السبت - 27 أبريل 2024
السبت - 27 أبريل 2024

الفائدة الأمريكية.. كيف تنجو الدول العربية من فخ «تذبذب الدولار»؟

الفائدة الأمريكية.. كيف تنجو الدول العربية من فخ «تذبذب الدولار»؟
تأثراً بقرار البنك الفيدرالي الأمريكي زيادة سعر الفائدة بنسبة 0,5%، تقف منطقة الشرق الأوسط على عتبة ارتفاع هائل في معدلات التضخم والأسعار، وتترشح الأزمة إلى تفاقم أكبر مع توقعات بتواتر ارتفاعات أخرى في فائدة الفيدرالي الأمريكي ربما تصل بنهاية 2022 إلى 5%، حسب مراقبين. وتتفاوت معدلات التأثر بالأزمة بين الدول العربية، ففي حين تلقي بظلال قاتمة على الدول الفقيرة والمتوسطة، تنجو منها -نسبياً- دول الخليج، وذلك بفضل ثرواتها النفطية، وحفاظها على استقرار أسعار عملاتها المحلية أمام الدولار.

وتعود حصانة دول الخليج من «تسونامي» الأزمة الاقتصادية إلى رفع أسعار الفائدة رداً على قرار الفيدرالي الأمريكي، فيما تواجه دول عربية أخرى تحديات أمام الاستثمار الأجنبي؛ فكلما تقلَّص الفارق بين سعر الفائدة محلياً ونظيره في الخارج، تضاءلت فرص الاستثمارات غير المباشرة التي تشكل جزءاً محورياً من إيرادات النقد الأجنبي؛ ولعل ذلك هو ما تعرضت له مصر في خضم الحرب الأوكرانية بخروج 20 مليار دولار من الاستثمارات غير المباشرة، ما اضطر الدولة إلى تحرير سعر صرف الدولار للمرة الثانية، ومن ثم ارتفاع الأسعار مجدداً، حسب د. يمن الحماقي، أستاذ الاقتصاد بجامعة عين شمس.

وتشير الحماقي إلى تأثر آخر انعكس على الدول العربية ومنها مصر بفعل قرار الفيدرالي الأمريكي، وهو ارتفاع كُلفة الاقتراض بالنقد الأجنبي نتيجة ارتفاع سعر العملة، وهو ما ينطوي على خطر كبير، نظراً للمديونيات الخارجية المرتفعة لدى معظم الدول العربية؛ ففي مصر على سبيل المثال، وصل معدل المديونيات الخارجية إلى 145 مليار دولار، ما اضطرها وغيرها من الدول التي تعاني نفس الأزمة إلى مراجعة نفسها عبر الاعتماد على الطاقات الإنتاجية غير المستغلة، لتفادي التأثيرات السلبية لرفع سعر الفائدة، وهو ما يجب أن يركز عليه صانعو السياسات المرحلة المقبلة.

فجوة تمويلية

وتتفاقم الأزمة لدى معظم الدول العربية التي تعاني عجزاً في النقد الأجنبي بنسبة كبيرة، ومنها مصر والجزائر وتونس ولبنان والمغرب، فتلك الدول، حسب الحماقي، لديها فجوة تمويلية هائلة، لا سيما في ظل عجز القطاع الصناعي عن الاعتماد على الذات، ليرتفع المكون الاستيرادي في صناعتها إلى حد كبير. ومن غير المستبعد معاناة الدول ذاتها نتيجة ارتفاع أسعار الغذاء، فاليمن والسودان على سبيل المثال يواجهان مشكلات كبيرة، تضعهما في طليعة الدول العربية الأكثر تضرراً، بالإضافة إلى الصومال وجيبوتي.. أما دول شمال أفريقيا مثل المغرب وتونس والجزائر فلا تبتعد هي الأخرى -ولو نسبياً- عن التأثر بالأزمة، حتى إذا كانت الجزائر على وجه الخصوص تبحث عن وسائل لتعويض الخسائر الاقتصادية التي تلحق بها مثل إمداد أوروبا بالغاز، وهي ثغرة جيدة لتفادي الأزمة إذا أُجيد استخدامها.

اقرأ أيضاً.. إيران: أمير قطر سيزور طهران قريباً

وترى الخبيرة الاقتصادية يمن الحماقي أن التعاون والتكامل الإقليمي بين دول المنطقة هو الآلية الأكثر نجاعة في الوصول إلى صمام الأمان لمواجهة الأزمات الدولية، لافتة إلى أن معظم الاقتصادات النامية التي لجأت إلى التعاون الإقليمي حققت نتائج جيدة، فهو الحل الأفضل والمؤثر لمواجهة التحديات المرعبة التي تخيم على الاقتصاد العالمي.

