الاثنين - 29 أبريل 2024
الاثنين - 29 أبريل 2024

غياب الحريري عن الانتخابات البرلمانية يشتّت الساحة السنّية في لبنان

غياب الحريري عن الانتخابات البرلمانية يشتّت الساحة السنّية في لبنان

ما يجري هو تشتيت السنّة لصالح حزب الله، المستفيد الأول والأخير. (أ ب).

قبل أيام من الانتخابات النيابية في لبنان، تجد الطائفة السنيّة نفسها مشتّتة، بعدما أعلن زعيمها الأبرز سعد الحريري مطلع العام عزوفه عن خوض الاستحقاق، في قرار أعقب نكسات مالية وسياسية مُني بها في السنوات الماضية.

ورغم أن خبراء لا يتوقعون أن تحدث الانتخابات تغييراً كبيراً في المشهد السياسي العام في البلاد الغارقة في أزمة سياسية واقتصادية حادة منذ أكثر من عامَين، إلا أن الحريري (52 عاماً)، سيكون الغائب الأكبر، في حين يُتوقع أن يكون حزب الله، القوة العسكرية والسياسية الأبرز في البلاد، مستفيداً من غيابه.

ولعلها المرة الأولى منذ استقلال لبنان عام 1943، تشهد البلاد التي تقوم على نظام محاصصة طائفية، انتخابات من دون قطب سني بارز.

ويقول الأستاذ الجامعي والباحث السياسي كريم بيطار: «أعتقد أننا نتجه نحو عودة ظهور أقطاب سنيّة عدة» بعدما كان الحريري الزعيم شبه الوحيد على الساحة السنية.

ويضيف «تحرّكت وجوه سنيّة تقليدية على غرار رؤساء الحكومات السابقين لمحاولة تأليف لوائح انتخابية بهدف الحَول دون استفادة حزب الله».

وأعلن الحريري في 24 يناير، «تعليق» نشاطه في الحياة السياسية وعزوفه وتيار المستقبل الذي يتزعمه، عن خوض الانتخابات. وقال: «لا مجال لأي فرصة إيجابية للبنان في ظل النفوذ الإيراني والتخبّط الدولي، والانقسام الوطني واستعار الطائفية واهتراء الدولة».

وتجري الانتخابات على خلفية أزمة اقتصادية حادة ونقمة شعبية منذ أكثر من سنتَين. وكان لتيار المستقبل 18 نائباً في البرلمان المنتهية ولايته.

برز الحريري على الساحة السياسية في البلاد بعد اغتيال والده في 14 فبراير 2005 في تفجير مروع في وسط بيروت أغرق لبنان في أزمة كبرى. قاد آنذاك فريق «قوى 14 مارس» المناهض لسوريا إلى فوز كبير في البرلمان، ساعده في ذلك التعاطف الكبير معه بعد اغتيال والده، والضغط الشعبي الذي تلاه وساهم في إخراج الجيش السوري من لبنان بعد نحو 30 سنة من تواجده فيه.

ومنذ عام 2009، شكّل الحريري ثلاث حكومات، آخرها بعد انتخابات 2018 التي انتهت بتراجع حجم كتلته النيابية بنحو الثلث وكرّست نفوذ حزب الله وقوته. وعزا البعض انخفاض شعبيته حينها الى تنازلات سياسية قدّمها وبرّرها بالحفاظ على السلم الأهلي في مواجهة تنامي نفوذ حزب الله.

وشكّل توتّر علاقته مع السعودية منعطفاً في مسيرته السياسية. فأعلن في 4 نوفمبر 2017 استقالته من رئاسة الحكومة من الرياض، مندداً بتدخل حزب الله في النزاعات الإقليمية، قبل أن يعود إلى لبنان بعد أيام بوساطة من الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون، ويتراجع عن الاستقالة.

وهذه هي المرة الأولى منذ انتهاء الحرب الأهلية (1975-1990) التي تغيب فيها عائلة الحريري المعروفة بشبكة علاقات دولية واسعة، عن المشهد السياسي.

وأحدث عزوف الحريري صدمة على الساحة السياسية وداخل طائفته. لكنّ دار الفتوى، المرجعية السنية الأعلى في البلاد حذّرت مؤخراً من «خطورة الامتناع» عن الاقتراع ودعت الى المشاركة الفعلية الكثيفة.

ويتنافس على المقاعد السنية في مجلس النواب مرشحون من تيار المستقبل لم يمتثلوا لقرار الحريري، وآخرون مدعومون من رؤساء حكومات سابقين، ومرشحون مستقلون ومن مجموعات المعارضة التي أفرزتها التظاهرات الاحتجاجية في 17 أكتوبر 2017، بالإضافة إلى مرشحين سنيين مقربين من حزب الله.

وداخل تيار المستقبل، شكّل ترشّح النائب مصطفى علوش الذي كان يشغل منصب نائب رئيس الحزب ويعدّ من «صقوره»، في مدينة طرابلس، أحد معاقل الحريري في شمال لبنان، تحدياً لقرار العزوف.

ويقول علوش، المعروف بمواقفه المنتقدة بشدة لحزب الله، «الانسحاب أسوأ من التشتيت.. لأنه يفيد القوى الأخرى المنافسة». ويضيف «في حال حصول حزب الله على الأكثرية، يتعيّن على بقية الأطراف أن تتكاتف وتذهب إلى معارضة وازنة ومتماسكة» ضد مشروعه.

وتجد مواقف علوش صداها في مناطق أخرى موالية للحريري، كما في الطريق الجديدة في غرب بيروت حيث ترتفع صور عملاقة للحريري ولافتات تدعو إلى عدم مقاطعة الانتخابات.

اقرأ أيضاً.. مشروع قانون «نوبيك».. الولايات المتحدة أول المتضررين

ويقول أحمد (60 عاماً) وهو أحد قاطني الحي: «اتركوا سعد الحريري وحده لمصيره، بعدما لم يعد السعوديون والإيرانيون وحتى بعض اللبنانيين يريدونه». ويتابع الرجل العاطل عن العمل والمؤيد للحريري: «من بعد إذن الشيخ سعد، سندلي بأصواتنا لأننا لا نقبل أن تستفيد أحزاب أخرى من تشتت الطائفة السنية لتحقيق مصلحتها».

ويأسف أنور علي بيروتي (70 عاماً)، وهو موظف متقاعد، للظروف والمواقف التي دفعت الحريري إلى خياره. ويقول بأسى: «كل ما يجري هو لتشتيت السنّة لصالح حزب الله. هو المستفيد الأول والأخير».