السبت - 27 أبريل 2024
السبت - 27 أبريل 2024

اللاجئون السوريون في تركيا بين ضغوط الدعاية الانتخابية وغضب الشارع

اللاجئون السوريون في تركيا بين ضغوط الدعاية الانتخابية وغضب الشارع

«لن أعود مطلقاً، سأبقى هنا أو أهرب نحو أوروبا، لا أملك خياراً ثالثاً». (أ ف ب)

لا تنفكّ سميرة تسمع ليلاً نهاراً التصريح نفسه من المسؤولين الأتراك «على السوريين العودة إلى بلادهم»، إلا أنّ منزلها الكائن في ضواحي دمشق لا يزال غير آمن، حسبما تقول.

السيّدة البالغة من العمر 44 عاماً واحدة من مئات آلاف السوريين الذين لجأوا إلى محافظة شانلي أورفا التركية التي يجمعها خطّ حدوديّ طويل مع سوريا.

وتسبّب النزاع في سوريا منذ اندلاعه عام 2011 بمقتل نحو نصف مليون شخص وألحق دماراً هائلاً بالبنى التحتية وأدى إلى تهجير ملايين السكان داخل البلاد وخارجها.

وتستضيف تركيا حوالي 3,7 مليون لاجئ سوري. ونشأت توترات على مرّ السنين، لا سيما في صيف 2021، بين اللاجئين والسكان المحليين الذين يواجهون أزمة اقتصادية ومالية حادة.

ووضعت موجة الاضطرابات الاقتصاديّة الأخيرة وارتفاع معدّلات التضخّم وتراجع قيمة الليرة التركيّة، اللاجئين السوريين تحت ضغطٍ هائل.

وتؤكّد سميرة أنّها لم تشعر بضغطٍ مماثل منذ أن وصلت إلى تركيا سنة 2019. وتقول لوكالة فرانس برس من بيتها المتواضع في شانلي أورفا التي تستضيف قرابة نصف مليون لاجئ سوريّ، أي ما يعادل ربع عدد سكّان المحافظة، «لا أفكّر في العودة» إلى الغوطة الشرقية قرب دمشق، «لقد دمّروا منزلنا. الوضع سيّئ هناك».

ويتخوّف اللاجئون من استغلال قضيّتهم في الانتخابات التشريعيّة والرئاسيّة التركيّة المنتظرة في يونيو عام 2023، في وقت يواجه الرئيس التركي رجب طيب أردوغان غضباً شعبياً متنامياً حول استضافتهم في البلاد.

«غزو صامت»

كان «حزب الشعب الجمهوري»، أكبر أحزاب المعارضة، وعد في حال فوزه بالانتخابات أن يغادر جميع السوريين تركيا «خلال عامين»، فيما اعترف زعيم «حزب النصر» اليميني المتطرّف أنّه موّل فيديو حظي بانتشار واسع على مواقع التواصل الاجتماعي يهدف إلى تخويف الأتراك من «غزو صامت» للاجئين.

ومطلع الشهر الحاليّ، أعلن أردوغان أنه يحضّر «لعودة مليون» سوري إلى بلدهم على أساس تطوّعي، من خلال تمويل استحداث ملاجئ وبنى مناسبة لاستقبالهم في شمال غرب سوريا، بمساعدة دولية.

اقرأ أيضاً.. «د.ب.أ»: الرئيس الأمريكي يزور السعودية أواخر يونيو

تقول سميرة رافضة الكشف عن اسمها الكامل وهي جالسة على وسادة على الأرض، «أعيدوا السوريين إلى بلادهم، أعيدوا السوريين إلى بلادهم... هذا ما نسمعه يومياً من الصباح حتّى المساء على شاشات التلفاز».

وتتساءل «لماذا لا يحبوننا؟ نحن نحاول بناء حياة هنا والاتكال على أنفسنا. السياسيون يستخدمون قضيّتنا للدعاية الانتخابيّة».

«أفواه القتلة»

وعلى الرغم من ضغوط الأحزاب المعارضة، وعد أردوغان بأنه لن يرسل أبداً اللاجئين السوريين إلى بلادهم بالقوة، قائلاً «لن نعيدهم إلى أفواه القَتَلة». لكنّ هذا الكلام لا يطمئن اللاجئين.

