الجمعة - 03 مايو 2024
الجمعة - 03 مايو 2024

حوار | مسؤول مالي سابق: النظام اللبناني مشغول بـ«تقاسم الغنائم»

حوار | مسؤول مالي سابق: النظام اللبناني مشغول بـ«تقاسم الغنائم»

لبنان

لبنان غير مُفلس.. والمصرف المركزي يتعامل بعدم شفافية

الوضع المالي في حالة يرثى لها.. والعملة المحلية غير متوفرة بالأسواق

الأموال العربية انتهت في «جيوب» الطبقة السياسية المالية

قال مدير عام وزارة المالية اللبنانية السابق، آلان بيفاني، إن لبنان ليس دولة مفلسة، بل دولة في حالة يصعب فيها تأمين المدفوعات بالدولار، منتقداً عدم شفافية المصرف المركزي لعدم الإعلان عن الاحتياطي النقدي، الذي يبلغ نحو 10 مليارات دولارات. وأضاف بيفاني في حوار لـ«الرؤية»، أن العملة المحلية منهارة وغير متوفرة في الأسواق، محملاً المسؤولية للطبقة السياسية المالية التي تسلطت على لبنان، وتركت الخسائر تنهال عليها، مشيراً إلى أن بيروت تعاني أزمة سيولة حادة وهناك كوارث يومية تتراكم، مشددا على أهمية إعادة هيكلة فورية للقطاع المصرفي وهيكلة الدين العام.

عملياً هل أفلس لبنان؟ وماذا تعني تصريحات نائب رئيس الوزراء اللبناني أن الدولة أفلست ثم ذكر أنها تم اجتزاؤها؟

أتصور أن هذا القول قيل باللغة «الدارجة»، يعني أن لبنان غير قادر على تأمين مستحقاته، وهو ما يحتاج إليه، والدولة اللبنانية مثل أي دولة لا يعلن إفلاسها، فقط يمكن الإعلان عن تقليص نفقاتها أو فرض ضرائب إضافية، أو التوقف عن الدفع، لكن الدولة مستمرة، فهي ليست مؤسسة حتى تتوقف، وما قاله نائب رئيس الحكومة إننا في حالة صعبة، والبنك المركزي يتكبد خسائر كبيرة وبسببها أصبحت لبنان في حالة يصعب فيها تأمين المدفوعات بالدولار. وفيما يخص هل تم اجتزاء التصريحات؟ أقول إنه تم فهم ما قيل بشكل غير دقيق، وحدث ذلك لخلق نوع من الهجوم على نائب رئيس الحكومة، حيث يحاول البحث عن حلول لا تروج للطبقة الحاكمة، والكلمة كانت «خاطئة» ولبنان ليس دولة مفلسة والقول لا يحتمل أكثر من ذلك.

من المسؤول عن الانهيار الاقتصادي والمالي في لبنان؟

لا شك أن المسؤولية تقع على عاتق الطبقة السياسية المالية التي تسلطت على لبنان منذ نهاية الحرب في أوائل التسعينيات من القرن الماضي، وعلى مدى سنوات طويلة تقاسمت المغانم وحولت إيرادات الدولة لجماعاتها وتسلطت ورفضت الإصلاح الجذري الذي يُمكِّن من إعادة الحيوية للاقتصاد والتوازن للمالية العامة، وشفافية عمل المصرف المركزي، والمصارف التجارية، ومنذ 3 سنوات لا تزال تلك الطبقة على موقفها من عدم قبول الإصلاحات، وعدم السير على الخطة الإنقاذية التي تتوجب وتتضمن إعادة هيكلة الدين والقطاع المصرفي، والمصرف المركزي، وتأمين الإصلاحات المالية والبنيوية؛ للوصول إلى استقرار نقدي، وقد سبق للطبقة السياسية المالية أن نسفت الخطة التي قمت بوضعها مع بعض الزملاء في حينها، والتي تم إقرارها بالإجماع من قبل الحكومة والبنك الدولي وكذلك الصندوق الدولي، والجهات الأجنبية كافة، إلا أن الطبقة السياسية المالية اعتبرت أنها لا تريد أن تساهم في امتصاص الخسائر، وبالتالي عمدت إلى تعطيل الخطة وعدم طرح أي بديل، ما يعني ترك الخسائر تنهال، وانهيار العملة الوطنية، لذلك المسؤول هي الطبقة السياسية المالية.

