الأربعاء - 15 مايو 2024
الأربعاء - 15 مايو 2024

المنقذ الغائب.. عيون اللبنانيين تتطلع إلى «الحياد» الإقليمي والدولي

المنقذ الغائب.. عيون اللبنانيين تتطلع إلى «الحياد» الإقليمي والدولي

اللبنانيون ينشدون حياداً يخلصهم من الصراعات الإقليمية. (رويترز)

تتعلق آمال اللبنانيين غير المسيسين بـ«الحياد» كونه السبيل الوحيد للنأي بأنفسهم عن الصراعات الإقليمية والدولية التي تلقي بظلالها على الواقع السياسي والاقتصادي والأمني على بلد يعاني أزمات متلاحقة، حولت حياة المواطنين إلى معاناة متواصلة لتدبير نفقات المعيشة والاحتياجات الأساسية.

وانطلقت في العاصمة اللبنانية بيروت السبت، فعاليات مؤتمر «استعادة الحياد» الذي يرعاه البطريرك الماروني، بشارة الراعي.

وفي كلمة الافتتاح، قال ممثل البطريرك الراعي، المطران سمير مظلوم إن المطلوب استعادة الحياد الذي فقده اللبنانيون بسبب تعدد انتماءاتهم الخارجية. مشيراً إلى أن البطريركية المارونية واكبت لبنان منذ انطلاقته للذود عن هذا الوطن، وتطالب باستعادة دور لبنان ورسالته في العالم.

ودعا الدكتور علي النعيمي، رئيس لجنة الشؤون الخارجية والدفاع بالمجلس الوطني الاتحادي بدولة الإمارات، إلى مبادرات لتعزيز التعايش في المنطقة. ونبه النعيمي خلال كلمته في مؤتمر «حياد لبنان»، بالحاجة إلى أن نرى لبنان منصة للمنطقة ليعود إلى ما كان عليه كواحة سلام للمنطقة. متابعاً أن دولة الإمارات العربية المتحدة تبني جسوراً من المحبة والاحترام بغض النظر عن الطوائف والأديان، مشدداً على أن الحياد يمثل ضرورة ليس فقط بالنسبة إلى لبنان وإنما للمنطقة بأسرها. ودعا رئيس لجنة الشؤون الخارجية والدفاع بالمجلس الوطني الاتحادي، إلى تبني رؤية وبرامج تتلاقى مع أهداف المؤتمر، مؤكداً الحاجة إلى مبادرات تعزز التعايش في المنطقة.

مكاسب الحياد

ويرى الكاتب الصحفي اللبناني فادي عاكوم، أن الحديث عن الحياد في لبنان من الملفات المهمة جداً، كون لبنان يتمتع بتأثير جيوسياسي رغم صغر مساحته، ما يجعله منطقة لقاء أو تشابك لعدد من المشاريع الإقليمية والدولية، وهذا الأمر أنتج تبعية سياسية لبعض الفرقاء السياسيين في لبنان للخارج بطريقة مباشرة وغير مباشرة.

اقرأ أيضاً.. شولتس يتحدث لـ«دير شبيغل» عن فرص اندلاع حرب عالمية ثالثة

وقال عاكوم في تصريحات خاصة، إن أي مشاريع إقليمية في المنطقة يجب أن تمر من لبنان، وتؤثر على الواقع السياسي اللبناني، والحياد ينبع من النأي بالنفس عن الانحيازات، حتى لا تصطدم هذه المشاريع وتنعكس بالسلب على الواقع اللبناني، وهو ما حدث فعلاً.

وأضاف قائلاً: «إذا أردنا الحديث عن مكاسب الحياد، فيجب التفكير فيما لو كان لبنان محايداً، حينها لم نكن لنشهد هذه الأزمة الاقتصادية الضاغطة الخانقة، وهروب رؤوس الأموال والاستثمارات الخليجية والأجنبية من البلاد». وتابع أن اصطفاف حزب الله مع الحرس الثوري الإيراني في تنفيذ مشاريعه في المنطقة والعالم، أنتج غضباً غربياً وإقليمياً على لبنان، أثر بالسلب اقتصادياً وسياسياً، ويوجد فرقاء آخرون يتلقون الدعم من سوريا ومن المملكة العربية السعودية وهذا يغضب حزب الله.

