الاثنين - 29 أبريل 2024
الاثنين - 29 أبريل 2024

حوار | حقوقي تونسي: البلاد تعيش في مرحلة «ضبابية»

حوار | حقوقي تونسي: البلاد تعيش في مرحلة «ضبابية»

أكد رئيس المعهد العربي لحقوق الإنسان في تونس، عبدالباسط بن حسن، أن غياب الحوكمة والذهاب نحو العنف والتطرف السياسي، أثّر بشكل سلبي على تطلعات التونسيين والتونسيات من الرفاة والديمقراطية والعيش الكريم، ما أدى بطبيعة الحال إلى قرارات 25 يوليو الماضي، وتواصل الأزمات السياسية والاقتصادية التي تعيشها البلاد.

وفي حوار مع «الرؤية»، أكد أن أحداث 25 يوليو كانت تعبيراً عن وصول الأزمات السياسية والاقتصادية والاجتماعية في تونس إلى نفق مظلم، وأن الأحزاب والحكومات المتعاقبة على تونس في العشرية الماضية فشلت في وضع السياسات الإصلاحية الضرورية التي تستجيب لتطلعات الشعب التونسي.. وإلى الحوار:

ما الذي أوصل التونسيين إلى الوضع السياسي والاقتصادي المأزوم؟

كانت أحداث 25 يوليو تعبيراً عن وصول الأزمات السياسية والاقتصادية والاجتماعية في تونس إلى نفق مظلم، إذ إن الأحزاب والحكومات المتعاقبة على تونس في العشرية الماضية قد فشلت في وضع السياسات الإصلاحية الضرورية التي تستجيب لتطلعات الشعب التونسي من الرفاه والديمقراطية والكرامة، والسياسة التي نتجت عن هذه المرحلة الانتقالية قد أبرزت جانباً كبيراً من انعدام السلوكيات السياسية الأخلاقية، وضعفاً كبيراً في الحوكمة، والذهاب نحو العنف السياسي والتطرف، وعدم الإنصات لمتطلبات حياة المواطنين في مجالات التعليم والصحة والنقل والمقدرة الشرائية وغيرها من المواضيع.

وكيف فاقمت جائحة كورونا أزمات تونس؟

الفشل السياسي الذي تحدثت عنه تفاقم نتاج أزمة كورونا، إذ عجزت الحكومة قبل 25 يوليو عن مواجهة هذا الوباء، وتصرفاتها قد أودت بحياة آلاف التونسيين والتونسيات، لذلك استبشر الشعب خيراً بقرارات 25 يوليو.

ما سبب الأوضاع الحالية؟

نحن في مرحلة ضبابية، أضيفت لها مصاعب اقتصادية جمة، ناتجة عن عقد كامل من سوء الحوكمة، تفاقم نظراً لعدم وجود رؤية اقتصادية وطنية واضحة، وتزايد آثار كورونا والحرب في أوكرانيا، ونحن في مرحلة فارقة في تاريخ تونس، تتطلب مسؤولية جماعية حقيقية، ودعوة واضحة لكل الطاقات الوطنية نساء ورجالاً ومن كل الأجيال والفئات إلى أن تضع جانباً الصراعات السياسية المميتة، والتفرد بالرأي، لتبني مع بعضها البعض تصوراً جديداً لمرحلة مختلفة.

هناك مساعٍ لاتفاق مع صندوق النقد الدولي.. ما رأيك؟

من المؤسف والمؤلم بالنسبة إلى التونسيين والتونسيات أن تتعلق كل الآمال في حلول وعلاج يأتي أساساً من صندوق النقد الدولي، وهذه الوضعية غير المسبوقة تطرح بعمق مسألة سيادتنا على قرارنا الاقتصادي ورؤيتنا لتنمية البلاد، الحوار والتفاوض مع الصندوق صعب نظرا لأن تونس تمر بهذه الأزمة الاقتصادية الخانقة والمالية العمومية في أتعس أوضاعها، ولذلك فإن الحل حسب رأيي له مستويان؛ الأول قريب المدى هو أساساً سياسي يتطلب إيجاد جبهة وطنية لكل الأطراف ذات الكفاءة، بأن تضع نوعاً من العقد المشترك الذي يمكن من خلاله أن نقوي قدرتنا على التفاوض مع الصندوق وضمان مفاوضات شفافة تضمن سيادتنا، والمستوى الثاني متوسط وبعيد المدى، وهو أن نشرع فوراً في وضع مثال اقتصادي ينقذ البلاد، وتصور شامل للتنمية المستدامة التي نريدها لتونس.

وكيف سيؤثر الاتفاق مع الصندوق على الأوضاع الاقتصادية للمواطنين؟

الصراعات السياسية الضيقة ومحاولة البعض التفرد بالرأي وغياب الرؤية لا يمكن أن تساعدنا في الوقت الحالي على أن نصل لرؤية تفاوضية، تمنع إمكانية حصول كارثة كبرى، وهي أن تكون الاتفاقات على حساب المقدرة الشرائية للناس وحقوقهم الاقتصادية والاجتماعية، ويجب على الحكومة وكل صناع القرار أن يعودوا إلى منظمات المجتمع المدني وإلى القوى الحية في البلاد لرسم تصور بعيد المدى عن تونس التي نريدها.