ماذا تعني بالطبقة السياسية المالية في لبنان؟ وهل الدولة بمؤسساتها وأبنائها عاجزة عن النهوض الاقتصادي؟

الطبقة السياسية المالية هي كل من يملك قراراً قوياً داخل المؤسسات المالية، بالإضافة إلى بعض المصرفيين وأعضاء مجالس إدارة المصارف، الذين يرتبطون بالسياسة، ومعهم حاكم البنك المركزي وفريق عمله، أما فيما يخص الدولة ومؤسساتها، فلبنان ليس بحد ذاته عاجزاً أو غير ذلك، فهو جهاز تنفيذي للسياسات المطروحة، والمؤسف أن السياسات غير مجدية وغير مطروحة، ويوجد فراغ كامل في الرؤية السياسية، وبالتالي تبقى الأجهزة التنفيذية «مشلولة»، رغم وجود طاقات لا بأس بها، وبطبيعة الحال «عندما يتقاسم النظام الغنائم، تنعدم السياسات، المجدية للدولة»، ورأينا ما يسمى بالاتفاق الأول مع المستوى الإداري، مع صندوق النقد الدولي، لكن لا يوجد أحد يعلم معالم الاتفاق، ولا توجد رؤية أو طرح واضح، لكنها أخذت بعض الأشياء مما تم طرحه منذ عامين، وتم إيهام المواطنين بأنه شيء وبرنامج جديد، والمشكلة تفاقمت والطرح ما زال دون المطلوب، مقارنة بالماضي.

إقرأ أيضاً..دعوة لغلق الصيدليات في لبنان احتجاجاً على مقتل صيدلانية

هل لبنان يعاني أزمة سيولة؟

لبنان يعاني أزمة سيولة حادة، لكن كل من حاول أن يصور الوضع أنه أزمة سيولة فقط، يحاول أن يخبئ مسؤوليته، والوضع الفعلي الذي وصل إليه المصرف المركزي والمؤسسات المصرفية، نراه في حالة انعدام رؤوس الأموال، لذلك يجب إعادة هيكلتها بأسرع وقت للسماح لإعادة الانطلاق بالاقتصاد، وبطبيعة الحال هذا الوضع من الإنكار يؤدي إلى كوارث يومية تتراكم على أكتاف اللبنانيين.

ما هو الدور الواجب على الدول العربية تجاه الأزمة في لبنان في ظل ما يقدم من دعم؟

من المنطقي أن نرى الدعم بشكل كبير، ولكنني أفهم موقف الدول، فالأموال التي أغدقت انتهت في «جيوب» الطبقة السياسية المالية، كما أن الدول بحاجة إلى نظام وحوكمة للتعاطي مع لبنان، وبحاجة إلى من يدير العملية الإصلاحية مثل صندوق النقد الدولي وهذا أمر مفهوم، وأتمنى لكل داعم للبنان ألا يدعم بشكل «أعمى» كما كان الوضع في السابق في المؤتمرات، التي أعطت مليارات الدولارات دون شروط إصلاحية.

لبنان متوقف عن سداد الديون الخارجية منذ مارس 2020، في عهد حكومة الرئيس حسان دياب، ما الأثر المترتب على ذلك؟

هذا صحيح، فقد توقف لبنان عن التسديد عندما أغلقت المصارف أبوابها، وعندما كان التعثر موجوداً لا محالة، ولبنان منذ عام 2016 غير قادر على تأمين الأموال للسوق العالمية؛ لأنه أصبح في مستوى مخاطر، لا يسمح له، والإدارة الحسنة ترى أن يتوقف الدفع فوراً، وأن يتم الإعلان عن التعثر في أوائل المشكلة للحفاظ على أكبر مبلغ ممكن في خزينة الدولة لإدارة الأزمة والخروج منها في أسرع وقت، وبطبيعة الحال عندما يعلن بلد متعثر عن تسديد السندات، والدين الخارجي، هذا ليس نهاية المطاف.