وأشار إلى أن الشعب اللبناني غير المسيس، وهم الفئة الأكثر تضرراً من الواقع المأزوم، ينشدون الحياد، لأنه لا بد من أن يصبح مطلباً أساسياً للجميع، حتى للفرقاء السياسيين التابعين للخارج؛ إذا أرادوا وضع مصلحة لبنان واللبنانيين فوق كل اعتبار، لكن يبدو أن المصالح السياسية هي التي تتحدث وتتحكم في زمام الأمور.

وأوضح أن الحياد يبدو بعيداً في هذه الفترة، وفي المرحلة المقبلة، رغم إعلان رئيس الحكومة نجيب ميقاتي هذا الأمر أكثر من مرة، لكن المتابع لطبيعة الوضع في لبنان يعلم أنه لا قدرة لميقاتي أو غيره على تركيز الحياد والتأكيد عليه في لبنان، لافتاً إلى أن حزب الله وحركة أمل وحزب القوات اللبنانية سيعطلون أي توجه نحو هذا الحياد المنشود.

اقرأ أيضاً.. حوار | الصحة العالمية تجيب عن سؤال الساعة «هل انتهت الجائحة»؟

انقسام اللبنانيين

من جانبه، قال المحلل السياسي اللبناني أحمد يونس، إن الحياد الذي ينشده اللبنانيون في هذه الأيام ينطلق من فكرة أن لبنان بلد صغير الحجم وإمكاناته محدودة في ظل الأزمات المتتالية التي يمر بها منذ الحرب الأهلية، وتراكم الديون، نتيجة فساد إدارة شؤون البلد، وتحوله لساحة للصراعات الخارجية والتدخلات الأجنبية.

وأضاف يونس في تصريحات خاصة، أن هناك انقساماً عامودياً بين اللبنانيين أنفسهم باعتمادهم سياسة المحاور، فهناك المحور الغربي، ومحور ما يسمى بالممانعة، وبالتالي انسحب هذا الصراع على كل مفاصل الحياة في لبنان، ونتج عنه أزمات متلاحقة في مجالات السياسة وعدم الاستقرار الأمني والانهيار الاقتصادي، وتأثرت علاقة لبنان بجيرانه، وخاصة الدول الخليجية.

وتابع بقوله: «إن صراع المحاور والتنازع على كل مقدرات الدولة والسلطة والحكم، خصوصاً في السنوات الثلاث الماضية، أدى إلى نتائج كارثية ومشاكل وأزمات سياسية، منها تأخر تشكيل حكومة لفترة طويلة، وعدم انتخاب رئيس جمهورية لفترة طويلة، لافتاً إلى أن كل استحقاق في لبنان يحتاج إلى تفاوض ومشاورات وتدخلات من الخارج؛ نظراً لارتباط القوى السياسية اللبنانية بقوى خارجية، ما انعكس على حياة المواطن اللبناني».

وأشار إلى تزايد الأصوات المنادية بالحياد والانسلاخ عن كل القضايا والأمور التي تخص دولاً أخرى في المحيط الإقليمي والدولي، في رسالة مفادها، أن اللبنانيين لا يريدون أن تستمر البلاد ساحة لهذا النزاع من خلال أدوات لبنانية، لافتاً إلى أن الحياد هو سبيل الوصول إلى بناء بلد يحمل كل مواصفات الحداثة والتطور والنهضة. واستطرد: «أظن أن الحياد سيصبح واقعاً في حال الاتفاق الإقليمي بين الأطراف المتنازعة برعاية دولية، يمكن عندها الاتفاق على صيغة معينة لإبعاد لبنان عن الصراعات، والأمور التي يمكن أن تؤدي إلى أو تشكل خطراً على اللبنانيين عموماً، والعلاقات مع الدول والأطراف المجاورة، أو بالأصدقاء الاستراتيجيين، ولتحقيق هذا الواقع يجب أن يكون لدينا الحد الأدنى من التصور الجامع للبنانيين حول فكرة الحياد المنشودة».