التشديد النقدي

فيما يرى عضو الهيئة الاستشارية لمجلس الوحدة الاقتصادية بجامعة الدول العربية، الدكتور مدحت نافع، أن الأثر المباشر لارتفاع سعر فائدة البنك الفيدرالي الأمريكي على الدول العربية، يتمثل في مزيد من التشديد النقدي، في صورة رفع أسعار الفائدة، وهو رد فعل مباشر من دول الخليج، نظراً لارتباط عملات معظم هذه الدول بالدولار، أو بسلة العملات التي يلعب فيها الدولار النسبة الأكبر، وإذا كانت نسبة الدولار قد تراجعت خلال السنوات العشر الأخيرة كمكون في احتياطي البنوك المركزية بشكل عام، فلا ينطوي ذلك إلّا على وظيفة واحدة من وظائف الدولار، لا سيما في ظل وظائفه المتعددة ومنها مساهمته في حجم التجارة العالمية بنسبة 80%، ودوره الكبير في إصدارات الدين على المستوى العالمي، والتسويات البنكية المصرفية عابرة الحدود، وهو ما يجعله في مرتبة العملة القوية قياساً بأقرب عملة له وهي اليورو؛ فالدولار، حسب الدكتور نافع، مستقر، وتأثيره على العملات الأخرى كان ويظل كبيراً للغاية.

الأثر الثاني لرفع سعر فائدة الفيدرالي الأمريكي يكمن في نقل عدوى التضخم، من خلال أكثر من قناة أهمها قناة الاستيراد، لأن فاتورة الاستيراد سترتفع، وبالطبع فاتورة تسديد الديون ستزداد على الدول، وبالتالي ستجد الدول صعوبة في سداد المديونية سواء بالنسبة للديون القائمة، أو في فتح خطوط ائتمانية (استدانة جديدة)، من أجل سداد الديون القائمة، أو بسبب تلبية الاحتياجات الاستهلاكية. بينما يتمثل الأثر الثالث في وجود مزيد من الركود، لا سيما أن التشديد النقدي (رفع أسعار الفائدة وتقليل المشتريات في السوق)، سيترتب عليه تثبيت وقلة الاستثمار، ومن ثم يقل التشغيل، وستواجه بعض الدول عزوف العديد من الاستثمارات عنها، فيما سيتوقف بقاء بعض الاستثمارات على عوامل الجذب التي ستقدمها الدول للمستثمرين.

أقوى عملة

ويرى الدكتور نافع أن تحديد حجم تأثير رفع الفيدرالي الأمريكي للفائدة، لا يقاس لحظياً، وإنما يحتاج إلى وقت، خاصة أن ارتفاع سعر الفائدة لن يكون الأخير، وإنما ستتوالى الارتفاعات خلال العام الجاري؛ فبعد أن كان متوقعاً وصولها بنهاية 2022 إلى نسبة تُراوح ما بين 2 و3%، تغيرت التوقعات في ظل هذه الأوضاع، ومن المتوقع وصولها، وفق خبراء، إلى 5% بنهاية 2022؛ ولو حدث ذلك، سيكون الأثر حاداً للغاية، خاصة على الدول العربية.

وخلص نافع إلى أنه لا بديل للتعامل مع الأزمة إلا بالتشديد النقدي ورفع سعر الفائدة لدى جميع الدول.. يضاف إلى ذلك إجراءات أخرى ومنها التقشف المالي، بمعنى تقليل الإنفاق نسبياً، وتقليل وتخفيض فاتورة الاستيراد، وقصره على الضروريات فقط قدر المستطاع.

اقرأ أيضاً.. الأرجنتين: قفزة التضخم تضع 40% من السكان تحت خط الفقر

أما الأمين العام لاتحاد المستثمرين العرب سابقاً، مساعد وزير الخارجية المصري الأسبق، السفير جمال بيومي، فيعزو قرار الفيدرالي الأمريكي إلى التضخم العالمي الناجم عن الحرب الأوكرانية والحرص على سحب الأموال من السوق، لافتاً إلى أنه رغم ضآلة نسبة رفع الفائدة إلّا أنها أثرت في العملات الأخرى مثل اليورو والين الياباني والجنيه الاسترليني واليوان الصيني؛ فاقتصادات الدول العربية ليست أقوى من دول هذه العملات، وهو ما يجعل تأثر الدول العربية أمراً حتمياً، إذ إن الدولار لا يزال أقوى عملة في العالم.

ويتفق بيومي مع الآراء التي تؤكد نجاة دول الخليج من انعكاسات قرار الفيدرالي الأمريكي، وعزا ذلك إلى امتلاك دول الخليج عملات وفوائض واحتياطيات نقدية من العملة الأجنبية تحدو بها إلى تثبيت أسعار عملاتها وسط تذبذب أسعار الدولار صعوداً وهبوطاً؛ فدول الخليج تتحمل فروق الأسعار، وتستطيع تأمين نفسها في مواجهة الأزمة، لا سيما في ظل امتلاك سلع استراتيجية مثل البترول؛ وبينما تعجز الدول العربية متوسطة الدخل عن فعل ذلك، أصبحت أكثر عرضة للتأثر بقرار الفيدرالي الأمريكي.

وخلص بيومي إلى أن المشكلة لا تكمن في رفع سعر الفائدة، وإنما في ذبذبة سعر الدولار مقابل العملات المحلية، وهو ما يصيب المستثمر بالتردد؛ وإزاء ذلك لا بد أن تعمل في مواجهة الأزمة على استقرار الأوضاع، لا سيما أن أكثر القطاعات تأثراً بالأزمة هو قطاع الغذاء الذي ترتفع أسعاره نظراً لنقص المعروض وانعكاس ذلك بالضرورة على مستوى المعيشة، وهو ما يدعو الدول العربية إلى حتمية مواجهة الأزمة ببرامج حماية اجتماعية سريعة.