ما هو مطلوب أن تقوم الدولة بتطبيق برنامج إنقاذي يسمح بالعودة للالتزامات بعد إنجاز خطة إصلاحية شاملة، وما رأيناه في لبنان عكس ذلك، من ينتقد التعثر هو من منع لبنان أن يقوم بعملية إصلاحية واسعة بعد التعثر، ومن ينتقد اليوم هو من كان يقول في حينه وفي السابق إنه لا يعرف طريقاً لتأمين المبالغ، وفي عام 2020، كانت هناك استحقاقات في مارس وأبريل ومايو، وكان الحديث أننا لا نعرف كم من الدولارات موجود في المصرف المركزي ونطالب الحكومة بتطبيق برنامج حسابي وجنائي، وكان من الصعب أن تقرر الحكومة الاستمرار، وكان وقتها الجواب فلندفع شهر مارس ولنرَ ما يمكن أن ندفعه من استحقاقات مستقبلية، وهذا كلام غير مسؤول، ولا يعقل أن تعطي الدولارات للخارج في وقت يعاني فيه الداخل، وكان من الطبيعي أن تتوقف الحكومة عن الدفع.

عندما بدأ الحديث الجدي مع صندوق النقد عطلت الطبقة السياسية المالية الخطة رغم موافقة الحكومة وصندوق النقد، ولم تأتِ باقتراح بديل، وتركت الأزمة تستفحل، والأثر الكارثي هو عدم اعتماد أي سياسات أو خطة للخروج من الوضع الذي كان لا محال يتجه إليه لبنان.

هل تتوقع انخفاض الليرة أكثر مما هي عليه الآن؟

هذا تكهن، فلا يمكن معرفة ما لدى المصرف المركزي في الوقت الحاضر، ولا يمكن تصور أن الليرة تتحسن ما لم تبدأ عملية إصلاحية جذرية، وهنا سؤال: هل وصلت الطبقة السياسية المالية إلي قناعة بضرورة فك الحصار عن الشعب والانطلاق بعملية إصلاحية أم لا؟ والإجابة: حتى الآن غير واضح أن هذا الخيار قد تم، ومن دونه يصعب أن نتخيل أن وضع الليرة يتحسن.

هل ترى هناك حلولاً لرفع قيمة الليرة مقابل الدولار؟

قيمة الليرة هي صورة للوضع الاقتصادي والمالي والنقدي، والوضع المالي في حالة يرثى لها والوضع النقدي هو الأسوأ، والمشكلة قبل كل شيء هي في النقد، فلبنان ليس أسوأ أو أفضل من أي دولة في العالم، فهو اقتصاد له البيئة التي تتحرك فيها الطاقات، لكنها أصبحت بيئة لا تطاق، ومن الضروري جداً أن يفهم اللبنانيون والطبقة الحاكمة أن العملية الإصلاحية لن تتم بإجراء واحد أو اثنين، بل بعدة إجراءات، حتى تكون السبيل لتحسين الليرة.

من حين لآخر نسمع عن وصول الأزمة المالية لمؤسسات الدولة الأمنية والعسكرية «الجيش»، إلى أي مدى تأثروا؟ وما هو المتوقع في المستقبل؟

المؤسسات العسكرية مثل نظيرتها المدنية تشعر بالأزمة بقوة، وانهيار القدرة الشرائية للجميع هائل، والفارق أن القوة العسكرية ما زالت تحصل، ولو بقدر قليل، على دعم مباشر للسماح لها بالاستمرار، وهذا الحد الأدنى المقبول، لأن انهيار العملة الذي كان نوعاً ما مفتعل من الطبقة الحاكمة، يؤثر على الطبقات المتوسطة والفقيرة لذا هذا الدعم ضروري حتى انطلاق العملية الإصلاحية.

ما هي «الروشتة» الإصلاحية لخروج لبنان من أزمته الاقتصادية والمالية؟

لبنان يحتاج إلى إعادة هيكلة فورية للقطاع المصرفي، وإصلاحات على المستويات المالية العامة والبنية التحتية والخدمات الأساسية، مع تقوية شبكات الأمان الاجتماعي، وتمكين اللبنانيين من تحمل فترة الإصلاح، ويترافق مع ذلك برنامج إعادة إطلاق العجلة الاقتصادية والقطاعات التي تستطيع خلق القيمة المضافة وفرص العمل، وهذا يؤدي إلى استقرار نقدي، ما يسمح بإعادة الأمور إلى طبيعتها، وبطبيعة الحال إعادة هيكلة الدين العام.