الاحد - 28 أبريل 2024
الاحد - 28 أبريل 2024

السعودية وتركيا .. «حصانة ومناعة» إقليمية في مواجهة التحديات العالمية

إرادة سياسية مشتركة بين البلدين لتعزيز التعاون في المجالات كافة

تحسين العلاقات ضمن سياق إقليمي يصاحبه علاقات عربية - تركية قوية

زيارات تركيا والإمارات فتحت الباب أمام أنقرة لتحسين علاقاتها مع الرياض والقاهرة

تدشن زيارة الرئيس التركي رجب طيب أردوغان إلى المملكة العربية السعودية والاستقبال الحافل له من جانب خادم الحرمين الشرفين الملك سلمان بن عبدالعزيز، وسمو ولي العهد الأمير محمد بن سلمان، مرحلة جديدة ليس فقط في تاريخ العلاقات التركية مع السعودية ودول الخليج العربي بل مع المنطقة العربية كلها في إطار السياسة التي تعمل من خلالها دول مثل الإمارات ومصر والسعودية على فتح «أفاق جديدة» من التعاون السياسي والاقتصادي مع جميع دول الشرق الأوسط بما يتفق مع حماية وصيانة الأمن القومي العربي ومصالح جميع الشعوب العربية.

خطوات تمهيدية

وتتوج زيارة الرئيس أردوغان للمملكة العربية السعودية سلسلة من الخطوات التمهيدية التي بدأت بالخطاب الإيجابي التركي تجاه دول المنطقة منذ منتصف عام 2020، وبعدها قام وزير الخارجية التركي مولود جاووش أوغلو بزيارة للرياض في 10 مايو 2021 ساعدت في إجراء الاتصال الهاتفي بين الرئيس التركي وخادم الحرمين الشريفين، الملك سلمان بن عبدالعزيز في 18 يوليو الماضي، وتأكيد المتحدث باسم الرئاسة التركية في نوفمبر 2021 على رغبة بلاده الصادقة في إعادة العلاقات الطبيعية في جميع المجالات مع المملكة العربية السعودية، وكل ذلك مهد لسلسلة من الأحاديث الإيجابية للرئيس التركي عن السعودية وقيادة المملكة، منها قول أردوغان في 28 أبريل الجاري «إن الزيارة مؤشر على الإرادة المشتركة لبدء مرحلة جديدة من التعاون مع السعودية بوصفنا دولتين شقيقتين.. وهناك زيادة كبيرة في التعاون مع السعودية في قطاعات الصحة والطاقة والغذاء والأمن والدفاع والمال، وهي مفيدة للطرفين، وسوف نعمل على بدء عهد جديد من التعاون السياسي والعسكري والاقتصادي والثقافي مع السعودية»، فما هو السياق الذي تأتي فيه زيارة الرئيس التركي للسعودية؟ وما هي مصالح البلدين في هذه الزيارة؟ وكيف يمكن البناء على زيارة أردوغان للسعودية في إعادة اللحمة من جديد للعلاقات التركية العربية؟

صفحة إقليمية جديدة

تؤسس زيارة الرئيس التركي رجب طيب أردوغان للسعودية «لبداية جديدة» و«عنوان عريض» نحو تأسيس وبناء وتعزيز مرحلة هامة في العلاقات العربية التركية تقوم على اكتشاف «مساحات واسعة»، وآفاق بعيدة واستراتيجية، وتعاون مستدام قائم على الاحترام المتبادل والمصالحة المتبادلة، كما أن هذه الزيارة تمثل نموذج عملي في تجاوز خلافات الماضي، ولهذا لا يمكن فصل زيارة الرئيس التركي رجب طيب أردوغان إلى السعودية عن السياق والإطار الإقليمي الجديد القائم على «تخفيف التوترات» و«تبريد الصراعات» وفتح «صفحة جديدة» بين دول وشعوب المنطقة، والتركيز على المصالح الاقتصادية والاستثمارية المشتركة بما يعزز «حصانة ومناعة» الدول العربية وتركيا ضد التحديات التي تفرضها الحرب الروسية الأوكرانية، والضغط الشديد على سلاسل إمدادات الغذاء والطاقة نتيجة لهذه الحرب، ولهذا قام الرئيس التركي قبل ذلك بزيارة لدولة الإمارات العربية المتحدة للإمارات في 13 فبراير الماضي، وأثمرت هذه الزيارة الهامة في فتح الباب واسعاً لعودة تركيا للمنطقة العربية، خاصة أن زيارة أردوغان للإمارات جاءت بعد زيارة صاحب السمو الشيخ محمد بن زايد آل نهيان ولي عهد أبوظبي، نائب القائد الأعلى للقوات المسلحة، لتركيا في 24 نوفمبر الماضي، والتي أعقبها زيارة وزير الخارجية التركي مولود جاووش أوغلو للإمارات، في شهر ديسمبر الماضي، وكل هذا كان بناء على الزيارة التي قام بها سمو الشيخ طحنون بن زايد آل نهيان مستشار الأمن الوطني الإماراتي لتركيا في 18 أغسطس الماضي، كما أن التصريحات التركية الإيجابية عن العلاقات مع مصر لا تتوقف، سواء من جانب وزير الخارجية التركي ومسؤولي الحزب الحاكم أو على لسان الرئيس التركي نفسه الذي قال أكثر من مرة إن العلاقات المصرية التركية سوف تعود لطبيعتها، خاصة أن القاهرة وأنقرة أجرتا جولتين من «المفاوضات الاستكشافية» في شهري أبريل وسبتمبر 2021، كما أوقفت تركيا البرامج الإعلامية التحريضية ضد مصر، والتي كان يطلقها التنظيم الدولي للإخوان من الأراضي التركية، وهو ما يؤكد أن التحسن في العلاقات الإماراتية التركية خلال المرحلة الماضية شكل «رافعة سياسية» و«بوصلة واقعية» لمستقبل العلاقات العربية التركية، نرى ثمار هذه الرافعة اليوم مع السعودية، وفي اقرب وقت سوف يعود السفير التركي للقاهرة، بحسب تصريح وزير الخارجية التركي، مولود جاووش أوغلو

