السبت - 04 مايو 2024
السبت - 04 مايو 2024

مهلة تشكيل الحكومة العراقية.. «لغم الصدر» لاصطياد خصومه

مهلة تشكيل الحكومة العراقية.. «لغم الصدر» لاصطياد خصومه

يشهد العراق حالة من التأزم السياسي، بعد فشله المتتابع في تشكيل حكومة، أو انتخاب رئيس للبلاد، عقب الانتخابات النيابية التي جرت أكتوبر الماضي، حيث توالت دعوات تشكيل الحكومة من قبل التيارات السياسية المتزعمة للمشهد في العراق وهما التيار الصدري والإطار التنسيقي، إلا أنها باءت جميعها بالفشل، وكان آخرها دعوة مقتدى الصدر رئيس التيار الصدري ( الحاصل على 73 مقعداً في البرلمان)، للمستقلين بتشكيل الحكومة خلال 15 يوماً، والتي سبقتها نفس الدعوة للإطار التنسيقي بمهلة 40 يوماً، حيث أكد عدد من السياسيين العراقيين، استحالة نجاح المستقلين في ذلك، مرجحين عدداً من السيناريوهات خلال الفترة المقبلة. تعد دعوة مقتدى الصدر، رئيس التيار الصدري، بمثابة مناورة سياسية كما يراها عدد من السياسيين؛ لإحراج المستقلين والمعارضة، حيث يؤكد الباحث السياسي سعد عامر، أن مقتدى الصدر يعرف جيداً أنه من الصعب للغاية على المستقلين تشكيل الحكومة المقبلة، وجمع نصف عدد البرلمان في جلسة واحدة، لذا فإن الدعوة التي أطلقها تهدف فقط لإحراجهم، خاصة وأن المستقلين وأحزاب المعارضة أغلبهم من الأحزاب الجديدة ولن يستطيعوا تحمل مسؤولية تشكيل أي حكومة.

مناورات سياسية

ولم تكن هذه هي المناورة السياسية الأولى التي يتبعها الصدر، بحسب محللين سياسيين، حيث يؤكد عامر، أن الصدر دأب على القيام بمثل هذه المناورات ليؤكد لخصومه في العملية السياسية أنه الوحيد القادر على تشكيل الحكومة، في حال وجودهم أو غيابهم، فقد سبق وأعطى الصدر مهلة للإطار التنسيقي لتشكيل الحكومة، فشل خلالها الإطار في عقد أي جلسة حتى اليوم، وإعطاء الفرصة هذه المرة للمستقلين هي استكمال لهذه المناورة. ويبدو أنه لم يعد مطروحاً بشكل واقعي على الأرض، بحسب محللين سياسيين، سوى أمر من اثنين:

1_ تشكيل حكومة توافقية، لإنهاء الأزمة الحالية، والتي لن تتحقق إلا بممارسة ضغوطات على الصدر، حينها سيقبل بتشكيل الحكومة وسيكون هو على رأسها، وسيتسيدها تياره، على أن يمنح بعض الوزارات والكيانات السيادية للإطار التنسيقي مع إقصاء جزء أو اثنين من هذا الإطار.

2_ حال فشل تشكيل الحكومة التوافقية، فالحل المطروح على الطاولة هو إعادة إجراء الانتخابات النيابية مع تعويض الأحزاب السياسية التي شاركت وفازت، بمبالغ مالية بدلاً من المبالغ التي أنفقتها على حملتها الانتخابية، وربما يكون هذا آخر الحلول الموجودة على الساحة.

حرب بين كتلتَين

يتفق نسبياً مع هذا، مستشار رئيس الوزراء العراقي الأسبق، الدكتور عبدالرحمن الجبوري، حيث يرى أن دعوة الصدر للمستقلين لتشكيل الحكومة خلال 15 يوماً، وكذلك غيرها من دعوات للإطار التنسيقي، هي جزء من الحرب بين الكتلتَين، حيث تحاول كل منهما أن تضع فشل تشكيل الحكومة على الأخرى. الدعوة بحد ذاتها ليس لها أساس دستوري وقانوني، فالدستور العراقي محدد وواضح، في أن عملية اختيار الكتلة الأكبر هي المعضلة الرئيسية، فلا بد من اختيار رئيس الجمهورية، من قبل ثلثَي البرلمان، ومن ثم يقوم رئيس الجمهورية بتكليف الكتلة الأكبر الفائزة بالانتخابات بتشكيل الحكومة، والمستقلون ليسوا هم الكتلة الأكبر، وحظوظهم معدومة للغاية، حتى وإن تم تسمية رئيس وزراء من المستقلين فيما بينهم، فلن يجدوا من يصوت له، مشيراً إلى أن تشكيل حكومة خلال 15 يوماً كما دعا الصدر هو أمر مستحيل.

