إدارة سياساته وفقاً لاحترام مصالحه في المقام الأول، وتنويع الشراكات يأتي ضمن هذا الاتجاه، فليس هناك أيديولوجيا في هذا الأمر، أو اعتبار في اختيار طرف على حساب آخر، وإنما إعلاء اعتبار المصالح المتبادلة.

عبدالله العساف: تهدف لإصلاح ما أفسدته الإدارة الأمريكية

وبدوره، قال المحلل السياسي السعودي، أستاذ الإعلام السياسي، الدكتور عبد الله العساف، إن زيارة رئيس الوزراء البريطاني، تعكس مكانتهما السياسية والاقتصادية عالميا، وثقلهما ودورهما المحوري دوليا في التعامل مع الأزمات والتحديات العالمية في مختلف المجالات.

أهداف زيارة جونسون

وأوضح أن كلا من السعودية والإمارات، ترتبطان مع المملكة المتحدة، بعلاقات تاريخية ومميزة في مختلف المجالات السياسية والأمنية والعسكرية، والتجارية والاستثمارية والخدمات المالية، وفي الصحة والتعليم، والطاقة والصناعة والبيئة، وكذلك الثقافة والرياضة والسياحة، فالسعودية والإمارات أكبر شركاء بريطانيا التجاريين في المنطقة. وأشار إلى أن زيارة رئيس الوزراء البريطاني، ستسهم في تعزيز هذه العلاقات وتطويرها، موضحاً أن الهدف الأهم من هذه الزيارة، هو حث الدول المنتجة للنفط على المساعدة في خفض الأسعار، بعد الحرب في أوكرانيا، كما سيحاول جونسون حث الإمارات، والسعودية من أجل الضغط على روسيا دبلوماسياً واقتصادياً.

ولفت إلى أن جونسون، سيسعى في ذات الوقت لمحاولة إصلاح ما أفسدته الإدارة الأمريكية، في علاقتها مع من كانوا حلفاء أو شركاء إستراتيجيين لواشنطن، وفشلت الإدارة الحالية في المحافظة عليهما، وظنت أنه بمقدورها الاستغناء عنهما، والعمل بدونهما، ولكن الأزمة الأوكرانية سرعان ما أعادت البوصلة إلى مكانتها الطبيعية، وأرسلت رسائل واضحة للإدارة الأمريكية، بأن مقارباتها تجاه الرياض وأبو ظبي كانت خاطئة.

عدم الانحياز

وأوضح أن الحرب الروسية الأوكرانية ما زالت في بدايتها، وأطراف الصراع تسعى لممارسة نفوذها في المنطقة، والعودة لحالة الاستقطاب، مثلما كان يحدث أيام الحرب الباردة، لكن الظروف الجيوسياسية تغيرت، والدروس الأمريكية تعددت، والحالة هذه تستوجب أن تعود الدول العربية فعلياً لمظلة عدم الانحياز إلا لمصلحتها فقط، وعدم الركون لسياسة المحاور، والعمل وفق مقاربة جديدة، ملفات مقابل ملفات، والحفاظ على مسافة واحدة من أطراف النزاع، فما حدث في اليمن يلهمنا الدروس من مواقف هذه الدول معنا، ومع قضيتنا العادلة، وسعيها خلف مصالحها، ولا تخدمنا إلا بقدر ما تستفيد منا، وحان وقت المعاملة بالمثل.

وأشار إلى أنه في ظل الظروف الجيوسياسية التي تغيرت كثيراً، وكذلك الظروف الدولية، نجد أن دول الخليج، عليها أن تتعامل وفق مصالحها الخاصة، فهي لديها رؤى طموحة اقتصادية،وأيضاً تسعى لتنويع السلة الاقتصادية، فاتجاه دول الخليج شرقاً لا يعني الإضرار بالأصدقاء غرباً.

كما لفت إلى أن دول الخليج تتعامل الآن مع مصالحها، كما فعل الغرب واستدار شرقاً بحثاً عن مصالحه دون أن يقيم اعتبار لهذه الدول ويسأل عنها، لذا فعلى دول الخليج والدول العربية أيضاً أن تبحث عن مصالحها، ولا تنحاز شرقاً أو غرباً، وإنما تعود لمظلة عدم الانحياز إلا لمصالحها الخاصة.

وأضاف "السعودية ودول الخليج لن تنحاز لأي من الشرق أو الغرب، لأن الانحياز اليوم لأي من المعسكرين هو خسارة كبيرة للغاية، لأن الأمور ما تزال في الثلث الأول، والعشرين اليوم الأولى من هذه الأزمة التي لا يعرف أحد مداها، ولا يزال الضباب يكتنف هذه الأزمة".

واختتم تصريحاته "على دول الخليج أن تتبين مواقع أقدامها قبل الاتجاه شرقاً أو غرباً أو البقاء في المنتصف، وعليها استثمار هذه الأزمة جيداً في علاج أزمات المنطقة وملفاتها المضخمة".