أهداف مشتركة

تعكس طبيعة الوفد الذي يرافق الرئيس التركي رجب أردوغان إلى السعودية طموح الأهداف المشتركة التي يسعى البلدان إلى تحقيقها من خلال التعاون مع الجانب الآخر، فمرافقة وزراء العدل والتجارة والدفاع والثقافة والسياحة والخزانة والمالية إلى جانب رئيس المخابرات، ونواب في البرلمان عن حزبي العدالة والتنمية الحاكم وحليفه حزب الحركة القومية مع الرئيس أردوغان في زيارته للسعودية يؤكد أن هذه الزيارة تسعى ليس فقط لطي «صفحة الخلافات السابقة» بل إلى فتح آفاق واسعة في جميع المجالات السياسية والاقتصادية والأمنية والعسكرية، وكلها أهداف طموحة تعزز من قدرة الرياض وأنقرة على مجابهة التحديات الآنية والمستقبلية.

إقرأ أيضاً..«الغرفة 39».. وحدة سريَّة تحصِّن كوريا الشمالية ضد العقوبات

ففي المجال الاقتصادي تستهدف أنقرة رفع حجم التبادل التجاري مع الرياض وزيادة الاستثمارات السعودية في تركيا، وعقد شراكات باستثمارات وعقود ممتدة على غرار الاتفاقيات العملاقة التي وقعتها مع الإمارات، وتنظر أنقرة إلى زيارة أردوغان للسعودية باعتبارها «المنصة» الاقتصادية التي يمكن أن ينطلق منها التعاون الاقتصادي الجديد بين البلدين في كافة القطاعات الاقتصادية، خاصة أن أنقرة والرياض تتمتعان بتنوع كبير، فقد ارتفعت الواردات السعودية بنسبة 2.8% خلال الربع الأول من العام الحالي، حسب بيانات الهيئة العامة للإحصاء في السعودية، بعد أن تراجعت الواردات من تركيا بنسبة 62.3%، إلى 886 مليون دولار عام 2021، مقابل 2.35 مليار دولار في 2020، وتسعى تركيا للوصول بحجم التجارة بين البلدين إلى 20 مليار دولار في السنوات القادمة، بحسب وزير المالية التركي نورالدين نباتي، وتسعى أنقرة للاستفادة من توجه الاقتصاد السعودي لتنويع مدخلاته بعيداً عن النفط والغاز، خاصة أن البلدين لهما رؤية اقتصادية ذات إطار زمني واحد، فالسعودية لديها رؤية 2030 الاقتصادية، وتركيا لديها هدف بالوصول بالناتج القومي عام 2030 إلى 2 تريليون دولار، ووفق وزارة التجارة والصناعة السعودية فإن عدد المشروعات المشتركة بين البلدين 159 مشروعاً، منها 41 مشروعاً اقتصادياً، و118 في مجالات أخرى، وقد وصل عدد الشركات السعودية في تركيا إلى 800 شركة، كما تستثمر السعودية نحو 6 مليارات دولار في تركيا، جزء كبير منها في المجال السياسي، بينما تستثمر الشركات التركية نحو 17 مليار دولار في السعودية موزعة على نحو 200 شركة كبيرة، ويعمل في السعودية نحو 100 ألف مهني في القطاع الخاص السعودي.