وأوضح«الجبوري» أن هذه الدعوة هي محاولة لاستمالة المستقلين للانضمام للتحالف الثلاثي بقيادة الصدر، وحال انضمامهم سيتم إشراكهم في تشكيل الحكومة والتخلي عن رئاسة الوزراء لصالحهم، وهي عملية مناورة لتجميع الثلثَين في البرلمان من أجل تسمية رئيس الجمهورية، وتسمية رئيس الوزراء، وربما يذهب بعض المستقلين مع الصدريين، وفق حسن النيات والوعود التي تلقوها من مقتدى الصدر. لكنه أضاف أن المسألة أكثر تعقيداً من ذلك، «ربما يكون الوضع الحالي مستمراً كما هو عليه، فمعنى استمرار مصطفى الكاظمي رئيساً للحكومة، وبقاء رئيس الجمهورية، وهو وضع ليس بحكومة انتقالية، ولا هي حكومة كاملة الصلاحيات، وهو وضع أعتقد أنه مفيد للجميع، إلا أنه إذا لم تحل هذه الأزمة، وتشكل الحكومة خلال 6 أشهر، سوف يتم إجراء انتخابات نيابية مبكرة أخرى، والتي سيسبقها تغيير قوانين الانتخابات، وإذا ذهبوا لهذا الحل، و عدل القانون، فسيكون العراق أمام عام آخر يتم خلاله الاستعداد لتلك الانتخابات». وأوضح الجبوري، أنه لا بد أولاً من تعديل قانون الانتخابات لإجراء انتخابات نيابية جديدة مبكرة، وهذا يحتاج وقتاً طويلاً، الأمر الثاني أنه لا يمكن أن تجرى انتخابات، بدون أن يحل مجلس النواب نفسه، لذا فمن المتوقع أن تستمر الحكومة الحالية لمدة عام ونصف على أقل تقدير.

أزمة الـ20 نائباً

ويرى البرلماني العراقي السابق، الدكتور عمر عبدالستار، أن الأزمة التي يواجهها كلٌ من التيار الصدري والإطار التنسيقي، هو القدرة على تجميع 220 نائباً، والذين يمثلون ثلثَي البرلمان، لاختيار رئيس الجمهورية، ومن ثم اختيار رئيس الوزراء، وتشكيل الحكومة، حيث لم يتمكن أي من الطرفَين تجميع هذا العدد لصالحه في إحدى الجلسات، مؤكداً أن الصراع يتمثل في 20 نائباً تقريباً يمكن أن يحققوا جلسة انتخاب رئيس الجمهورية. ويوضح عبدالستار، في تصريحات خاصة، أن المستقلين حتى الآن كيان غير واضح، وينقسمون ربما إلى ثلاثة أقسام، قسم تابع للإطار التنسيقي، وآخر تابع للتيار الصدري، وثالث ربما لا يعد رقما مهماً، لذلك تيار المستقلين مهم، لكن التعويل عليه من الممكن أن يكون مطلوباً للمرحلة المقبلة، أما في تشكيل الحكومة فهو أمر مستبعد، مشيراً إلى أن العراق على الأرجح سيبقى بلا حكومة لمرحلة مقبلة، مشيراً إلى أن الذهاب لإجراء انتخابات هو جزء من استراتيجية إيران في إعادة انتخاب حكومة موالية لها.

إقرأ أيضاً..بعد الإعلان عن لجنة التأسيس.. ما هي ملامح جمهورية قيس سعيد الجديدة؟

مساومات كبيرة

يبدو أن هناك إجماعاً من قبل السياسيين في العراق، على أن تشكيل الحكومة هو الحلقة الأصعب في هذا المسلسل السياسي، بحسب المحلل العراقي، محمد زنكنة، الذي أشار إلى أنه حتى لو تم الاتفاق بين جميع الأطراف السياسية على تشكيل الحكومة، فالوقت المحدد لتشكيلها سوف يكون 45 يوماً، مضيفاً أن الإطار التنسيقي يريد طرح مصطفى الكاظمي، نكاية في التيار الصدري، والتيار الصدري رشح محمد جعفر الصدر، وهو ما يعني أنه حتى لو تم الاتفاق، وتمت جلسة رئاسة الجمهورية، وتمرير مرشح رئيس الجمهورية، فمسألة تشكيل الحكومة ستكون صعبة للغاية، لذا من الممكن ألا تشهد العراق حكومة جديدة حتى نهاية شهر يونيو المقبل. ولفت إلى أنه حال تم الاتفاق على تشكيل الحكومة، فإن المساومات ستكون أكبر، فربما تكون هناك انشقاقات في الإطار التنسيقي، موضحاً أنه حال نجح مقتدى الصدر في جذب المستقلين له وتشكيل الحكومة، فإن هذه الحكومة لن تمر بدون عراقيل من الإطار التنسيقي، مضيفاً أنه بعد 15 يوماً «المهلة التي حددها مقتدى الصدر»، من الممكن أن نشهد حلحلة في مسألة اختيار رئيس الجمهورية، لكن حل أمر تشكيل الحكومة سيظل صعباً.