وكيف أثر الوضع القائم على تمتع التونسيين بحقوقهم الأساسية؟

إن السياسة بالطريقة التي مورست بها على مدى العقد الماضي قد ضحت بالتونسيين والتونسيات وبمصالحهم الفضلى، والسياسة القائمة على المنفعة المتوحشة وعلى المناصب وعلى سوء الحوكمة أدت في نهاية الأمر إلى عدم الإيفاء بعديد الالتزامات التي تخص حقوق المواطنين والمواطنات.. السياسة كانت ضد الإصلاح، فوقعت التضحية بقضايا التعليم والصحة والنقل والقدرة الشرائية، ولم تعد فكرة كرامة التونسيين والتونسيات على رأس أجندة هذه الخطابات والممارسات، واليوم هناك ضرورة إلى التوقف قليلاً، حتى لا نخون ما ناضل من أجله التونسيون والتونسيات وما ثار من أجله الناس وهو الحرية والمساواة والعدالة.

قرارات 25 يوليو 2021 أعادت تونس إلى محيطها العربي أم عزلتها؟

25 يوليو كان نتاج هذا التبرم والضيق من العبث بتونس ومبادئ ثورتها، وبطبيعة الحال فتحت في البداية أفقاً لنوع من التفاؤل داخل تونس وخارجها، لكن حتى تصبح هذه المرحلة مؤثرة في السياق الوطني والإقليمي والدولي، فإنها يجب أن تعود لأساسيات ما تميزت به تونس في العقد الأخير، وهو البحث عن إرساء ديمقراطية حقيقية، والاستجابة لتطلعات الناس في حياتهم اليومية، وتحقيق الكرامة والتنمية والرفاه، وحتى نكون مؤثرين في محيطنا العربي، يجب أن تكون هناك رؤية سياسية واقتصادية واجتماعية واضحة.

وهل تمتلك تونس إمكانيات التأثير في محيطها؟

تونس لديها اليوم إمكانيات رغم كل المصاعب والأزمات، تمكنها من العودة للرؤية التي بشرت بها في المنطقة؛ أن تكون لدينا ديمقراطية واحترام للحريات الفردية وسعي إلى تغيير نمط التنمية، وإذا لم نعد لهذا التصور سنبقى نراوح مكاننا ونعود لإنتاج الأزمة وراء الأزمة، يجب أن نستخلص الدروس من العشرية الماضية وأن تكون لنا رؤية عميقة ومتبصرة، حتى لا نقع في مساوئ ومخاطر العودة لمرحلة الصفر والاستبداد وانتهاك الحريات والانغلاق.

وهل تتوقع أن تشهد البلاد عمليات إرهابية على غرار ما حدث في مصر 2013؟

الأوضاع تختلف رغم بعض أوجه التشابه، فتونس -حسب رأيي، رغم كل المصاعب- كانت قادرة على أن تهزم الإرهاب في جانبيه؛ الأمني بفضل المؤسسة العسكرية والأمنية وتضحياتها، وبسبب امتناع الناس عن الانجرار إلى هذه الأفكار والممارسات المتوحشة، ومع ذلك أقول إنه من أجل تحصين البلاد تماماً من هذا الخطر المتواصل يجب أن نذهب للإجابات العميقة والحقيقية، وهي أن نستثمر في الديمقراطية وبناء المؤسسات والحوكمة، وفي تعليم مستنير وثقافة مدنية، وأن نجعل من مجتمعنا فضاءً للتعبير عن الفكر النقدي واحترام التنوع؛ لتحصين تونس من هذا المرض المتوحش.

إقرأ أيضاً..بمساعدة أفريقيا و«إيني».. خطة إيطاليا للاستغناء عن الغاز الروسي

وما الخطر الذي يمثله العائدون من القتال في سوريا.. وكم يقدر عددهم؟

تختلف الآراء في العدد الحقيقي لهؤلاء المقاتلين، ولكن أقول إن دروس الماضي تعلمنا أن هذه الفئات من الشباب قد وقع التغرير بها من الجهات المتطرفة دينياً، وأدلجتهم واستقطابهم، وهناك أناس داخل دوائر السلطة قاموا بتسهيل سفرهم لممارسة أشنع الجرائم في سوريا وغيرها من البلاد، ويبقى هؤلاء خطراً متواصلاً يستوجب يقظة أمنية، ومحاسبة من قاموا بأدلجتهم وتأطيرهم وتسفيرهم، ويتطلب منا جميعاً في تونس وبقية بلداننا العربية، الاستثمار في التعليم والتربية والثقافة، وتطوير مستوى معيشة الناس ومحاربة الإقصاء والتهميش.

هل أنت مع دمجهم أم عقابهم ونبذهم؟

أرى أن التعامل مع هذه الظاهرة يجب أن يكون شاملاً؛ ويجمع بين تحميل المسؤولية والمحاسبة لكل من أجرم في حق الناس داخل تونس وخارجها، وهذا من أبجديات حقوق الإنسان، ثم يجب دراسة إمكانية إعادة إدماج من لم يتورط في أعمال إجرامية، ومحاولة العلاج بطرق متعددة، يجب أن نقوم بتحصين المجتمع من إمكانية ظهور آفات أخرى في المستقبل، وهناك العديد من المآسي لأطفال مشردين ولعائلات كاملة بطبيعة الحال، ويجب كما أسلفت، محاسبة من أطر وسفر، ومن قام بهذه الجريمة الشنيعة.