على بعد أمتارٍ قليلة من منزل سميرة، تقف أمّ محمد خلف منضدة في متجرها المخصّص لبيع الخبز السوريّ والزيتون والفول وسلع أخرى، معبّرة عن عدم استيعابها لأسباب تبدّل الموقف حيال اللاجئين.

وتقول بخجل: «نحن خائفون للغاية، ونشعر بضغط شديد»، مضيفة «بصفتنا أجانب، علينا أن نحافظ على تهذيبنا طوال الوقت». وتشرح أمّ محمّد أنّ زوجها من المنشقيّن عن الجيش السوري «لا يمكننا قطعاً العودة، إذا عدنا سيقتلوننا».

سوريا ليست خياراً

قبل تسع سنوات، تزوّجت فاطمة إبراهيم (30 عاماً) لاجئاً سورياً بعد هروبها إلى تركيا. وتقول لفرانس برس إنّ الأزمة الاقتصاديّة تطول السوريين كما الأتراك.

خسر زوجها عمله في الحدادة خلال جائحة كوفيد-19، وقبل أسبوعين بدأ العمل كمزارعٍ في محافظة قونيا على بعد 700 كلم من مكان سكنهم. وتقول فاطمة وهي جالسة أرضاً محاطة بأطفالها الثلاثة، «يدفع لنا أرباب العمل أجوراً منخفضة ما يثير غضب السكّان المحليين الذين يلقون اللوم علينا لقبولنا بمبالغ أقلّ مما يجنون عادة».

وتضيف «أحياناً نسمع من السكّان أنّنا تسبّبنا بخسارة وظائفهم ويجب علينا العودة. ويقول لنا البعض: سوريا بحال أفضل الآن لم لا تعودون؟ أنتم السبب في ارتفاع الأسعار، وهذا محزنٌ بالنسبة لي».

إلا أنّ العودة ليست خياراً بالنسبة لفاطمة: «لن أعود مطلقاً، سأبقى هنا أو أهرب نحو أوروبا، لا أملك خياراً ثالثاً».

«لا تختلطوا»

تقول فاطمة إنّها تتجنّب الاختلاط للابتعاد عن المشاكل، مع الحفاظ على حدّ أدنى من التواصل مع السكّان. «لا أتبادل الزيارات مع الجيران، لا نختلط ببعضنا».

وتتحدّث هيفاء (39 عاماً)، معلّمة اللغة الإنجليزيّة، وتتقن اللغة التركيّة بطلاقة بعد مضيّ تسعة أعوام على وجودها في تركيا.

وتقول المرأة المنحدرة من حلب في شمال سوريا، إنها لا تتحدّث العربيّة كي لا تلفت الأنظار وللحفاظ على سلامتها بعد تعرّضها لاعتداءات لفظيّة في الشارع.

اقرأ أيضاً.. وزير خارجية تركيا في الأراضي الفلسطينية اليوم وفي إسرائيل غداً

وتشير إلى أنّ القضايا السياسيّة تؤثّر على اللاجئين أكثر من القضايا الاقتصاديّة، إذ يقول البعض لهم «عودوا إلى بلادكم، إنكم تستمتعون بوقتكم هنا في وقتٍ يُقتَل جنودنا هناك».

ومنذ عام 2016، شنّت أنقرة مع فصائل سورية موالية لها ثلاث عمليات عسكرية واسعة النطاق في شمال سوريا ضد المقاتلين الأكراد بشكل رئيسي، كما لطرد تنظيم داعش من مناطق محاذية لتركيا. وأتاحت لها العمليات السيطرة على منطقة حدودية واسعة تضم العديد من المدن الرئيسية.

وتختم هيفاء حديثها متسائلة باستنكار: «أتعتقدون أنّه من السهل أن نترك كل شيء خلفنا؟ المنزل، الذكريات، كلّ شيء؟ ألا نتمكّن حتّى من زيارة قبر والدنا أو والدتنا؟».