الأربعاء - 15 مايو 2024
الأربعاء - 15 مايو 2024

تقدير موقف | 4 مسارات تقود الخليج لتجاوز مرحلة «عدم اليقين» مع الغرب

تقدير موقف | 4 مسارات تقود الخليج لتجاوز مرحلة «عدم اليقين» مع الغرب

تمر العلاقات الخليجية الغربية بمرحلة من عدم اليقين؛ بسبب تراجع الغرب عن التزاماته في كثير من الملفات السياسية والأمنية والعسكرية، والقيام بخطوات عكسية أضرت بالعلاقات مع دول الخليج، التي ظلت طوال ما يزيد على 80 عاماً تتعامل بمصداقية كاملة، ووفاء خالص بكل التزاماتها تجاه شركائها الغربيين، ما ساهم في رخاء واستقرار الغرب، وباعتراف الدول الغربية نفسها كان يمكن لبرميل النفط أن يصل إلى 500 دولار، في الكثير من الأزمات الدولية التي مر بها العالم طوال العقود الماضية، لكن حكمة قادة دول الخليج كانت دائماً في الوقت المناسب لزيادة الإنتاج وتخفيض الأسعار، وليس هذا فحسب، فالدول الخليجية كانت على الدوام بمثابة الشريك المثالي للغرب،الذي لا يضع أي أعباء اقتصادية، أو سياسية على الدول الغربية.

ورغم هذه الأمانة الكاملة في العلاقة من جانب الدول الخليجية، فإنه في الآونة الأخيرة بدأت الدول الغربية تنظر للمنطقة الخليجية باعتبارها فقط «بئراً من النفط» أو «محطة بنزين»، وهو ما لا يليق بالعلاقة الممتدة والطويلة بين الطرفين، وهو ما قد يدفع دول الخليج في النهاية للبحث عن شركاء جدد، ليس ليحلوا محل العلاقة مع الدول الغربية، لكن من حق الدول الخليجية أن يكون لها شركاء آخرون يشاطرونها الآمال والآلام، وليس فقط طَرق باب الخليج عندما يكون هناك حاجة لرفع كمية الإنتاج من النفط والغاز. فما هي الأسباب التي قادت العلاقة الخليجية الغربية للوصول إلى هذه النقطة البعيدة؟ وما هي خيارات الدول الخليجية؟ وهل يمكن إصلاح الضرر النسبي الذي تسبب فيه الغرب في علاقاته مع الدول الخليجية؟

5 ملفات خلافية

زاد في الآونة الأخيرة عدد وحجم النقاط والملفات الخلافية بين الدول الغربية والخليج، في مقدمة تلك النقاط أن الإدارة الأمريكية الجديدة، وقبل مرور شهرين على دخولها البيت الأبيض رفعت اسم الحوثي من قائمة التنظيمات الإرهابية، وهو عكس مسيرة الشراكة الاستراتيجية التي وقعتها غالبية الدول الخليجية مع الولايات المتحدة الأمريكية، وسبق هذا أن الدول الغربية وفي المقدمة منها الولايات المتحدة وبريطانيا وفرنسا وألمانيا دعموا التوصل لاتفاق 5+1 مع إيران في يوليو 2015 رغم أن شركاءهم الخليجيين لم يكونوا مؤيدين لنص هذا الاتفاق الذي تجاهل، من وجهة نظر خليجية، قضيتين أساسيتين تتعلقان بالأمن القومي الخليجي، وهما: الصواريخ الباليستية الإيرانية، ونشاط إيران المزعزع للاستقرار في المنطقة العربية. ورغم كل هذه التخوفات الخليجية سار الغرب حتى النهاية في توقيع الاتفاق الذي انسحب منه الرئيس الأمريكي السابق دونالد ترامب، في 7 مايو 2018، وها هي الدول الغربية تكرر نفس الخطأ وذات التجاهل للمصالح الخليجية من خلال مسارين؛ الأول: هو عدم إشراك دول الخليج المعنية بالأمر قبل غيرها في مفاوضات فيينا مع إيران.. وثانياً: بعدم تضمين الاتفاق القادم المخاوف الخليجية ونشاط إيران في المنطقة.

الخلاف الثالث: يتعلق بتوريدات وشراء السلاح من الغرب للدول الخليجية، فرغم النداء الغربي الدائم بدعوة شركائهم الأمنيين، سواء في الخليج أو في أوروبا والشرق الأقصى، بمساهمة أكبر فيما يتعلق بالإنفاق الأمني والعسكري، وسعي الدول الخليجية بشكل دائم للحصول على أحدث الأسلحة ودفع ثمنها بشكل كامل، فإن الدول الغربية سواء الولايات المتحدة الأمريكية أو في أوروبا الغربية بدأت في فرض قيود واشتراطات لم تعد مقبولة من جانب الدول الخليجية التي تتلقى على مدار الساعة عروضاً بأسلحة من كافة المدارس التسليحية في العالم، وهو ما دفع دول الخليج للعمل على 3 محاور متوازية؛ الأول: هو النظر بعناية وجدية في العروض التسليحية من الدول الأخرى غير الغربية، ورأينا صفقات كبيرة بين دول خليجية ودول في آسيا مثل كوريا الجنوبية. والثاني: من خلال العمل على توطين الصناعات العسكرية في دول الخليج، وبالفعل تم توقيع العديد من الاتفاقيات الضخمة في هذا المجال. والمحور الثالث: عبر إعلان دول الخليج نفسها إرجاء أو تجميد بعض الصفقات العسكرية التي حاول الغرب ربطها بملفات وقضايا أخرى غير مقبولة خليجياً، وعلى سبيل المثال تم الإعلان عن تجميد صفقة تتعلق بشراء طائرات أمريكية من طراز «إف 35»، ومعروف دولياً عن دول الخليج أنها أكثر دول العالم التزاماً بكل حرف وكلمة تأتي في صفقات التسلح، وفي المقدمة منها الحفاظ على أسرار التكنولوجيا العالمية، ولم يثبت خلال كل العقود الماضية أن تم تسريب أي من أسرار التكنولوجيا العسكرية من الدول الخليجية لدولة ثالثة، وهو ما يضع علامات استفهام كبيرة حول أسباب الاشتراطات الجديدة لبيع هذه الطائرات وغيرها من الأسلحة لدول الخليج.

الخلاف الرابع: يتعلق بالخطب والدروس التي تحاول الدول الغربية فرضها على الدول الأخرى بما فيها دول الخليج، ففي الآونة الأخيرة بات واضحاً أن الدول الغربية تتدخل في الأمور الداخلية للعالم من خلال الحديث عن ملفات داخلية، رغم إقرار دول غربية أخرى أن خصوصية الملفات الداخلية تختلف من دولة لأخرى، وأنه لا توجد دولة في الخارج تدرك خصوصية وأهمية الملفات الداخلية مثل الدول الخليجية نفسها.

الخلاف الخامس: يتعلق بملف الطاقة، فالدول الخليجية ملتزمة بإطار عمل معروف، وهو سقف ما تقرره منظمة «أوبك» وشريكتها «أوبك +»، وهي منظمات ثبت نجاحها في الحفاظ على مصالح المنتجين والمستهلكين معاً، وأن توظيف هذا الملف لصالح قضايا سياسية تهم الغرب وحده بات لا يجد قبولاً من كل دول الخليج والدول العربية، بل وفي كثير من دول العالم، ويرتبط بهذا الملف حرية الدول الخليجية بمستقبل ربط مبيعاتها من النفط بالعملات الأجنبية، فهذه مصالحها وهي من تقررها.

4 مسارات جديدة

المؤكد أن التاريخ الطويل من العلاقات الخليجية الغربية سوف يستمر، لكن طبيعة وحدود هذه العلاقة قد تأخذ أشكالاً جديدة، ويمكن أن تسير العلاقات الخليجية الغربية في 4 مسارات هي: الأول: الزواج الإسلامي، هو ما يناسب علاقة الخليج بالدول الغربية، بمعنى أن فكرة الزواج الكاثوليكي التي جعلت من علاقات الخليج حصرية بالدول الغربية لفترات وعقود طويلة لم تعد مناسبة لطبيعة التحديات والمتغيرات التي طرأت على المنطقة من جانب وعلى الفكر الغربي من جانب آخر، فالزواج الإسلامي كما قال وزير الخارجية السعودي الأسبق، الأمير سعود الفيصل، هو الذي يسمح بتعدد الزوجات والوقوف على مسافة واحدة من الجميع، وهو النموذج الذي يساعد دول الخليج على بناء علاقات متوازية ومتوازنة مع الجميع في الشرق والغرب على حد سواء، وأن تكون المصالح الوطنية الخليجية هي التي تحكم جميع القرارات.

ثانياً: التوازي.. بمعنى أن الدول الخليجية لن تتخلى عن شركائها الغربيين لصالح دول أخرى، بل سوف يكون الانطلاق من استجابة كل دولة لمصالح الدول الخليجية سواء في الشرق أو في الغرب.

ثالثاً: تحديد مساحات الاختلاف والاتفاق.. بمعنى أن الخليج بات على يقين بعدم التطابق في جميع الملفات والقضايا السياسية والاقتصادية والأمنية مع الغرب، وبالتالي يمكن أن تسير العلاقة في جميع الملفات والمساحات المشتركة، وترك الملفات الخلافية للتعاون فيها مع أطراف إقليمية أو دولية أخرى.

رابعاً: تغيير الصورة.. ويمكن أن يتحقق هذا من خلال العمل بكل الوسائل وبمختلف الآليات مع المجموعات الغربية التي تقف وراء هذا التحول الكبير في المواقف الغربية، وفي المقدمة منها ما تسمى بـ«المجموعات الليبرالية واليسارية» التي تتعارض مواقفها مع مصالح الدول العربية والخليجية، والهدف من هذا الحوار هو تقليل مساحات الاختلاف وتوفير فهم أعمق لدى هذه المجموعات الغربية عن أهمية ودور ما تقوم به دول الخليج في إرساء السلام والاستقرار العالمي.